تتصاعد المؤشرات اللفظية من جانب إيران والولايات المتحدة لبدء المفاوضات. وقد أشارت حكومة السيد بزشكيان منذ البداية ضمنًا إلى أن استراتيجيتها تجاه العقوبات هي "التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة"، وقد أعلنت عن هذه الاستراتيجية علنًا في الأيام الأخيرة. كما أظهر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، في يوم المبعث، النظام الإسلامي متوافقًا مع استراتيجية الحكومة من خلال طرح مفاهيم "التحدث، والتعامل، والحذر". وإذا كانت "المرونة البطولية" تعتبر المفهوم الأساسي في تصريحات المرشد لبدء مفاوضات الاتفاق النووي، فإن "التعامل والحذر" يعتبران المفهوم الأساسي في تصريحاته في هذه الفترة الجديدة. من ناحية أخرى، اعتبرت إدارة ترامب التفاوض مع إيران بشأن القضية النووية "أفضل" من تبني خيار الحرب؛ على الرغم من أن المؤشرات الواردة من الإدارة الأمريكية تشير إلى أن استراتيجية التفاوض المفضلة لهذا البلد مع إيران ستكون "دبلوماسية الإكراه" قدر الإمكان. كما أن تذكير المرشد بشأن "الحذر" يشير إلى ميل الأمريكيين إلى نهج "الأقصى لأنفسهم، والأدنى للآخرين".
ستحدد "أوراق الضغط الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية للطرفين" نتيجة المفاوضات المحتملة بين إيران والولايات المتحدة. لكن ما يكتسب أهمية في هذا السياق هو المتغيرات المتدخلة، التي يعمل بعضها على تسريع أو تحفيز الاتفاق، بينما يعمل البعض الآخر بمثابة مكابح، مما يعيق الاتفاق. وقد تم ذكر العوامل المعززة والمعيقة للاتفاق سابقًا على المستويين الوطنيين الإيراني والأمريكي. وتتناول هذه المذكرة التحليلية العوامل المعززة والمعيقة للاتفاق على المستوى الإقليمي.
عوائق الاتفاق على المستوى الإقليمي:
- النزاع حول القضية الفلسطينية: تعتبر القضية الفلسطينية جوهر التوترات الهيكلية في الشرق الأوسط، والتي تعود جذورها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعمليات التي أدت إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية. وعلى مدى العشرين عامًا الماضية، اكتسبت هذه القضية مزيدًا من التعقيد والغموض. وقد أدى تشكيل وتماسك جبهة المقاومة، وتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل، والنزاعات التي تلت 7 أكتوبر 2023، إلى زيادة تعقيد وعدم يقين القضية الفلسطينية. ويعتقد العديد من المحللين في السياسة الخارجية أن تسعين بالمائة من جذور الخلاف بين إيران والولايات المتحدة مرتبطة بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. وبناءً على ذلك، فإنه طالما أن القضية الفلسطينية تتمتع بديناميكيات متوترة وعفوية، فإن الاتفاق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة سيتأثر سلبًا بشدة.
- التدخلات الإقليمية الأمريكية: النظام الإقليمي الخارجي المنشأ هو عملية بدأت في منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى واستمرت حتى الآن. وقد أدى تدخل القوى من خارج المنطقة في الشرق الأوسط وهندسة التحالفات والتكتلات السياسية والأمنية من قبلها إلى نظام متناقض وهش في المنطقة، يربي دائمًا قواه المعارضة. وفي الظروف الحالية، تقوم الولايات المتحدة، باعتبارها أهم قوة خارجية، بتأسيس وتعزيز نظامها المنشود من خلال إسرائيل وحلفائها في المنطقة. وفي المقابل لهذا النظام، توجد دول مثل إيران تعارض النظام الإقليمي الخارجي المنشأ وتعتقد أن النظام الإقليمي يجب أن يكون داخلي المنشأ وقائمًا على عملية سياسة حسن الجوار بمشاركة القوى الإقليمية وبدور إيجابي للقوى من خارج المنطقة. لذلك، فإن وجود نظام إقليمي خارجي المنشأ في الشرق الأوسط يتمحور حول الولايات المتحدة وإسرائيل ومقاومة إيران وجبهة المقاومة لهذا النظام يؤدي إلى سلوكيات متوترة في المنطقة ويواجه الاتفاق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة بتحديات.
