بكين وإدارة الصراع بين موسكو وكييف من منظور المصلحة

بعد مرور ۴۰ شهراً على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لا يزال الأفق غير واضح لنهايتها. في خضم هذه الأزمة، لعبت قوى متعددة أدواراً مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا والصين وتركيا. ومع ذلك، برزت الصين من بين هذه الدول بدور أكثر أهمية، من خلال نهجها المحسوب، خاصة في تعاملها مع روسيا.
9 صفر 1447
علی‏ بمان اقبالی زارتش

بعد مرور 40 شهراً على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لا يزال الأفق غير واضح لنهايتها. في خضم هذه الأزمة، لعبت قوى متعددة أدواراً مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا والصين وتركيا. ومع ذلك، برزت الصين من بين هذه الدول بدور أكثر أهمية، من خلال نهجها المحسوب، خاصة في تعاملها مع روسيا.

قبل اندلاع الصراع في فبراير 2022، كانت الصين تتمتع بعلاقات ودية مع كلا البلدين، واستمرت في التجارة مع الطرفين طوال فترة الحرب. ورغم أن تركيز العديد من المراقبين ينصب على العلاقات بين بكين وموسكو، إلا أن هناك نقطة رئيسية غالباً ما يتم تجاهلها: فعلى الرغم من اضطرابات الحرب، ظلت الصين أكبر شريك تجاري لأوكرانيا، حيث وصل حجم التبادل التجاري الثنائي بين البلدين في عام 2024 إلى ما يقارب 8 مليارات دولار.

ومع ذلك، ورغم سعي بكين للحفاظ على التعاون مع كييف، تحتل روسيا مكانة أكثر أهمية بكثير في الاستراتيجية الكبرى للسياسة الخارجية الصينية.

تُعد روسيا قوة نووية كبرى، وتتشارك مع الصين في حدود برية تزيد عن 4,200 كيلومتر. من ناحية أخرى، يقترب حجم التجارة السنوية بين الصين وروسيا من 250 مليار دولار، وهو ما يمثل نمواً بمقدار ثلاثة أضعاف منذ بدء الحرب في فبراير 2022. تتسم هذه التجارة بعدم توازن واضح؛ حيث تصدر روسيا بشكل أساسي موارد الطاقة، بينما تصدر الصين السلع المصنّعة. وفي حين أن هذه العلاقة التجارية تعود بالنفع على كلا البلدين، إلا أنها أكثر أهمية بكثير بالنسبة لروسيا؛ إذ توفر لها منفذاً لصادرات الطاقة ومصدراً للسلع الصناعية، بينما تستفيد الصين من الموارد المخفضة السعر وتوسع نفوذها الاقتصادي. كما أن الإجراءات والخطابات الصادرة عن الولايات المتحدة وأوروبا خلال الحرب قد زادت من التقارب بين الصين وروسيا. وبالطبع، كثيراً ما يضع القادة الغربيون الصين وروسيا في فئة واحدة، معتبرين إياهما جزءاً من محور إلى جانب إيران، يعارض بشكل جاد وأساسي نهج المحور الأوروبي الأطلسي والهيمنة الغربية العالمية.

