دور نوروز في التقارب الثقافي وتنمية التعاون الإقليمي ضمن مفهوم العالم الإيراني

نوروز، أبعد من كونه تقليدًا وطنيًا، هو إرث ثقافي عالمي يُحتفى به ويُحتفل به في نطاق واسع من مناطق العالم تشمل آسيا الوسطى والقوقاز ودول الخليج العربي وشبه القارة الهندية وأجزاء من أوروبا وإفريقيا.
8 شوال 1446
مينا هاديان

نوروز، أبعد من كونه تقليدًا وطنيًا، هو إرث ثقافي عالمي يُحتفى به ويُحتفل به في نطاق واسع من مناطق العالم تشمل آسيا الوسطى والقوقاز ودول الخليج العربي وشبه القارة الهندية وأجزاء من أوروبا وإفريقيا.

لكن ما سر مكانته العالمية واتساعه الثقافي؟ يمكن البحث عن الإجابة في مفاهيم أساسية مثل "العالم الإيراني" ونظريتي "الانتشار الثقافي" و"الإقليمية الثقافية".

لكي نتمكن من تحليل دور نوروز في خلق وتعزيز الهوية المشتركة والتقارب الثقافي وإيجاد حلول للاستفادة من قدرات هذا التقليد القيم، لا بد أولاً من تحديد الأسس النظرية للنقاش. لهذا الغرض، سنتناول في ما يلي تعريف مفهوم "العالم الإيراني" وتوضيح نظريتي "الانتشار الثقافي" و"الإقليمية الثقافية" كأساس لتحليلنا.

نوروز في إطار نظرية الانتشار الثقافي والإقليمية الثقافية

تفسر نظرية الانتشار الثقافي، التي تعود جذورها إلى الأنثروبولوجيا الثقافية، كيفية انتشار العناصر الثقافية بين المجتمعات المختلفة. في هذا الإطار، تم قبول نوروز كتقليد قديم، وانتشر واستمر بين الشعوب المختلفة في العالم الإيراني من خلال الروابط التاريخية واللغوية والثقافية. بناءً على هذه النظرية، انتشر نوروز وتم قبوله في مناطق مختلفة، وبين أجيال مختلفة، دون تدخل إكراه سياسي أو تدخلات حكومية، بل من خلال جاذبيته الجوهرية وروابطه التاريخية والثقافية في تلك الأراضي. بعبارة أخرى، تم نقل هذه الطقوس بشكل واعٍ وطوعي وعبر الروابط الثقافية والحضارية القائمة.

من ناحية أخرى، تؤكد نظرية الإقليمية الثقافية، المطروحة في دراسات العلاقات الدولية والدراسات الإقليمية، على أن المشتركات الثقافية يمكن أن تُعد أساسًا لخلق التقارب والإقليمية. تظهر هذه النظرية كيف أن الاشتراك في عناصر ثقافية، مثل تقليد نوروز، يمكن أن يساعد في خلق شعور بالتضامن والاتحاد بين الشعوب وتشكيل التقارب والتكتلات الإقليمية. في الواقع، القيم الثقافية المشتركة لا تعزز الهوية الوطنية فحسب، بل يمكن أن تؤدي على مستوى أعلى إلى تعاون إقليمي في المجالات السياسية والاقتصادية أيضًا. بناءً على ذلك، يمكن أن يكون نوروز منصة لتشكيل تعاون إقليمي، وأبعد من ذلك، ترسيخ العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين دول الحضارة الإيرانية أو بعبارة أخرى العالم الإيراني.

مفهوم العالم الإيراني ومكانة نوروز فيه

في هذا التحليل، نعرف العالم الإيراني، خلافًا للتصورات القومية البحتة، ليس بصفته حدودًا سياسية، بل كمجال حضاري. هذا المجال تشكل على أساس المشتركات الثقافية واللغوية والفنية والتقليدية العميقة، بما في ذلك نوروز.

بمعنى آخر، يتجاوز العالم الإيراني الحدود السياسية ويُعرف كحضارة ذات خصائص ثقافية مميزة وواسعة النطاق.

لفهم أفضل لاتساع هذا النطاق الجغرافي والثقافي، يمكن مطابقته مع الحدود الإقليمية الحالية. في هذه الحالة، نجد أنفسنا أمام منطقة تمتد حدودها من المقاطعات الغربية للصين إلى غرب آسيا والسواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. بالنظر إلى هذا النطاق الإقليمي الواسع، فإن استخدام عنوان "العالم" له ليس مبالغًا فيه على الإطلاق.

في قلب هذا العالم الإيراني، يلعب نوروز، كأحد أهم التقاليد المشتركة، دورًا حيويًا. هذه الطقوس القديمة ليست فقط مرآة تعكس القيم التاريخية والثقافية الغنية لهذا المجال الحضاري، بل تعمل أيضًا كجسر يربط شعوب هذا النطاق الثقافي الواسع ببعضهم البعض على أساس تراثهم المشترك.

