مستقبل مكانة أفريقيا في الاقتصاد العالمي وعلاقات إيران وأفريقيا في العصر الجديد

لقد أصبحت القارة الأفريقية، بخصائصها الجيوسياسية الفريدة ومكوناتها الجيواقتصادية البارزة، مسرحاً للتنافس الاستراتيجي بين القوى الصاعدة الحالية في أبعاد مختلفة. تُعد هذه القارة، التي تتألف من ۵۴ دولة مستقلة ويبلغ عدد سكانها أكثر من ۱.۴ مليار نسمة، إحدى المناطق المحورية في الاقتصاد العالمي.
9 رمضان 1446
محمد موحد

لقد أصبحت القارة الأفريقية، بخصائصها الجيوسياسية الفريدة ومكوناتها الجيواقتصادية البارزة، مسرحاً للتنافس الاستراتيجي بين القوى الصاعدة الحالية في أبعاد مختلفة. تُعد هذه القارة، التي تتألف من 54 دولة مستقلة ويبلغ عدد سكانها أكثر من 1.4 مليار نسمة، إحدى المناطق المحورية في الاقتصاد العالمي. وبفضل امتلاكها لموارد طبيعية غنية، وقوة عاملة شابة، وأسواق ناشئة، أضحت أفريقيا وجهة جاذبة للاستثمارات الدولية. ومع ذلك، فإن التحديات مثل ضعف البنية التحتية، وعدم الاستقرار السياسي، والاعتماد على تصدير المواد الخام، تخلق تعقيدات في مسار تنمية هذه القارة.

الجزء الأول: الآفاق الاقتصادية لأفريقيا في الخمسين سنة القادمة: الفرص والتحديات

في الخمسين سنة القادمة، من المتوقع أن تتحول القارة الأفريقية إلى أحد أهم اللاعبين على ساحة الاقتصاد العالمي. تتمتع هذه القارة بإمكانات هائلة لتصبح قطباً اقتصادياً، بالاعتماد على مواردها الطبيعية الغنية، والنمو السكاني المتسارع، والتطور المتزايد للتكنولوجيات الرقمية، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. ومع ذلك، فإن العقبات مثل ضعف البنية التحتية، وعدم الاستقرار السياسي، والفساد الإداري، والاعتماد على تصدير المواد الخام، قد تبطئ من وتيرة التحقيق الكامل لهذه الإمكانات. في هذه المقالة، وبالاستناد إلى نتائج البحوث المنشورة في المجلات الدولية المرموقة، سنقوم بتحليل دقيق لقدرات النمو الاقتصادي في أفريقيا والتحديات التي تواجهها.

بينما تواجه العديد من مناطق العالم انخفاضاً في النمو الاقتصادي، وشيخوخة السكان، وركوداً في الإنتاج، فإن أفريقيا، بفضل النمو السكاني السريع، وانتشار التكنولوجيا، وزيادة التكامل الاقتصادي، آخذة في التشكل والبروز كإحدى القوى الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين. أهم محركات النمو الاقتصادي لأفريقيا في الخمسين سنة القادمة والتحديات الرئيسية التي قد تواجهها القارة هي كالتالي:

قدرات النمو الاقتصادي لأفريقيا:

