مع تحية إجلال وإكبار لأرواح شهداء العدوان الأخير على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من قادة عسكريين واستخباريين، وعلماء نوويين، وخاصة الأبرياء من النساء والرجال والأطفال.
يجب الإقرار بأن العمليتين الخاصتين اللتين وقعتا في شهر يونيو/حزيران 2025، إحداهما في الأراضي الروسية من قبل أوكرانيا والأخرى في إيران من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، تمثلان نقطة تحول حاسمة في استراتيجية وأساليب الحروب الحديثة. وتُعد هذه الأحداث نهاية لحقبة الحروب التقليدية وتأكيدًا على بزوغ فجر عصر جديد من "حروب الألفية الثالثة". السمة البارزة لهذه الحقبة هي هيمنة مثلث "المعرفة بالطائرات المسيرة، والعصر الرقمي، وعنصر الاستخبارات والأمن". ومما لا شك فيه، أن هذا التطور يستلزم أن تُجري إيران الإسلامية تغييرات وإصلاحات جوهرية في عقيدتها الدفاعية والأمنية. من ناحية أخرى، تكتسب مواصلة التحرك الدبلوماسي أهمية مضاعفة على صعيدين: الأول، الدبلوماسية العامة عبر صياغة رواية عن الهجوم الأحادي وغير القانوني على بلدنا في إطار التعامل مع الدول الإسلامية والجارة والصديقة وكافة الأمم، والثاني، المتابعة الحثيثة لإدانة المعتدي وتقديم طلب بالتعويضات من المعتدين في المحافل الدولية المتخصصة، إلى جانب أهمية توثيق ما جرى.
لقد وصف المحللون السياسيون والعسكريون في العالم كلتا العمليتين الأخيرتين (هجوم أوكرانيا على روسيا، وهجوم إسرائيل وأمريكا على إيران)، اللتين تم توجيههما وتنفيذهما من على بعد كيلومترات، بأنهما من أعقد العمليات العسكرية والاستخباراتية. وفي حالة أوكرانيا، كان تنفيذ عملية بهذا الحجم خلال الحرب أمرًا غير مسبوق على الإطلاق.
في الهجوم الأوكراني، الذي كان نتاج تخطيط استمر 18 شهرًا، تم استهداف أهداف استراتيجية بالغة الأهمية. شملت هذه الأهداف أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية (جزء من الثالوث النووي للبلاد إلى جانب الصواريخ الأرضية والغواصات)، بالإضافة إلى ترسانتها النووية، التي تعد الأكبر في العالم. وفي هذا الهجوم، وباستخدام 117 طائرة مسيرة، أُلحقت أضرار بهذه المعدات المتطورة تُقدر قيمتها بما يتراوح بين 6 و7 مليارات دولار.
أعلن فولوديمير زيلينسكي، الذي أشرف شخصيًا على هذه العملية، أن هذا النجاح ساهم بشكل كبير في استعادة ثقة الشركاء الدوليين في قدرة أوكرانيا على مواصلة الحرب. كما أشار إلى تفاصيل تكتيكية، منها إخفاء الطائرات المسيرة في الأسقف الخشبية للشاحنات.
تعود جذور التخطيط الإسرائيلي للهجوم على إيران إلى أوائل التسعينيات؛ عندما رصدت أجهزة استخبارات هذا الكيان المؤشرات الأولى لبرنامج إيران لتطوير قدرات نووية. في المرحلة الأولى، بدأت إسرائيل حملة تخريب عبر إنشاء شبكة واسعة من العملاء داخل إيران، شملت تفجيرين في أحد المراكز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم واغتيال عدد من العلماء الإيرانيين.
ومع ذلك، توصل المسؤولون الإسرائيليون إلى أن هذه الجهود لم تكن كافية، وأنه من أجل التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني وتصفية علمائه الرئيسيين، يجب اللجوء إلى شن هجمات جوية مباشرة.
