منذ خمسة وثلاثين عامًا، تم إعدام الزوجين تشاوشيسكو رميًا بالرصاص في سيناريو غامض في ثكنة عسكرية بالقرب من مدينة تيرغوفيشته (مركز دراكولا)، وبلغت سلسلة التطورات الاحتجاجية والنهضة الاجتماعية ذروتها في أقل من أسبوع، ومع خروج الأوضاع عن سيطرة النظام الروماني شديد الانغلاق والأمني، استولت مجموعة تحت اسم "جبهة الإنقاذ الوطني" بقيادة يون إيليسكو، أحد المغضوب عليهم من الحزب الشيوعي، على السلطة.
يعتقد الشعب الروماني الآن من ناحية أن تشاوشيسكو نفذ مشاريع عمرانية ضخمة بتطبيق التقشف الاقتصادي، بما في ذلك قصر البرلمان باعتباره أكبر مبنى إداري في العالم بعد البنتاغون، وقناة الدانوب والبحر الأسود، ومن ناحية أخرى، أصبح الناس في شبكة الاتصالات العالمية والديمقراطية. لكن لا يزال هناك أسئلة بلا إجابة حول التطورات الدموية في رومانيا، أهمها:
أ) لماذا لم يتمكن تشاوشيسكو من الانضمام إلى عملية الإصلاح السياسي والتنازل السلمي عن السلطة؟
ب) لماذا ارتفع عدد ضحايا حوادث ديسمبر في رومانيا قبل إعدام تشاوشيسكو، الذي كان أقل من 50 شخصًا فقط، إلى أكثر من 1000 شخص بعد إعدامه؟
ج) ما هو الدور الذي لعبه الأمريكيون والاتحاد السوفيتي السابق والقوى الخارجية، وخاصة أجهزة المخابرات والأمن في دول الجوار الرومانية، في مسار الثورة في هذا البلد؟
يمكن اعتبار انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط معسكر الشيوعية في شرق أوروبا نتيجة لمواجهة بين جبهتين في الحرب الباردة في العقد الأخير من القرن العشرين؛ كان هذا الصراع بين الديمقراطية واقتصاد السوق من جهة، والشيوعية من جهة أخرى، بالطبع، أسفر عن نتائج مثل أزمات قره باغ وكوسوفو والبوسنة وأبخازيا وترانسنيستريا، وأخذت شظاياها العديد من الضحايا من بين هذه الأمم، وكان معظمهم من المسلمين في البوسنة وكوسوفو.
كان تشاوشيسكو قائدًا قويًا ومتسلطًا وديكتاتورًا بنّاءً. ولد في 26 يناير 1918 في عائلة فلاحية كبيرة في منطقة أولت رومانيا، وبعد 71 عامًا من الحياة المضطربة، وتجربة العمل كعامل في مصنع، ومناضلًا سياسيًا وسجينًا، ورئيسًا لفرع شباب الحزب الشيوعي، ورئيسًا للجمهورية وقائدًا للبلاد من 1974 إلى 1989، وإنجاب ثلاثة أطفال، في 25 ديسمبر 1989، حوكم في محكمة عسكرية قصيرة وسريعة، وحُكم عليه بالإعدام مع زوجته لعدم رده على القاضي والمدعي العام وأعضاء المحكمة الميدانية وعدم اعترافه بهم، وأُعدم بطريقة مؤسفة بوابل من الرصاص وأيديهم مقيدة.
تشير الوثائق التاريخية إلى أنه في مارس 1989، أجرى ميهاي تشاوشيسكو، الأخ الأكبر للديكتاتور الروماني الذي كان يعيش في النمسا، اتصالات هاتفية مع الزعيم الروماني، قدم خلالها تحذيرات، وفي ذلك الوقت، قام برحلة قصيرة إلى بوخارست، حيث أطلع شقيقه الأصغر على تقييمه وخلاصته لإرادة وقرار القوى الكبرى بدعم كامل للتغييرات في الحكم السياسي لمعسكر الكومونسية. وفي هذا السياق، جاء في تقرير المخابرات الرومانية حول تطورات ديسمبر 1989 ما يلي: لم يتمكن غورباتشوف، بعد آخر قمة لزعماء وارسو في موسكو في أوائل ديسمبر 1989، في لقاء خاص، من إقناع السيد تشاوشيسكو بضرورة إجراء تغيير وتعديل في الحكم السياسي والتنازل السلمي عن السلطة، وغادر زعيم الحزب الشيوعي الروماني، غافلاً عن مستقبله المرير والدموي، اللقاء بشكل احتجاجي، وغادر موسكو إلى بوخارست دون وداع وتشييع رسمي.