التسجيل العالمي لنوروز وتأثيراته على الدبلوماسية الثقافية

كان تسجيل نوروز كتراث ثقافي غير مادي للبشرية في منظمة اليونسكو عام 2009، بمشاركة دول إيران والهند وكازاخستان وباكستان وأوزبكستان وجمهورية أذربيجان وتركيا، والتسجيل النهائي لملف نوروز بانضمام دول العراق وتركمانستان وطاجيكستان وأفغانستان وقيرغيزستان، نقطة تحول في رفع مكانة وأهمية نوروز الدولية.

هذا التسجيل العالمي رفع نوروز من احتفال وطني إلى مستوى عابر للحدود، ومهد الطريق للاستفادة من قدراته الثقافية في سبيل تطوير التعاون الإقليمي والدولي. كما كان قرار منظمة الأمم المتحدة بدعم نوروز تأكيدًا على دور هذا التقليد في إرساء السلام والتضامن بين الشعوب.

دبلوماسية نوروز ومسار إقامة الاحتفالات العالمية بنوروز

بدأت دبلوماسية نوروز في عام 2009 كأداة للتفاعلات الثقافية والتقارب الإقليمي. قبل التسجيل العالمي لنوروز، أقامت دول إيران وأفغانستان وطاجيكستان احتفالات مشتركة، ولكن مع تسجيل هذا التراث في اليونسكو، أقيم أول احتفال عالمي لنوروز في عام 2010 في طهران، وبمشاركة رؤساء الدول الأعضاء وإقرار البيان الأول لنوروز، بدأت العملية الرسمية للتعاون الثقافي في هذا المجال. في السنوات اللاحقة، أقيمت الاحتفالات العالمية لنوروز في دول مختلفة بما في ذلك طاجيكستان وتركمانستان وأفغانستان، وتشكلت اجتماعات متعددة الأطراف لتعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي. لكن بعد عام 2014، توقفت إقامة هذه الاحتفالات على مستوى القادة بسبب تحديات مختلفة، واستمر الاحتفاء بنوروز بشكل أساسي على شكل تبادل رسائل نوروز، أو اجتماعات الخبراء، أو فعاليات ثقافية.

يُعد إقامة الفعاليات والمراسم الدولية لنوروز بشكل مستمر دليلًا واضحًا على استمرار دور وأهمية هذا التقليد القديم في الدبلوماسية الثقافية. هذا الدور له أهمية لكل من جمهورية إيران الإسلامية والدول الأخرى التي سجلت هذا التراث العالمي.

تشمل أمثلة هذه الفعاليات الاحتفال العالمي بنوروز في قصر جولستان عام 2017، ومجمع نياوران عام 2022، بالإضافة إلى المؤتمرات والملتقيات المختلفة المشابهة لما أقيم في مارس 2025 في ميدان آزادي بطهران، وأيضًا المؤتمر الدولي تحت عنوان "هلال نوروز في جوهرة النسيج التاريخي لشيراز؛ العتبة الطاهرة لحضرة شاه جراغ (ع)".

كما أشير سابقًا، يُعد نوروز كاحتفال قديم، بغض النظر عن وظيفته في تجديد حياة الطبيعة وبداية العام الجديد، عاملًا قويًا للوحدة بين شعوب الحضارة الإيرانية. تلعب هذه الطقوس دورًا مهمًا في تقليل التوترات السياسية والاقتصادية وتعزيز التعاون الإقليمي من خلال خلق جو ملائم للتفاعل والحوار.

بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية، التي تمتلك خلفية ثقافية وتاريخية غنية، يُعد الاستفادة من قدرات نوروز أداة فعالة لدفع الدبلوماسية الثقافية ومنصة مناسبة لتعزيز العلاقات الودية والبناءة مع الجيران.