  1. النمو السكاني السريع والقوة العاملة الشابة: وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2023، ستستضيف أفريقيا أكثر من 40% من القوة العاملة العالمية بحلول عام 2050. هذه القارة، التي تمتلك أسرع معدل نمو سكاني في العالم، ستشهد زيادة كبيرة في عدد سكانها ليصل إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050 وأكثر من 3 مليارات نسمة بحلول عام 2075. هذا التحول الديموغرافي يجلب معه فرصاً لا حصر لها لتنمية الأسواق المحلية، وتعزيز الإنتاج الصناعي، ورفع الإنتاجية. وبينما تواجه مناطق أخرى في العالم تحديات انخفاض معدلات المواليد وشيخوخة السكان، تتمتع أفريقيا بميزة تنافسية كبيرة من حيث القوة العاملة الشابة والرخيصة والمتاحة. وتؤكد نتائج نشرة "نمو الاقتصاد" أيضاً أن البلدان ذات القوة العاملة الشابة والسياسات التعليمية والاقتصادية الفعالة قادرة على تحقيق نمو اقتصادي مستدام. لذلك، فإن الاستثمار الموجه في التعليم والصحة العامة في أفريقيا يمكن أن يزيد بشكل كبير من إنتاجية القوة العاملة ويمهد الطريق لتحقيق هذه الإمكانات الهائلة.
  2. التطور الرقمي والثورة التكنولوجية في أفريقيا: في السنوات الأخيرة، شهدت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا نمواً ملحوظاً في دول أفريقية مثل نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا. ووفقاً لمعهد ماكينزي العالمي، يمكن لقطاع التكنولوجيا الرقمية في أفريقيا أن يوفر أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة بحلول عام 2050. إن نمو الخدمات المالية الرقمية مثل M-Pesa في كينيا، وتوسع الإنترنت فائق السرعة في المناطق الحضرية والريفية، يُظهر إمكانات القارة في هذا المجال. وتشير أبحاث معهد معلومات الاقتصاد والسياسة إلى أن زيادة الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن تزيد من الإنتاجية الاقتصادية وتسهل تطوير وظائف جديدة. ويُعد نمو التكنولوجيا الرقمية والشركات الناشئة المبتكرة أحد أهم التطورات في اقتصاد أفريقيا. فقد أصبحت دول مثل نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا مراكز تكنولوجية في القارة، وتشهد الشركات الناشئة العاملة في مجالات التكنولوجيا المالية (الفينتك)، والتجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي نمواً متزايداً. كما قامت شركات تكنولوجية كبرى مثل جوجل ومايكروسوفت باستثمارات واسعة النطاق في أفريقيا.
  3. الموارد الطبيعية وفرص الاستثمار الأجنبي: تمتلك أفريقيا 30% من احتياطيات المعادن في العالم و60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. كما أن دولاً مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي تزيد من استثماراتها في أفريقيا. ووفقاً لبحث نُشر في "مجلة أكسفورد للمقالات الاقتصادية" ، إذا تمكنت أفريقيا من وضع سياسات اقتصادية مستدامة وأطر قانونية شفافة للاستثمار الأجنبي، فيمكنها الاستفادة من هذه الموارد لتحقيق تنميتها الاقتصادية.
  4. التجارة الإقليمية وتنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA): إن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021، ومن خلال إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم بقيمة 3.4 تريليون دولار، لديها القدرة على إضافة أكثر من 450 مليار دولار إلى اقتصاد القارة بحلول عام 2050. ووفقاً لما ذكره فرانكل ورومر في "المجلة الفصلية للاقتصاد"، فإن زيادة التجارة بين الدول الأفريقية ستؤدي إلى تحسين الإنتاجية وتعزيز الابتكار في عمليات الإنتاج. يمكن للتنفيذ الصحيح لهذه الاتفاقية أن يسرّع نمو وتطور الصناعات في القارة، مع تقليل اعتماد الدول الأفريقية على تصدير المواد الخام. الهدف الرئيسي لهذه الاتفاقية هو تقليل الحواجز التجارية وتسهيل التبادلات التجارية بين الدول الأفريقية، مما سيؤدي في النهاية إلى تقليل الاعتماد على تصدير المواد الخام.

التحديات الاقتصادية لأفريقيا:

  1. ضعف البنية التحتية والاعتماد على تصدير المواد الخام: تعتمد معظم الاقتصادات الأفريقية على تصدير النفط والغاز والذهب والمعادن، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. بالإضافة إلى ذلك، أصبح ضعف البنية التحتية في مجالات النقل والطاقة والاتصالات عائقاً أمام تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
  2. عدم الاستقرار السياسي والفساد: أعاقت الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والحكومات غير الشفافة في بعض الدول الأفريقية جذب الاستثمار الأجنبي. ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية (2023)، تقع بعض أكثر الدول فساداً في مؤشر مدركات الفساد العالمي ضمن القارة الأفريقية.
  3. نفوذ القوى الخارجية وزيادة الديون: تتزايد ديون الدول الأفريقية للصين وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى. وتواجه بعض الدول مثل زامبيا وإثيوبيا أزمات مالية في سداد ديونها. أدت هذه القضية إلى تحذير بعض المحللين من مخاطر الوقوع في "فخ الديون" في أفريقيا.

الجزء الثاني: علاقات إيران وأفريقيا بعد وصول الحكومتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة إلى السلطة