- الاستقطاب: يعتبر الاستقطاب الإقليمي استراتيجية مفيدة لإسرائيل والولايات المتحدة، يتم اتباعها من خلال خلق ثنائية أمنية وتأليب العداوة مع إيران في المنطقة. ما هي فوائد الاستقطاب لإسرائيل؟ كلما زاد الاستقطاب في المنطقة بين جبهة المقاومة والجبهة المائلة إلى الكتلة الغربية، انخفض مستوى العداء لإسرائيل؛ وتُبرر جرائم إسرائيل في المنطقة؛ وتُسهل عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية؛ وتُهمش القضية الفلسطينية؛ ويُضفى الشرعية على تدخل الولايات المتحدة في المنطقة؛ وتُطرح إيران باعتبارها القضية الرئيسية في الشرق الأوسط. لذلك، تسعى إسرائيل والولايات المتحدة باستمرار إلى تصعيد الاستقطاب الإقليمي بين الجبهة العبرية-العربية-الغربية وجبهة المقاومة التي تتمحور حول إيران. وعملية الاستقطاب بطبيعتها متوترة وتواجه الاتفاق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة بتحد أساسي.
- تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية: اتفاقيات أبراهام، على الرغم من مظهرها التجاري، إلا أنها تتبع طبيعة سياسية وأمنية للغاية. والهدف من هذه الاتفاقيات هو خلق استقطاب في المنطقة، وتهميش القضية الفلسطينية، وفرض حصار أمني وسياسي على إيران، وتعزيز نموذج جديد لتدخل الولايات المتحدة في المنطقة (النفوذ بدلاً من الحضور). يعتبر ترامب اتفاقيات أبراهام إنجازًا مهمًا لسياسته الإقليمية في ولايته الأولى، وسيكون تقدمها من البنود الرئيسية لسياسة ترامب في الشرق الأوسط في فترة رئاسته الثانية. وهو يعتقد أن أزمة فلسطين بعد 7 أكتوبر نتجت عن تعليق اتفاقيات أبراهام في عهد بايدن. وستسعى إدارة ترامب إلى استمرار تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل اعتبارًا من عام 2025، ولا شك أن هذه الاتفاقيات ستعزز الصراعات الهيكلية في الشرق الأوسط، وخاصة بين إيران والولايات المتحدة.
المتغيرات المعززة للاتفاق على المستوى الإقليمي:
1- السعي إلى الاستقرار: إن الاستقرار وعدم الاستقرار في المنطقة تابعان لمصالح وأفعال اللاعبين الإقليميين. وفي الوقت الحاضر، تُعرّف مصالح العديد من القوى الإقليمية والخارجية في تحقيق الهدوء والاستقرار في الشرق الأوسط. وقد حقق الخليج الفارسي استقرارًا نسبيًا بعد اتفاق 10 مارس بين إيران والمملكة العربية السعودية، وتسعى جميع الدول المحيطة به، بما في ذلك إيران والعراق والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان، إلى الحفاظ على هذا الاستقرار. كما تفضل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا حاليًا الاستقرار والهدوء في الخليج الفارسي على عدم الاستقرار. وبعد السقوط المحتمل لبشار الأسد (وتغير ميزان القوى في الشرق الأوسط)، تسعى القوى الإقليمية والخارجية أيضًا إلى تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة لتثبيت ميزان القوى الجديد. كما تفضل تركيا وسوريا الجديدة ولبنان والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية والعراق وحتى إسرائيل الاستقرار في المنطقة. وعلى الرغم من أن سقوط حكومة بشار الأسد وحصار حزب الله اللبناني يمكن أن يغير ميزان القوى ضد جبهة المقاومة، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدوافع مختلفة وفي ظل الظروف الغامضة الحالية، ترى أن أي عدم استقرار جديد في منطقة الشام يتعارض مع مصالحها وتسعى حاليًا إلى تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة. لذلك، فإن سعي اللاعبين المؤثرين في الشرق الأوسط إلى الاستقرار هو أحد الاتجاهات التي يمكن أن تساعد في التوصل إلى اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة.
