"العادة" هي ظاهرة ذهنية تنشأ نتيجة تكوّن شبكة معقدة من العصبونات (الخلايا العصبية) في العقل البشري. وكما يتكيف الجهاز العصبي للجسم بعد فترة مع تغيرات درجة الحرارة (الحرارة والبرودة)، تتشكل العادات الذهنية بنفس الطريقة في تفاعلات العصبونات، وتستحضر في الذهن نوعاً من "امتداد الماضي والحاضر نحو المستقبل". تتوافق هذه الظاهرة مع نظرية البنائية لألكسندر فينت، التي تؤكد على الدور المحوري للعادات الذهنية في تفسير الواقع.
على الرغم من الدور الهام للعادات في الحياة اليومية، يمكن أن تكون العادات الذهنية مدمرة لصانعي القرار؛ لأن هذه العادات تقلل من حساسية ذهن صانع القرار تجاه الأحداث المفاجئة وغير المتوقعة. بعبارة أخرى، تؤدي العادات الذهنية إلى تركيز ذهن صانع القرار بشكل أكبر على الاتجاهات والأنماط الجارية بدلاً من التركيز على الأحداث المحتملة وغير المتوقعة في المستقبل.
تكمن أهمية هذه المقدمة النظرية في أن صانعي القرار السياسي في إيران واجهوا بشكل متزايد، خلال السنوات الأخيرة، سواء على الساحة الداخلية أو على المستوى الدولي، أحداثاً غير متوقعة ومفاجئة. نظرة سريعة على التطورات الداخلية، وخاصة التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة، تظهر أن صنع السياسات في إيران يميل بشكل كبير نحو "التركيز على الأحداث". هذا النهج القائم على الأحداث يجعل التنبؤ بالتطورات المستقبلية صعباً، وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي إلى إضعاف الاتجاهات السائدة ويهيئ بيئة مناسبة لوقوع أحداث مفاجئة بل وكارثية في المجتمع.
في مثل هذه الظروف، يوفر الميل الذهني نحو "العادة" والاعتماد على "امتداد الماضي والحاضر نحو المستقبل" مساراً سهلاً لصانع القرار؛ بينما مع تضاؤل الاتجاهات وظهور الأحداث المفاجئة، يجب أن يكون ذهن صانع القرار مستعداً لمواجهة سيناريوهات مختلفة، وأن يخطط لكل حدث محتمل من خلال التفكير القائم على السيناريوهات. لفهم هذا الموضوع بشكل أفضل، يكفي أن ننظر إلى التطورات المفاجئة في العامين الأخيرين في المنطقة. ربما كانت العادات الذهنية تتصور وقوع مثل هذه التطورات في إطار زمني مدته عشر سنوات؛ لكن الواقع سلك مساراً مختلفاً، ووقعت الأحداث التي كان يُتوقع حدوثها على مدى عقد من الزمن بناءً على العادات الذهنية والاتجاهات السابقة، في إطار زمني يتراوح بين 10 و 20 شهراً. من بين هذه التطورات يمكن الإشارة إلى ما يلي: عملية السابع من أكتوبر، هجوم النظام الإسرائيلي على غزة، تصاعد الصراع بين هذا النظام وحزب الله اللبناني، الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا، سقوط مروحية رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الرد العسكري الإيراني على النظام الإسرائيلي ضمن عملية "الوعد الصادق". تظهر هذه التطورات أن الاعتماد المطلق على العادات الذهنية وتجاهل احتمال وقوع أحداث غير متوقعة يمكن أن يؤدي إلى المباغتة واتخاذ قرارات غير مناسبة.
إن وقوع هذا الكم من الأحداث المؤثرة في إطار زمني يقل عن عامين يعزز احتمال وقوع أحداث مفاجئة بل وكارثية في المستقبل القريب، وهي أحداث قد يستبعدها ذهن صانعي القرار بسبب غلبة العادات الذهنية، لكنها قد تفرض نفسها على راسمي السياسات. لذلك، يُتوقع أن يشهد العام القادم (أو الفترة القادمة) أيضاً تطورات هامة، من بين أكثرها احتمالاً وقوع حرب بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى؛ حرب كارثية ضد المنشآت العسكرية الإيرانية، وهناك مؤشرات وتحليلات جادة حول احتمال وقوعها.
