عواقب انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية على أفريقيا

خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، كان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من عدد من المنظمات الدولية من بين قراراته المثيرة للجدل. وكان من بين هذه الإجراءات المهمة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية في عام ۲۰۲۰.
11 رمضان 1446
رویت 91
محمد موحد

خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، كان انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من عدد من المنظمات الدولية من بين قراراته المثيرة للجدل. وكان من بين هذه الإجراءات المهمة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية في عام 2020. هذا الإجراء، الذي ترك آثارًا كبيرة على سياسات الصحة العالمية والصحة العامة في جميع أنحاء العالم، أثر بشكل خاص على الدول الأفريقية؛ تلك الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية في مجال الصحة والعلاج. تتناول هذه المقالة تداعيات هذا القرار، أي انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، على الدول الأفريقية، وتحلل التحديات والفرص الناجمة عنه.

في فترة رئاسته، بدأ دونالد ترامب، بإصدار أمر تنفيذي، عملية انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية. وبعد بدء ولايته الرئاسية الثانية، أكد مرة أخرى، وفي أول يوم عمل له، على انسحاب أمريكا من هذه المنظمة الدولية بتوقيع أمر تنفيذي آخر. وقد واجه هذا القرار الذي اتخذه ترامب في كلا الفترتين ردود فعل مصحوبة بالقلق والانتقاد الواسع على الصعيدين الداخلي والدولي.

وصف طارق ياسر أوويتش، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، هذا القرار بأنه مؤسف. وهذه هي المرة الثانية التي يصدر فيها ترامب أمرًا بانسحاب أمريكا من هذه المنظمة. وكان قد أصدر أمرًا بانسحاب أمريكا من المنظمة في نهاية فترة رئاسته الأولى أيضًا، متهمًا إياها بسوء الإدارة، لكنه أُلغي في عهد جو بايدن في مواجهة جائحة كوفيد وخطر احتمال تفشي وباء من فيروس الإنفلونزا.

إن قرار ترامب في العشرين من يناير، سيؤثر لعقود على العمود الفقري لخطط المساواة الصحية، وتداعياته تتجاوز بكثير الجغرافيا السياسية. فانسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية ليس مجرد قرار سياسي، بل هو ضربة مباشرة لأمن وصحة ملايين الأشخاص في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط في القارة الأفريقية. كما أن هذا الأمر علّق نقل الموارد المالية والدعم والمساعدات من الولايات المتحدة. إن انسحاب الولايات المتحدة من هذه المنظمة الدولية أمر بالغ الأهمية. وكان ترامب قد أخرج الولايات المتحدة من هذه المنظمة في عام 2020 أيضًا.

انخفاض الموارد المالية والدعم

سيؤدي انسحاب الولايات المتحدة، باعتبارها واحدة من أكبر الممولين لمنظمة الصحة العالمية، إلى انخفاض كبير في ميزانية المنظمة ومواردها المالية. فبمفردها، توفر أمريكا 22% من إيرادات منظمة الصحة العالمية، أي ما يعادل 261 مليون دولار سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الولايات المتحدة بمبلغ 728 مليون دولار، وهو ما يمثل 14% من إجمالي المساهمات الطوعية للمنظمة. لفهم أهمية هذه الأرقام بشكل أفضل، نستعرض هيكل ميزانية منظمة الصحة العالمية. تعتمد ميزانية المنظمة على مصدرين رئيسيين: الاشتراكات الإلزامية والمساعدات الطوعية. الاشتراكات الإلزامية هي المبالغ التي تدفعها الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية سنويًا بناءً على عدد سكانها وناتجها المحلي الإجمالي. يعتبر هذا النوع من المساعدات مصدرًا ثابتًا ويمكن التنبؤ به لتغطية التكاليف الرئيسية للمنظمة. في المقابل، تُقدم المساعدات الطوعية إلى المنظمة من قبل الدول الأعضاء ومنظمات أخرى مثل المؤسسات والمنظمات الخاصة، وتُستخدم عادةً لتنفيذ مشاريع أو تحقيق أولويات محددة مثل مكافحة أمراض معينة أو برامج الصحة العامة. بشكل عام، تعتبر الولايات المتحدة أكبر مانح للمنظمة، حيث توفر حوالي 18% من إجمالي ميزانيتها، وتلعب دورًا حيويًا في قدرتها على أداء مهامها العالمية والاستجابة للأزمات الصحية. لذلك، فإن خفض أو قطع هذه المساعدات المالية، خاصة من أكبر مانح، يمكن أن يفرض ضغطًا كبيرًا على الهيكل المالي للمنظمة ويترك آثارًا سلبية واسعة النطاق على برامجها الصحية على مستوى العالم.