بعد عودته من طهران، وصف تشاوشيسكو في خطاب تلفزيوني مباشر مثيري الشغب في تيميشوارا بأنهم مجموعة من المخربين وعملاء الإمبريالية، وأعلن عن تنظيم تجمع حاشد في بوخارست في 21 ديسمبر 1989 لدعم الاشتراكية والقائد المحبوب. في هذا الاجتماع الذي أطلق عليه اسم "التضامن"، بينما كان يعد بالإصلاحات وزيادة الرواتب، واجه احتجاجات واضطر إلى الفرار من بوخارست، لكن تعاون أجهزة المخابرات الأجنبية وعملائها الداخليين أدى إلى اعتقال الزوجين تشاوشيسكو، وكان تشكيل المحكمة العسكرية والمحاكمة السريعة والغامضة وإعدام تشاوشيسكو وزوجته، التي كانت تعتبر الشخص الثاني في البلاد، بداية لسلسلة من التطورات الدموية والاشتباكات في الشوارع التي خلفت ألف قتيل وآلاف الجرحى للثورة الرومانية.
تحملت رومانيا ودول الكتلة الشيوعية السابقة الأخرى خلال فترة 45 عامًا من الحكم المركزي والقمع السياسي ظروفًا اقتصادية واجتماعية وثقافية صعبة للغاية، وخاصةً المعيشية، وبدأ شعب هذه الدول نضالًا لا هوادة فيه منذ منتصف العقد الثامن من القرن العشرين للوصول إلى الديمقراطية والحرية وحياة أفضل وإحداث تغييرات جذرية في الهياكل الحكومية والأمنية، وبعد التضحية والنضال، مع الاستفادة من الدعم الكامل من العالم الغربي، ودعوا خمسة عقود من الديكتاتورية الشيوعية والتقشف الاقتصادي في عام 1990، وبدأوا تجربة مسار الحرية والاقتصاد الحر والحياة الأفضل، والآن أصبح معظم هذه الدول أعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي، وتحسنت مؤشرات الحياة والوضع الاقتصادي للناس بشكل ملحوظ.
باختصار، يمكن القول إن أحد نقاط الضعف الهامة للديكتاتوريين هو الثقة المفرطة بالنفس. في العالم المعاصر، أحد عوامل نجاح الدول هو الاهتمام والحساب الدقيق لوزن وقدرة بلادهم، في حين أن محاولة القيام بأعمال ومشاريع تتجاوز قدرة رومانيا في أحجية بلد يقع في مركز وشرق أوروبا تمت في عهد تشاوشيسكو، مما أدى إلى اقتراض خارجي كبير، وقرار القيادة الرومانية بدفع المطالبات الخارجية التي كانت حوالي 25 مليار دولار في أوائل الثمانينيات، ونتيجة لذلك، خلال عقد من الزمان، تم فرض ظروف صعبة وتقشف اقتصادي على الناس، مما أدى إلى انهيار النظام الحاكم.
أيضًا، في معظم دول العالم، تلعب الأجهزة الاستخباراتية دورًا هامًا في الحفاظ على السلطة، ولكن في رومانيا، كان لتزايد دور المنظمات الاستخباراتية والأمنية، وخاصةً "سيكوريتاته"، في هندسة إدارة البلاد والسلطات الكاملة في التعامل مع الناس، وهو الأمر الذي أدى إلى خلق أجواء بوليسية وانعدام الثقة النفسية بين الناس وبعضهم البعض ومع حكم البلاد، سبب هذا التحول، والأمر الأهم هو أنه في الأنظمة الحاكمة وفي وضع انسجام المجتمعات، تلعب المعتقدات الدينية للناس دورًا هامًا، وفي عهده، كان عدم احترام المعتقدات الدينية للناس أمرًا شائعًا، لدرجة أنه في عهد تشاوشيسكو، تم إغلاق معظم الكنائس والمساجد، وكان الناس يؤدون المراسم الدينية والفرائض سرًا.
علي بمان إقبالي زارج، رئيس مجموعة الدراسات الأوراسية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"