الثورة الإسلامية الإيرانية: نموذج للاستقلال في الساحة الدولية

تبقى أيام عشرة الفجر، باعتبارها عشرة انتصار الثورة الإسلامية، خالدة في ذاكرة الشعب الإيراني ولا تُنسى. لقد مضى الآن أكثر من ستة وأربعين عامًا على انتصار الثورة الإسلامية في إيران؛ تلك الثورة التي بلغت ذروتها بأعلى صرخة في التاريخ، بقيادة الإمام الخميني (قدس سره)، والذي بذل قصارى جهده للحفاظ عليها. ثورة قامت على رؤية توحيدية عميقة ومستلهمة من ثورة الحسين، حيث تمكنت قلة قليلة، بإيمان واسع وراسخ، من إسقاط الحكم الطاغوتي وأذهلت أعين القوى العظمى. ثورة رمزها الأساسي هو بزوغ النور والخلاص.
16 شعبان 1446
رویت 92
علی‏ بمان اقبالی زارتش

تبقى أيام عشرة الفجر، باعتبارها عشرة انتصار الثورة الإسلامية، خالدة في ذاكرة الشعب الإيراني ولا تُنسى. لقد مضى الآن أكثر من ستة وأربعين عامًا على انتصار الثورة الإسلامية في إيران؛ تلك الثورة التي بلغت ذروتها بأعلى صرخة في التاريخ، بقيادة الإمام الخميني (قدس سره)، والذي بذل قصارى جهده للحفاظ عليها. ثورة قامت على رؤية توحيدية عميقة ومستلهمة من ثورة الحسين، حيث تمكنت قلة قليلة، بإيمان واسع وراسخ، من إسقاط الحكم الطاغوتي وأذهلت أعين القوى العظمى. ثورة رمزها الأساسي هو بزوغ النور والخلاص. لا شك أن ثلاثة عوامل أساسية لعبت دورًا حاسمًا في انتصار الثورة الإسلامية: القيادة والوحدة والتمسك بالمبادئ الإسلامية.

يرى أساتذة العلوم السياسية أن الثورة تعني تغييرات جذرية في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة السياسية، في حياة الناس؛ تغييرات تصاحبها عادةً أعمال عنف وتضحيات وفداء إنساني. وبشكل عام، يمكن تقييم الثورة الإسلامية الإيرانية، إلى جانب النضالات الفريدة للشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني، كنتيجة للسياسات الخاطئة للقوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد السوفيتي السابق، تجاه إيران خلال المائتي عام التي سبقت الثورة الإسلامية.

الحقيقة هي أن الإسلام، منذ بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أولى اهتمامًا خاصًا للتفاعلات مع غير المسلمين والجيران والعالم أجمع، وهو ما يُعرف اليوم بلغة السياسة الخارجية. وكان أول مكون ورمز لذلك وثيقة تم تنظيمها بأمر من حضرة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تضمنت أكثر من 30 مادة من أصل 53 مادة تتعلق بالعلاقات مع غير المسلمين. ولذلك، فإن الثورة الإسلامية الإيرانية، التي لا شك أنها ظاهرة حديثة في هذا القرن، أحدثت تحولًا كبيرًا في مجال العلاقات الدولية وفي المعادلات السياسية لدول العالم.

لقد أسس هذا القائد التاريخي ثورة استُخدمت كسيف ذي حدين في آن واحد ضد الشيوعية والرأسمالية. وبهدف مواجهة هيمنة القوى العظمى الشرقية والغربية، دعا الشعوب الإسلامية إلى إعادة التوجه نحو القيم الإسلامية. ومن خلال إقامة علاقة مباشرة بين الثورة والأيديولوجية، اعتبر الثورة شرطًا لازمًا وضروريًا لتحقيق الأهداف الإلهية والارتقاء الإنساني. وقد سعى جاهدًا لتطبيق نظريته في هذا الطريق، والأهم من ذلك أنه في هذا المسعى، بالإضافة إلى الاهتمام بسيادة المُثل والقيم الدينية، لم يدخر جهدًا لتحقيق الجوانب التحررية والاستقلالية للحركة، وهكذا أصبحت الثورة وسيلة لتحقيق الجمهورية الإسلامية.

الحقيقة هي أن هذه الثورة كانت تعتبر أكبر ابتكار سياسي في القرن العشرين، وقد تمكنت من خلال تقديم نموذج جديد للنظام السياسي يتعارض مع الأنظمة القائمة، من الدعوة إلى مشروع جديد ومواجهة الهيمنة الأمريكية. ومن ناحية أخرى، وبالتمسك بتعاليم الدين الإسلامي التي لعبت دورًا أساسيًا في تشكيل الثورة الإسلامية، تمكنت من التشكيك في النظريات التي بحثت عن أسباب نشوء الثورات في عوامل غير دينية، وبالاعتماد عليها، واجهت النظام العالمي القائم على القطبية الثنائية بتحدٍ كبير.

كانت أهم نتائج الثورة الإسلامية المؤثرة، والتي أدت إلى إحداث موجة جديدة بين الشعوب المسلمة، هي الإحياء الجديد للخطابات التي طالها النسيان والتي تتعلق بتعزيز هوية المسلمين في المجالين السياسي والاجتماعي.

كانت حركة الإمام الخميني (قدس سره) ذروة التوجه نحو الإسلام الحقيقي، وفي الواقع، كانت التطورات الإقليمية والدولية نتيجة لفكر ومشروع الإمام الخميني (قدس سره) ومزيج من الهوية والتنمية. ويمكن اعتبار أكبر ابتكار للثورة الإسلامية من جهة هو إحياء الخطابات التي كانت موجودة في صميم وجوهر الدين الإسلامي، ولكنها طالها النسيان من قبل دول العالم الإسلامي.

من خلال التأكيد على القوة الناعمة للثقافة والفكر، وتفوق التفكير على النظرة الآلية، أحدثت هذه الثورة نوعًا من النشاط الفكري والثقافي الذي استند إلى الاستقلال الفكري والثقافي للشعوب المسلمة. لقد احتوت الثورة الإسلامية الإيرانية على جميع المكونات الرئيسية الثلاثة: المشاركة الجماعية للشعب، والإصلاح والتغيير، والنضال، والدور القيادي، بل وأحدثت تغييرات جوهرية في نظرية الثورة من خلال التمسك بالقيم الدينية والروحية.

لم تكن الثورة الإسلامية الإيرانية ثورة محدودة بجغرافيا إيران، واليوم يشير أداء وإنجازات السياسة الخارجية القائمة على ثلاثة مبادئ: العزة والحكمة والمصلحة، جنبًا إلى جنب مع التطورات الإيجابية في العلاقات مع الجيران، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، وتعزيز دور إيران في عملية التغييرات في الجيوسياسة الأوراسية، إلى أن دول المنطقة والقوى الإقليمية والدولية تدرك تمام الإدراك أهمية دور بلادنا في تعزيز وتوطيد السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الحساسة والعالم.

علي بمان إقبالي زارج - رئيس مجموعة دراسات أوراسيا

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است