في المقابل، قد ترفض العادات الذهنية وقوع مثل هذه الحرب، مستندةً إلى نهج ترامب "التجاری" وعدم رغبته في بدء حرب، خاصة في بداية فترة رئاسته. يعتقد هذا الرأي أن ترامب يسعى من خلال زيادة العقوبات إلى إجبار إيران على التفاوض، وأن التهديد العسكري هو مجرد أداة ضغط لفرض اتفاق أحادي الجانب. ومع ذلك، فإن الواقع غالباً لا يتبع التوقعات المبنية على العادات الذهنية. يظهر الفحص الدقيق للإشارات المتاحة أن احتمال شن هجوم عسكري مفاجئ من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران يجب أن يؤخذ في الاعتبار كسيناريو جاد ومحتمل.
في الوقت الحالي، توجد مؤشرات وظواهر مستجدة تعزز احتمال وقوع هجوم على إيران، وفي الوقت نفسه، تُلاحظ أيضاً علامات وظواهر أخرى تضعف احتمال وقوع مثل هذا الهجوم على المدى القصير.
ما هي العلامات التي تعزز (احتمال) شن هجوم عسكري على إيران على المدى القصير؟
- تصور إسرائيل والولايات المتحدة لهيكل السلطة وتغير توازن القوى في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر.
- تصور الولايات المتحدة وإسرائيل للقوة العسكرية الإيرانية في مواجهة هجوم محتمل على المنشآت العسكرية الإيرانية.
- تصور الولايات المتحدة وإسرائيل للعلاقة المتبادلة بين النظام الحاكم والشعب في إيران.
- تصور الولايات المتحدة وإسرائيل لعتبة تخصيب اليورانيوم في إيران.
- قناعة الولايات المتحدة وإسرائيل بالانخفاض الحاد في العمق الاستراتيجي الإيراني في المنطقة، وخاصة في بلاد الشام.
- تحول نهج ترامب المحتمل لعام 2025 إلى "إما التفاوض أو الحرب" بدلاً من نهج 2018 "إما التفاوض أو العقوبات".
- الضغط الشديد من اللوبي الصهيوني (خاصة حكومة نتنياهو غير المستقرة التي ترى بقاءها في استمرار الحرب) في البيت الأبيض لإقناع ترامب بشن حرب على إيران.
- المواقف الأوروبية المتشددة تجاه إيران وخطاب الدفاع عن حرب محدودة ضد إيران من جانب بريطانيا.
- الدفاع الفرنسي والبريطاني الكامل وغير المسبوق عن إسرائيل خلال عملية "الوعد الصادق".
- احتمال أن تصبح إيران ورقة مساومة فيما يتعلق باتفاق حول أوكرانيا.
ما هي العلامات التي تضعف (احتمال) شن هجوم عسكري على إيران على المدى القصير؟
- الخوف من أن تصبح الحرب بلا نهاية.
- الخوف من امتداد الحرب وتوسعها إلى المناطق المحيطة بإيران.
- الرد العسكري الإيراني المؤكد والهجوم على القواعد الأمريكية والإسرائيلية على نطاق واسع.
- معارضة الصين وروسيا لعملية عسكرية ضد إيران.
- المعارضة المحتملة من مجلس التعاون الخليجي للحرب.
- امتناع إيران عن الدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة.
- البراغماتية (الواقعية العملية) الإيرانية عند تفاقم الأزمات.
نظرة على العلامات المذكورة أعلاه تظهر أن علامات تعزيز الحرب تبدو أكثر عدداً وذات تأثير أقوى من علامات إضعافها. لذلك، يجب على صانعي القرار السياسي في إيران أن يعتبروا الهجوم العسكري الأمريكي والإسرائيلي على المدى القصير أمراً محتملاً جداً وجدياً.
سيد محمد حسيني، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"