واجه التحضير لمثل هذه العملية تحديات هائلة. ونظرًا لاستحالة تدريب الطيارين لمهمة بعيدة المدى في الجغرافيا المحدودة لفلسطين المحتلة، بدأت إسرائيل تدريبات واسعة النطاق خارج حدودها. وفي مثال بارز عام 2008، قامت أكثر من 100 طائرة إسرائيلية من طراز F-15 و F-16 بطلعة جوية لمسافة 1500 كيلومتر حتى اليونان، لاختبار قدرة قواتها الجوية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
تواصلت هذه التدريبات بشكل متزايد، وفي النهاية، تم إعداد قائمة دقيقة تضم 250 هدفًا. لم تشمل هذه القائمة المنشآت النووية وقاذفات الصواريخ فحسب، بل ضمت أيضًا علماء وقادة عسكريين إيرانيين.
برزت في كلتا العمليتين عدة قضايا تتطلب اتخاذ التدابير اللازمة والتعلم من الخسائر المتكبدة، إلى جانب اعتماد إجراءات وقائية؛ وبالطبع، إن تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة مستحيل على هيكل واحد، وفي كلتا الحالتين لعبت المساعدات والمشورة الاستخباراتية والعسكرية من المحور الغربي دورًا مهمًا.
أ- كان دور الطابور الخامس والعناصر المندسة استخباريًا وأمنيًا بارزًا، كما شارك مواطنون أجانب بفعالية.
ب- لعب أسطول النقل الثقيل دورًا في نقل المعدات العسكرية والطائرات المسيرة، وخلال فترة زمنية ملحوظة، تم نقل المعدات اللازمة إلى جغرافيا قريبة من مسرح العمليات.
ج- لم تتصرف الهياكل الاستخباراتية والأمنية بطريقة مهنية وعملياتية لاتخاذ تدابير وقائية على الرغم من وجود أدلة على التهديد. وعلى الصعيد العسكري، كان بإمكان منظومة الدفاع الجوي والطائرات الحربية الهجومية أن تؤدي دورًا أبرز في مواجهة الهجمات الجوية للعدو.
د- فيما يتعلق بعملية الكيان الصهيوني في إيران، لعب مشروع الخداع الاستخباري، الذي استغل ست جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا، دورًا مهمًا.
هـ- لم يتصرف المسؤولون والقادة العسكريون في بلادنا بشكل شامل في اتخاذ الإجراءات الوقائية والأمنية اللازمة؛ وقد تمكن الكيان الصهيوني بتكلفة منخفضة وفي المراحل الأولى من العدوان من استهداف واستشهاد العديد من قادة الحرس الثوري والعلماء النوويين القيمين.
و- في كلتا العمليتين، برز دور تكنولوجيا الاتصالات وأنظمة البث في العصر الرقمي.
في خلاصة نهائية، يمكن القول إنه على الرغم من أن العملية في روسيا حققت جزءًا من أهدافها، إلا أن الوضع في إيران كان مختلفًا. فالقدرة الصاروخية وأداؤها الاستثنائي، رغم كل التدابير الدفاعية للعدو، ردعت الكيان الصهيوني عن مواصلة الهجوم وأجبرته على طلب وقف إطلاق النار.
في غضون ذلك، لعب عاملان داخليان دورًا رئيسيًا: أولًا، التلاحم والصمود الوطني والشعبي الشامل، الذي ضمن استقرار البلاد إلى جانب الأداء الاستثنائي للأجهزة الخدمية. وبالطبع، لا يزال التعزيز المستمر لهذا التضامن على جميع مستويات المجتمع ضرورة حتمية.
ثانيًا، إعادة الهيكلة السريعة للقيادة العسكرية والاستخباراتية في البلاد واستمرارية الأداء المهني لهذه القطاعات، مما يدل على مرونتها وكفاءتها العالية. وهذه المرونة بحد ذاتها تُعتبر عنصرًا قيمًا واستراتيجيًا في الدفاع عن القيم الإسلامية والإيرانية.
علي بمان إقبالي زارتش، رئيس مجموعة دراسات أوراسيا
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"