مقترحات للاستفادة من قدرات نوروز في تعزيز التعاون الإقليمي

  1. إنشاء إطار مؤسسي للتعاون في مجال نوروز: يمكن للدول الأعضاء في ملف التسجيل العالمي لنوروز، من خلال تشكيل هيئة إقليمية مشتركة، تنسيق الأنشطة الثقافية والاقتصادية والسياحية المتعلقة بنوروز. يمكن لجمهورية إيران الإسلامية، نظرًا لمكانتها التاريخية ودورها الريادي في تسجيل نوروز، أن تتولى قيادة هذه الهيئة وتستفيد من هذه القدرة لتعزيز التعاون الإقليمي.
  2. تعزيز دبلوماسية نوروز: يمكن أن توفر إقامة اجتماعات ثقافية وسياسية سنوية منصة للحوارات متعددة الأطراف. مقترحات مثل تقديم تسهيلات قنصلية خاصة خلال أيام نوروز، وخاصة في مجال الدعم القنصلي والقضائي، وتشكيل لجان قنصلية واقتصادية مشتركة لبحث التحديات المشتركة، وتخفيض أو إلغاء مؤقت للتعريفات الجمركية على السلع والخدمات المتعلقة بنوروز، يمكن أن تسهم في تعزيز الاتصالات والتعاون الاقتصادي في إطار دبلوماسية نوروز.
  3. الاستفادة من قدرات سياحة نوروز: يمكن الترويج لنوروز كعلامة تجارية سياحية إقليمية. تطوير البنية التحتية السياحية، تصميم جولات سياحية خاصة بنوروز، والإلغاء المتبادل للتأشيرات بين الدول الأعضاء، يمكن أن يؤدي إلى زيادة التبادلات السياحية والاقتصادية بين هذه الدول. أمثلة مثل سياسات السياحة في طاجيكستان في الاستفادة من نوروز، تظهر القدرة العالية لهذا التقليد في النهوض بصناعة السياحة، والتي يمكن للدول الأعضاء الأخرى في ملف نوروز، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية، أن تحذو حذوها.
  4. توسيع البرامج التعليمية والبحثية: إنشاء مراكز بحثية وتعليمية تتمحور حول نوروز والثقافة المشتركة للمنطقة، تبادل الطلاب، وإجراء الأبحاث العلمية في هذا المجال، يمكن أن يزيد من وعي الأجيال القادمة بأهمية هذا التقليد. يمكن لهذه المراكز أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الأدبيات البحثية في مجال التقارب الثقافي.
  5. تقليل الإجراءات الرسمية وزيادة المشاركة الشعبية: إزالة العقبات البيروقراطية والإجراءات الرسمية وزيادة مشاركة الناس في احتفالات نوروز، وخاصة من خلال اللقاءات الثقافية، المهرجانات الفنية، والمسابقات الرياضية في إطار دوريات نوروز، يمكن أن يعزز التماسك الثقافي ويمهد الطريق لتفاعل ثقافي أوسع بين شعوب الحضارة المرتبطة بنوروز.

يمكن لهذه المقترحات، من خلال تقليل الحواجز الرسمية، زيادة التفاعلات الإقليمية، واستخدام نوروز كمنصة للتعاون المستدام، أن تسهم في تعزيز الدبلوماسية الثقافية والتقارب الإقليمي.

الخلاصة

نوروز، أبعد من كونه مجرد طقس تقليدي بسيط، هو ظاهرة حضارية تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام، ويُحتفى به بين شعوب مختلفة في نطاقها الثقافي.

إحدى السمات البارزة لهذا الاحتفال هي انتشاره دون فرض أو إكراه سياسي. في الواقع، ترسخت جذور نوروز وانتشر فقط من خلال الروابط التاريخية والثقافية العميقة بين المجتمعات.

هذه الطريقة في الانتشار جعلت من نوروز مثالًا ممتازًا للانتشار الثقافي. وهكذا، يلعب هذا التقليد دورًا مهمًا في تشكيل وتعزيز الهوية المشتركة بين شعوب الحضارة الإيرانية.

في العصر الحالي، مع تحول مقاربة النظام الدولي من المواجهة العسكرية إلى التفاعلات الثقافية والاقتصادية، برز نوروز كأداة قوية محتملة لتعزيز التقارب الإقليمي والتعاون الدبلوماسي. هذه القدرة نابعة من المشتركات الثقافية والتاريخية والاجتماعية العميقة لهذا التقليد، والتي توفر بيئة مناسبة لخلق تفاعلات مستدامة بين دول الحضارة المرتبطة بنوروز.

لقد أتاح التسجيل العالمي لنوروز في اليونسكو وإقامة الاحتفالات الدولية فرصًا جديدة لتوسيع هذه التفاعلات الثقافية والسياسية والاقتصادية. على الرغم من هذه الفرص، فإن الاستفادة الكاملة من قدرات نوروز تتطلب إجراءات أكثر جدية من قبل الدول الأعضاء. يجب على هذه الدول السير نحو مأسسة البرامج المشتركة، إنشاء هياكل منسقة، وإزالة العقبات البيروقراطية.

في النهاية، يمكن لتنمية التعاون، وخاصة في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياحية تحت مظلة نوروز، ألا تعزز الروابط التاريخية بين الشعوب فحسب، بل تمهد الطريق أيضًا لتشكيل تحالفات إقليمية مستدامة وتعزيز العلاقات بين الدول ذات التوجهات المتوافقة.

مينا هاديان، خبيرة في وزارة الخارجية.

    "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است