بعد مرور 1250 يومًا على الحرب الروسية الأوكرانية المدمرة، التي خلّفت مئات الآلاف من القتلى وخسائر تقارب ألف مليار دولار، لا تزال آمال إحلال السلام ضعيفة. خلال الأشهر الثمانية الماضية، نظم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محاولات عديدة لإنهاء هذه الحرب. ورغم أن هذه الجهود لم تتكلل بالنجاح حتى الآن، فإنه يواصل المضي في هذا المسار بنهجه القائم على الصفقات، ويأتي لقاؤه الأخير مع الرئيس الروسي في ألاسكا في هذا السياق.
لم تسفر مفاوضات ألاسكا عن نتيجة محددة، وأنهى الزعيمان لقاءهما دون الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، حملت البيانات الختامية للطرفين إشارات غامضة؛ فقد تحدث الرئيس الأمريكي عن "الاتفاق على نقاط مهمة" دون تقديم تفاصيل، بينما أشار سيد الكرملين إلى "تفاهمات" يمكن أن تكون، على حد قوله، "نقطة انطلاق لحل النزاع".
وفي تفسيره لهذا اللقاء، صرح دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، بأن الاجتماع أظهر أن التفاوض ممكن دون شروط مسبقة، وذلك في وقت تستمر فيه عمليات موسكو العسكرية في أوكرانيا. وفي ختام اللقاء، أعلن فلاديمير بوتين أن اللقاء القادم مع دونالد ترامب قد يُعقد في موسكو.
أعلن أندريه غوروليوف، الجنرال المتقاعد وعضو البرلمان الروسي الحالي، أن تصريحات بوتين أثناء وقوفه إلى جانب ترامب بعد الاجتماع يوم الجمعة أظهرت أن موقف الكرملين لا يتزعزع. وكتب على قناته في "تليغرام": "إذا كان هناك إنجاز مهم واحد، فهو أن بوتين تمكن من شرح أسباب الحرب مباشرة لترامب". كما سخرت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، من وسائل الإعلام الغربية قائلة إنها "بعد ثلاث سنوات من التقارير عن عزلة روسيا، أصبحت الآن في حالة من الجنون التام لرؤية الرئيس الروسي يُستقبل على السجادة الحمراء من قبل نظيره الأمريكي في ألاسكا". وأضاف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: "كان الحوار في الواقع إيجابيًا للغاية، وكلا الزعيمين قال ذلك. هذا هو نوع النقاش الذي يسمح لنا بمواصلة البحث بحزم عن خيارات مشتركة للتوصل إلى تسوية سلمية".
على الجانب الآخر، راقب المسؤولون الأوكرانيون في كييف البيان المشترك بقلق، باحثين عن أي مؤشرات حول مصير بلادهم. ولكن بعد انتهاء الاجتماع دون أي نتيجة، يعتقدون الآن أن الحرب ستستمر على الأقل بنفس الشدة في الوقت الحالي. وقال أولكساندر ميريجكو، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوكراني: "أعتقد أن هذا فشل؛ لأن بوتين تحدث مرة أخرى عن المخاوف الأمنية واستخدم خطابه المعتاد. لا أرى أي تغيير، ورغم أن الاجتماع كان غير مثمر، فقد خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من العزلة الدبلوماسية". وأكد أن بوتين ظهر كندٍ للرئيس ترامب وانتصر في حرب المعلومات. كما حذر زيلينسكي من محاولة بوتين خداع ترامب، مشددًا على الشروط الأساسية لبلاده لإنهاء النزاع المعقد. وقال أوليكسي غونشارينكو، عضو البرلمان الأوكراني، إنه يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد كسب المزيد من الوقت بعد محادثاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو خفض التصعيد.
في الولايات المتحدة، قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لدونالد ترامب الذي تحول إلى منتقد شرس للرئيس: "من الواضح من خرج منتصرًا من اللقاء بين ترامب وفلاديمير بوتين. يجب القول إن ترامب لم يخسر، لكن بوتين هو الرابح بوضوح، ولم يحصل ترامب على شيء سوى المزيد من اجتماعات المتابعة. في الوقت نفسه، اتخذ بوتين خطوة كبيرة في إحياء العلاقات، وهو ما كنت أعتقد دائمًا أنه هدفه الرئيسي، ويمكن القول إن سيد الكرملين قد خرج من طائلة العقوبات ولا يولي أولوية لوقف إطلاق النار".
بعد لقاء الزعيمين الروسي والأمريكي في ألاسكا، أصدرت مجموعة من القادة الأوروبيين بيانًا مشتركًا بعد محادثات صباحية مع دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي، جاء فيه أن الخطوة التالية يجب أن تكون مواصلة المفاوضات، بما في ذلك مع الرئيس زيلينسكي. وفي وقت لاحق، أصدر المجلس الأوروبي رسالة دعم لأوكرانيا ولفكرة عقد قمة ثلاثية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا. كما رحب القادة بجهود الرئيس ترامب لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا، وإنهاء الحرب العدوانية الروسية، وتحقيق سلام عادل ودائم. ورحبوا في الوقت نفسه ببيان الرئيس ترامب حول استعداد الولايات المتحدة لتقديم ضمانات أمنية، معربين عن أن "التحالف الراغب في التحرك" مستعد للعب دور فعال، وأنه لا ينبغي أن تكون هناك أي قيود على القوات المسلحة الأوكرانية أو تعاونها مع أطراف ثالثة. والأهم من ذلك، أن روسيا لا يمكن أن تمتلك حق النقض (الفيتو) في مسار أوكرانيا نحو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأن أوكرانيا هي من ستقرر بشأن أراضيها، فلا ينبغي تغيير الحدود الدولية بالقوة.
في المجمل، هناك تقييمات متعددة للقاء الزعيمين الأمريكي والروسي، حيث اعتبر الكثيرون نتيجة هذا الحدث نجاحًا باهرًا لسيد الكرملين، ورأوا أن وصول ترامب إلى نتيجة ملموسة في وقف هذا النزاع الغامض يتطلب جهودًا مضاعفة، خاصة إشراك الدول الأوروبية، مع دور فاعل للندن. وبالطبع، لا يخفى على أحد أنه خلال لقاء قادة واشنطن وموسكو، تمت مناقشة قضايا عالمية مهمة أخرى، وتم التوصل إلى تفاهمات غير معلنة تشمل تطورات الشرق الأوسط ومحور أوراسيا، لا سيما جنوب القوقاز.
علي بمان إقبالي زارتش، مدير قسم دراسات أوراسيا
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"