تعود جذور العلاقات الإيرانية الأفريقية إلى العهد البهلوي وتأسيس حركة عدم الانحياز. بعد الثورة الإسلامية عام 1979، سعت إيران إلى توسيع علاقاتها مع الدول الأفريقية، خاصة في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية. ومع ذلك، أثرت ضغوط العقوبات، وتنافس القوى الأخرى، والتطورات السياسية في الدول الأفريقية على العلاقات بين الطرفين. في بداية الثورة وعقد الستينيات (بالتقويم الهجري الشمسي، أي فترة الثمانينيات الميلادية)، كانت العلاقات مع القارة الأفريقية ترتكز بشكل أكبر على أساس "تصدير الثورة" والتبادل الثقافي. لكن في عقدي السبعينيات والثمانينيات (الهجري الشمسي، أي فترة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين الميلادي)، ولأسباب مختلفة، خاصة تبني خطاب قائم على البناء والتقدم الاقتصادي، أصبح تعزيز هذه العلاقات أولوية للمسؤولين وكبار قادة الدولة. في عام 1375 هـ ش (حوالي 1996 م)، قام رئيس "حكومة البناء" (الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني) بزيارة إلى أفريقيا، ولكنها تمت دون رؤية أو استراتيجية واضحة لتطوير العلاقات مع القارة. كما لم تحقق "حكومة الإصلاح" (في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي) نجاحاً يذكر في هذا الصدد. وشهدت فترتا الحكومتين التاسعة والعاشرة (في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد) أكبر عدد من زيارات المسؤولين المختلفين، بدءاً من رئيس الحكومة ووصولاً إلى مسؤولين آخرين، إلى الدول الأفريقية. كان من المقرر أن يقوم رئيس الحكومة الثانية عشرة (الرئيس السابق حسن روحاني) بزيارة لأفريقيا في عام 1396 هـ ش (حوالي 2017 م)، لكنها لم تتم. في عهد الحكومة الثالثة عشرة، برئاسة الشهيد إبراهيم رئيسي ورئيس دبلوماسية البلاد الشهيد حسين أمير عبد اللهيان، بدأت جهود حثيثة لتوسيع التعاون مع أفريقيا على أساس المصالح الاقتصادية. وقام الشهيد رئيسي بزيارة أوغندا وكينيا وزيمبابوي، كما سافر الوزير الشهيد إلى مالي وتنزانيا وزنجبار، وتم اتخاذ بعض الإجراءات في هذا الإطار، ولكن القدر لم يمهل لاستكمال هذه الجهود (في إشارة إلى وفاتهما).

علاقات إيران مع الدول الرئيسية في شمال أفريقيا:

  • مصر: كانت لإيران ومصر علاقات دبلوماسية محدودة بعد الثورة الإسلامية. في عهد الحكومة الثالثة عشرة، تم اتخاذ بعض الخطوات لتحسين العلاقات، ولكن لم يتحقق تقدم كبير بعد. مع وصول الحكومة الرابعة عشرة (برئاسة مسعود بزشكيان)، تُطرح تكهنات حول إمكانية تحسين العلاقات، لا سيما في مجالي الطاقة والتجارة.
  • المغرب والجزائر: قُطعت العلاقات بين إيران والمغرب عام 2018 بسبب الدعم الإيراني المزعوم لجبهة البوليساريو. خلال فترة الشهيد رئيسي، لم تتراجع هذه التوترات، ولا يُتوقع حدوث تغيير ملموس في فترة السيد بزشكيان. في المقابل، تعززت العلاقات بين إيران والجزائر، خاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، حيث تنتهج الجزائر أيضاً سياسة مستقلة نسبياً تجاه الغرب.

علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع جنوب أفريقيا:

تعتبر جنوب أفريقيا أحد الشركاء المهمين لإيران في أفريقيا. وتستمر العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا سيما في مجال الطاقة. بعد وصول الحكومة الرابعة عشرة، يُتوقع تعزيز التعاون في مجالي التجارة والتكنولوجيا.

العلاقات مع إثيوبيا:

في السنوات الأخيرة، قامت إيران باستثمارات في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية في إثيوبيا. سعت حكومة الشهيد رئيسي إلى توسيع علاقاتها مع هذا البلد، ومن المرجح أن تواصل الحكومة الرابعة عشرة هذه السياسة.

فرص وتحديات العلاقات الإيرانية الأفريقية:

  • الفرص:
    • زيادة الصادرات غير النفطية الإيرانية إلى أفريقيا.
    • توسيع التعاون العلمي والتعليمي والصحي والعلاجي.
    • التعاون في مجال الطاقة والبتروكيماويات.
  • التحديات:
    • المنافسة مع قوى أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وتركيا.
    • العقوبات الاقتصادية والمشاكل المصرفية التي تواجه إيران.
    • عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول الأفريقية.

الخلاصة:

تتحول أفريقيا حالياً إلى أحد أهم مراكز التنمية الاقتصادية في العالم، لكن التحديات الهائلة مثل ضعف البنية التحتية، والفساد، وتنافس القوى الكبرى تعقد مسار تنميتها. في غضون ذلك، سعت إيران في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية. خلال فترة رئاسة الحكومة الثالثة عشرة، تطورت علاقات إيران مع بعض الدول الأفريقية، ومن المتوقع أن تواصل الحكومة الرابعة عشرة هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار استمرار العقوبات والمشاكل الاقتصادية الحادة التي تواجهها إيران. ومع ذلك، ستظل التحديات المتمثلة في العقوبات ونفوذ المنافسين تشكل عوائق أمام تحقيق تعاون واسع النطاق بين إيران وأفريقيا.

محمد موحد، خبير أول في مكتب الدراسات السياسية والدولية

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است