2- النموذج الأمريكي الجديد للتدخل: تبنت الحكومة الأمريكية، بعد التجربة المكلفة لبناء الدولة في العراق وأفغانستان، وخاصة خلال الحرب السورية، نموذج الموازنة من بعيد (offshore-balancing) كاستراتيجية كلية في الشرق الأوسط من أجل:
- أولاً، خفض تكاليف سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.
- ثانيًا، تركيز قواتها للمنافسة مع القوى الصاعدة في النظام الدولي مثل الصين.
- ثالثًا، تأسيس نظام دولي جديد بنموذج الموازنة من بعيد وتفويض المسؤولية للحلفاء الإقليميين.
وقد وصل نموذج الموازنة من بعيد الآن إلى إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كما تم التأكيد في وثيقة القيادة الاستراتيجية لعام 2025 على أن مجموعة السياسات الإقليمية والمساعدات الأمريكية للحلفاء يجب أن تكون في اتجاه تعزيز نموذج الموازنة من بعيد لهذا البلد. ويمكن أن يؤدي تقدم نموذج الموازنة من بعيد إلى تعزيز اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران.
3- أمن الطاقة: يعتبر أمن الطاقة، بما في ذلك الحفاظ على الإنتاج وأمن ممرات نقل الطاقة، من السياسات الرئيسية للولايات المتحدة في المنطقة. ويهدد أمن الطاقة الاقتصاد السياسي الدولي وشبكة التجارة العالمية. لذلك، يتم تفعيل أدوات الأمن الأمريكية على الفور ضد أي تهديد لأمن الطاقة. ويعد الهجوم الذي شنه التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في عام 2024 على اليمن مثالًا على حساسية هذا البلد تجاه أمن الطاقة. وبما أن زيادة التوتر مع إيران يمكن أن يعرض أمن الطاقة في المنطقة للخطر، فإن كبح جماح الأعمال السلبية والمزعزعة للاستقرار من جانب إيران من خلال اتفاق مؤقت أو دائم يمكن أن يكون حافزًا لتشجيع الولايات المتحدة على إبرام اتفاق مع إيران.
4- تثبيت توازن القوى الجديد: بالاستفادة من نظرية الواقعية الجديدة، فإن توازن القوى في المنطقة هو وضع متزعزع دائمًا. فعندما تنشأ فراغات في السلطة، تبدأ محاولات لملئها ويختل توازن القوى ويتشكل توازن جديد. ويسعى اللاعبون الراضون عن التوازن الجديد إلى تثبيت الوضع الجديد. والآن في المنطقة، وبعد سلسلة الحروب التي تلت 7 أكتوبر، تغير ميزان القوى لصالح تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتحاول هذه الدول الثلاث، بدعم من المساعدات الأمريكية، الحفاظ على هذا التوازن الجديد. وتعتبر الأعمال الأمنية لإيران وأعضاء آخرين في جبهة المقاومة أكبر تهديد لهذا التوازن الجديد في المنطقة. لذلك، فإن الاتفاق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة هو متغير يعزز تثبيت التوازن الجديد في المنطقة، ومن هذا المنطلق سيكون حافزًا للولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع إيران.
سيد محمد حسيني، خبير أول بمركز الدراسات السياسية والدولية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"