ستواجه الدول الأفريقية، التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية الدولية لمكافحة الأمراض، انخفاضًا في الموارد المالية بسبب انسحاب أمريكا. يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تأخير في توفير اللقاحات والأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى تقليل قدرة المنظمة على تنفيذ البرامج الصحية في أفريقيا، مما يهدد برامج الصحة الرئيسية في أفريقيا ويضعف قدرة هذه الدول على الاستجابة للأزمات الصحية، ويؤدي إلى زيادة الوفيات وتفاقم الأمراض في هذه القارة. ففي دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث قد ينخفض تغطية التطعيم إلى أقل من خمسين بالمائة في بعض المناطق، وتزداد حدة تفشي أمراض الكوليرا والملاريا وحمى الضنك؛ على سبيل المثال، أظهر تفشي الإيبولا في غرب أفريقيا بين عامي 2014 و 2016 كيف يمكن لحالة طوارئ صحية بدون دعم قوي أن تعرض حياة العديد من الأشخاص للخطر.

دور منظمة الصحة العالمية في أفريقيا

تلعب منظمة الصحة العالمية، بصفتها هيئة دولية، دورًا محوريًا في تنسيق سياسات الصحة العامة، والبحوث الطبية، وتبادل المعلومات الصحية على مستوى العالم. وتكتسب هذه المنظمة أهمية خاصة بالنسبة للدول النامية، ولا سيما في قارة أفريقيا؛ القارة التي تواجه العديد من دولها تحديات صحية جسيمة مثل الأمراض المعدية كالإيدز والملاريا والإيبولا. وفي مثل هذه الظروف، تعتبر الدعم المالي والفني الذي تقدمه منظمة الصحة العالمية حيويًا لتوفير اللقاحات والأدوية والمعدات الطبية. علاوة على ذلك، تضطلع منظمة الصحة العالمية بدور أساسي في تصميم وتنفيذ البرامج التعليمية وتعزيز مستوى الصحة العامة في البلدان الأفريقية، وقد تمكن العديد من هذه البلدان من خلال برامج المنظمة من مكافحة انتشار الأمراض المعدية. ويمكن أن يؤدي خفض ميزانيات منظمة الصحة العالمية، وخاصة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة، إلى تقليل فرص الحصول على برامج الوقاية والتشخيص والعلاج من الأمراض في جميع أنحاء القارة الأفريقية. فعلى سبيل المثال، سيواجه البرنامج العالمي للقضاء على شلل الأطفال في أفغانستان وباكستان، والذي يعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية الأمريكية، تهديدًا جديًا. وسيؤدي هذا الأمر أيضًا إلى تحدي تقدم خطة الأمم المتحدة لإنهاء أمراض مثل الإيدز بحلول عام 2030.

وقد سدت الدول الأوروبية الفجوة المالية في عام 2020، عندما قطع ترامب آخر مرة ميزانية الولايات المتحدة. لكن من غير المرجح أن تكون قادرة على فعل ذلك هذه المرة في ظل توقعات الركود الاقتصادي، حيث تواجه الدول الأوروبية تحديات جيوسياسية ومالية خاصة بها. وإذا لم تتمكن مصادر أخرى من سد هذه الفجوة المالية الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة، فإن عبء المسؤولية عن نقص تمويل البرامج والخدمات الصحية سيقع على عاتق الدول الأفريقية، مما يزيد الضغط على الحكومات ذات الحيز المالي المحدود. وستواجه الدول الأفريقية، في سعيها لمكافحة الأمراض المعدية، انخفاضًا في الموارد المالية. ويمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تأخير في توفير اللقاحات والأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى تقليل قدرة المنظمة على تنفيذ البرامج الصحية في أفريقيا.