شهدت العلاقات بين موسكو وبكين في الألفية الثالثة نمواً ملحوظاً، خاصة بعد إعلان "التعاون بلا حدود" في 4 فبراير 2022. هذه الشراكة، التي أُعلنت قبل ثلاثة أسابيع فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت إلى تعزيز كبير للعلاقات بين البلدين في مجالات رئيسية. ومع ذلك، يواجه هذا التعاون قيوداً في الممارسة العملية. وتظهر هذه الحدود عندما تضطر بكين إلى التكيف مع التطورات الجيوسياسية واتخاذ مواقف تختلف عن مواقف موسكو. في الواقع، سعى المسؤولون الصينيون أيضاً إلى تقديم تفسير معتدل لهذه الشراكة. على سبيل المثال، أكد تشين غانغ، سفير الصين آنذاك في الولايات المتحدة، في مارس 2022، أن هذا التعاون يلتزم بـ "مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومعايير القانون الدولي". وبالمثل، وصف فو كونغ، ممثل الصين لدى الاتحاد الأوروبي، في أبريل 2023، هذه الشراكة بأنها "ضرب من الخطابة" أكثر من أي شيء آخر، قائلاً إن بكين ليست في صف روسيا في حرب أوكرانيا. ورغم هذه التفسيرات، عاد شي جين بينغ في الذكرى الثالثة لحرب أوكرانيا ليؤكد مجدداً على الشراكة "بلا حدود" مع روسيا؛ وهو تأكيد جاء بعد فترة وجيزة من محاولة دونالد ترامب للوساطة لإنهاء الحرب.

سعت بكين دائماً إلى الحفاظ على نوع من التوازن في تعاملاتها مع الأطراف؛ وفي الوقت نفسه، لا يوجد إجماع داخلي، ويعكس موقف الصين الغامض بشأن حرب أوكرانيا على مدى السنوات الثلاث الماضية هذا الخلاف الداخلي في بكين. وهذا ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر بين معسكرات فكرية مختلفة؛ بل إن معظم صانعي السياسة يدركون كلا المنظورين ولا يميلون إلى تبني أحدهما بالكامل على حساب الآخر. وقد أظهر "بيان الاثنتي عشرة نقطة" بشأن أوكرانيا، الذي أصدرته وزارة الخارجية الصينية في فبراير 2023، هذا الانقسام بوضوح؛ حيث يؤكد المبدأ الأول في الوثيقة على احترام السيادة الوطنية وسلامة الأراضي — وهو بيان يدعم دفاع أوكرانيا عن أراضيها. كما أن الصين لم تعترف قط بضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو بمطالباتها بأربع مناطق في شرق وجنوب أوكرانيا. ومع ذلك، يؤكد المبدأ الثاني في الوثيقة على ضرورة "أخذ المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد"؛ وهو ما يمثل إشارة مبطنة لدعم مخاوف روسيا من الضغوط الغربية، بما في ذلك توسع حلف الناتو إلى ما تعتبره موسكو فناءها الخلفي.

بشكل عام، يبدو أن بكين وواشنطن متفقتان على نهج مفاده أن تكون روسيا في حالة حرب فعلياً، ولكن ألا تُهزم في هذه الحرب. وهنا، تقف الصين على نفس مستوى فهم الولايات المتحدة للوضع، أي أنها تشعر بنفس الخوف تماماً من أنه عندما تُهزم روسيا في الحرب، سنواجه عدم استقرار لا يمكن السيطرة عليه، وهذا في الواقع هو الخوف الرئيسي للقوى العظمى في العالم. بالطبع، من ناحية، يخفي الميل العام للصين نحو روسيا التحديات والتناقضات الموجودة في علاقة بكين بموسكو، حيث أدى الالتزام بالعقوبات المالية الغربية إلى صعوبة تسوية التجارة بين الصين وروسيا. ومن ناحية أخرى، انتقدت الدول الغربية الصين مراراً بسبب مزاعم استخدام مكونات صينية في الأسلحة الروسية؛ لدرجة يمكن معها القول إن قضية أوكرانيا أصبحت في السنوات الأخيرة موضوعاً خلافياً في العلاقات بين القارة العجوز وبكين. وبالطبع، تولي الصين الأولوية لمصالحها الاقتصادية، وخاصة الطاقة الروسية الرخيصة؛ وفي الوقت نفسه، استخدمت أوكرانيا أيضاً طائرات مسيرة صينية الصنع على نطاق واسع، واستخدمت مكونات صينية لإنتاج طائراتها المسيرة.

علي بمان إقبالي زارتش؛ رئيس قسم دراسات أوراسيا

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است