أي البلدان ستتأثر أكثر؟

إن البلدان التي ستتضرر أكثر من غيرها من هذا الوضع هي تلك التي تعاني من عبء ثقيل من أمراض الإيدز (نقص المناعة المكتسب)، والسل، والملاريا، وكذلك البلدان التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين والنازحين داخليًا. وحاليًا، فإن الدول العشر الرئيسية المتلقية لمساعدات وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID) في أفريقيا هي: نيجيريا، ومالي، والنيجر، وموزمبيق، وتنزانيا، وأوغندا، وجنوب أفريقيا، وكينيا، وزامبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. هذه الدول، التي يعاني الكثير منها من التحديات الصحية المذكورة، ستشهد بلا شك آثارًا خطيرة على صحة ملايين المواطنين إذا لم يتم تأمين موارد مالية بسرعة لتعويض الفراغ الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية. وسيكون العجز عن منع الإصابات الجديدة وخطر زيادة مقاومة الأدوية بسبب اضطراب برامج العلاج، من بين التداعيات الواسعة والمثيرة للقلق لهذا التخفيض في الميزانية.

في أوغندا، حيث يعيش حوالي 1.4 مليون شخص مصاب بالإيدز، كان يتم تمويل 60% من تكاليف برنامج الإيدز في البلاد من خلال برنامج المساعدات الصحية الأمريكية، ويتم توفير حوالي 20% من الصندوق العالمي (الذي يتم تمويل جزء منه من برنامج المساعدات الصحية الأمريكية).

تشير الدلائل إلى أنه مع انخفاض مشاركة الولايات المتحدة في مجال الصحة العالمية تحت قيادة الرئيس ترامب، قد يزداد دور أوروبا في إدارة الصحة العالمية. وقد تزيد الدول الأوروبية من تعزيز مساعداتها في مجالات تمويل الصحة العالمية والقيادة في هذا المجال أكثر من ذي قبل. ويمنح تقليص دور أمريكا أوروبا فرصة لتكون أكثر تأثيرًا في سياسات الصحة العالمية، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الصحية، وخاصة في المناطق التي تعاني عادةً من نقص الموارد المالية. وبناءً على ذلك، تحتاج الدول الأفريقية الفقيرة إلى اتباع نهج متعدد الأطراف وتعاون محلي وإقليمي ودولي لتطوير نظامها الصحي والعلاجي. وتتمثل الخطوة الأولى في هذا المسار في تعزيز البنية التحتية الصحية وتأمين موارد مالية مستدامة. ويمكن للدول الأفريقية أن تزيد من قدرتها على مواجهة الأزمات الصحية من خلال تحسين إدارة الموارد، وتعزيز أنظمة الصحة العامة، والارتقاء بجودة التعليم والتدريب في القطاع الصحي. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام التقنيات الحديثة لتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية في المناطق النائية والمحرومة، وتعزيز السياسات الوقائية ضد الأمراض، وفي نهاية المطاف، تهيئة بيئة مواتية لجذب الاستثمارات وتعزيز الشراكات المحلية والعالمية، يمكن أن يساهم في التنمية المستدامة للنظام الصحي في البلدان الأفريقية.

تحتاج الدول الأفريقية إلى تبني نهج شامل ومستدام لمواجهة التحديات الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية بشكل فعال. ومن أهم الخطوات في هذا الاتجاه تعزيز دور المؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا. ويمكن لهذه المؤسسات أن تقلل بشكل فعال من الآثار السلبية لانسحاب الولايات المتحدة من خلال إنشاء آليات مشتركة للتمويل وتبادل المعلومات وتنسيق السياسات الصحية. وإلى جانب هذه الجهود، يجب على الدول الأفريقية أن تسعى إلى تنويع مصادرها المالية. ومن الضروري الاستفادة من قدرات المؤسسات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ومؤسسة غيتس وشركاء التنمية الآخرين لتمويل المشاريع الحيوية في مجال الصحة العامة. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الاستثمار المحلي في قطاع الصحة العامة من خلال زيادة حصة الميزانية الوطنية للصحة وتعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، يمكن أن يؤدي إلى تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية ويهيئ الأرضية للتنمية المستدامة للنظام الصحي في هذه البلدان.

يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تلعب دورًا في مجال الصحة العامة وصناعة الأدوية في أفريقيا. تستورد الدول الأفريقية معظم الأدوية التي تحتاجها من الاتحاد الأوروبي والهند والصين؛ حيث توفر هذه المناطق الثلاث أكثر من 75% من واردات الأدوية إلى القارة الأفريقية. وتجدر الإشارة إلى أن شركات الأدوية الهندية تلعب دورًا مهمًا في توفير الأدوية الجنيسة بأسعار معقولة للسوق الأفريقية. بالإضافة إلى ذلك، تشارك الصين بنشاط في دبلوماسية الصحة في جميع أنحاء أفريقيا وقدمت مساعدات طبية ودعمًا لتطوير البنية التحتية الصحية في القارة منذ الستينيات. وبينما تعتبر الولايات المتحدة واحدة من أكبر مصدري الأدوية على مستوى العالم، فإن حصتها من واردات الأدوية الأفريقية تبلغ 4.4% فقط. وداخل القارة الأفريقية، تعتبر جنوب أفريقيا واحدة من الدول الرائدة في تصدير الأدوية، وتلعب شركات مثل Aspen Pharmacare دورًا رئيسيًا في إنتاج وتوزيع الأدوية ذات العلامات التجارية والأدوية الجنيسة على مستوى القارة. كما تصدر كوبا كوادرها الصحية والمتخصصين في مجال الصحة إلى أفريقيا. ويمكن لإيران أيضًا أن تلعب دورًا أكثر فعالية في هذا المجال.

يعد استخدام التقنيات الحديثة مثل أنظمة الصحة الرقمية، والطب عن بعد، والذكاء الاصطناعي لمراقبة الأمراض وتعزيز كفاءة النظام الصحي من الحلول الأخرى التي يمكن أن تقلل من التأثير السلبي لانخفاض الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية.

الخلاصة

في مواجهة انخفاض الدعم الدولي، قد تواجه القارة الأفريقية تحديات خطيرة، لكنها في الوقت نفسه ستحظى بفرص لتعزيز بنيتها التحتية الصحية. ومن أهم التحديات نقص الموارد المالية لتوفير الخدمات الصحية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي غياب التنسيق العالمي في مواجهة الأزمات الصحية إلى جعل الدول الأفريقية أكثر عرضة للأمراض المعدية والأوبئة.

بشكل عام، يمكن للدول الأفريقية، من خلال تبني استراتيجية شاملة تتضمن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وزيادة التعاون الدولي مع الدول الأخرى والمنظمات غير الحكومية، وجذب موارد مالية متنوعة، وتطوير البنية التحتية المحلية، والاستفادة من التقنيات الحديثة، أن تزيد من قدرتها على مواجهة التحديات الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وأن تتحرك نحو نظام صحي أكثر استقلالية ومرونة.

إن انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية، على الرغم من أنه قد يؤدي إلى تقليل الدعم الدولي للدول الأفريقية في مجال الصحة والعلاج؛ إلا أن هذا القرار يمنح الدول الأفريقية فرصة للتركيز على تعزيز البنية التحتية الصحية والاكتفاء الذاتي في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، يتطلب هذا الإجراء مزيدًا من الاهتمام والتعاون من الدول الأوروبية والمنظمات الدولية الأخرى لتعويض نقص الموارد والحفاظ على القدرة على مواجهة الأزمات الصحية العالمية.

محمد موحد خبير أول بمركز الدراسات السياسية والدولية

 

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است