هل يمكن التنبؤ باتفاق بين إيران وأمريكا في ولاية ترامب الثانية؟
تصاعدت المواجهة بين إيران وأمريكا في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تصل هذه المواجهة إلى "نقطة أزمة حادة" مع بداية ولاية ترامب. يعتقد العديد من المحللين أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تعد مضطرة إلى مواجهة إدارة ترامب بنموذج "لا مفاوضات مباشرة ولا حرب" الذي تم اختياره لمواجهة الضغوط الأمريكية في عهد بايدن، بل يجب عليها أن تستعد لنموذج "المفاوضات والحرب" (بما في ذلك الحرب الهجينة والحرب العسكرية المباشرة وغير المباشرة). من الطبيعي أن يكون التوصل إلى اتفاق مشرف هو الطريق الأكثر عقلانية والأقل تكلفة لإدارة التوتر القائم بين إيران وأمريكا، حيث أن زيادة التوتر مع إدارة ترامب ستؤدي إلى تشديد العقوبات واحتمالية نشوب حرب.
إلا أن الاتفاق المشرف مع أمريكا، وفي المقابل زيادة التوتر والحرب مع أمريكا، له محركات على المستوى الوطني الإيراني، وعلى المستوى الوطني الأمريكي، وعلى المستوى الإقليمي، وعلى مستوى النظام الدولي، وتقييم كل من هذه المحركات يمكن أن يضع أمامنا آفاق الاتفاق أو التضاد بين إيران وأمريكا في عهد ترامب. في هذه المذكرة، نتناول محركات الاتفاق والتضاد مع أمريكا على المستوى الوطني الإيراني، وندرس المستويات اللاحقة في مذكرات لاحقة.
داخل إيران، المحركات التي تجعل الاتفاق ممكناً هي:
1- البراغماتية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كانت متأصلة في سياق السياسة الخارجية لإيران على مدى 45 عاماً الماضية، وكلما اقتضى الحفاظ على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي هو من أوْجب الواجبات من وجهة نظر الإمام الخميني (ره)، اتخاذ قرارات براغماتية. لذلك، فإن خاصية البراغماتية في السياسة الخارجية لإيران هي محرك للوصول إلى اتفاق.
2- كما أن نهج حكومة السيد بزشكيان هو التوصل إلى اتفاق مشرف، حيث تحدث السيد بزشكيان في دعاياته الانتخابية عن ضرورة التفاعل مع العالم، ورأى أن التوصل إلى اتفاق مع أمريكا لرفع العقوبات الظالمة ضد إيران أمراً ممكناً. كما تحدث السيد عراقجي مراراً عن مفهوم "إدارة الصراع مع أمريكا"، والذي يمكن تفسيره على أنه رغبة الجهاز الدبلوماسي في التفاوض مع أمريكا.
3- الضغوط الناجمة عن العقوبات الأمريكية الظالمة ضد إيران، والتي، مثل شبكة عالمية، جعلت حتى جيران إيران الصديقين يتماشون مع الولايات المتحدة بشكل لا مفر منه؛ دافع آخر لضرورة الاتفاق مع أمريكا. لا يخفى على أحد أن الاتفاق النووي جلب معه استقراراً نسبياً ونمواً اقتصادياً لإيران، وبعد خروج ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، انخفض النمو الاقتصادي، وتدهورت قيمة العملة الوطنية، وتضخم غير مسبوق، عانى منه الاقتصاد الإيراني. مع وصول إدارة بايدن، ظهرت بارقة أمل للاقتصاد الإيراني، والتي كانت مزيجاً من الدبلوماسية الإيرانية ورغبة بايدن في السيطرة على البرنامج النووي والسيطرة على التوتر مع إيران. انتقد ترامب مراراً وتكراراً سياسة بايدن تجاه إيران في الأشهر الأخيرة، وقال إن سياسة بايدن تسببت في ضخ 150 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني. دافع بشدة عن سياسته العقابية ضد إيران ووعد بتشديد العقوبات ضد إيران. زيادة العقوبات ضد إيران هي الإستراتيجية الأقل تكلفة لترامب. وهي إستراتيجية يعتقد ترامب أنها نجحت. لذلك، فإن القلق من زيادة العقوبات من قبل ترامب يعتبر أيضاً دافعاً للاتفاق مع أمريكا على المستوى الوطني.
4- الإصلاحيون في إيران، كقوة سياسية لها أنصار على مستوى المجتمع ولها نفوذ كبير في المجتمع من خلال وسائل الإعلام، هم أيضاً دافع للاتفاق. إن انخفاض المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وكذلك انتخاب السيد بزشكيان، أعطى الإصلاحيين في المجتمع الإيراني قوة مضاعفة لطرح مطالبتهم بتخفيف التوتر مع أمريكا أكثر من ذي قبل.
في المقابل؛ هناك أربعة محركات لا تجعل الاتفاق مع أمريكا صعباً فحسب، بل تزيد من التوتر وحتى النزاع والحرب مع أمريكا، وتشمل ما يلي:
1- التصور التاريخي لأمريكا الذي له تاريخ سلبي لدى السياسيين والرأي العام الواعي بالتاريخ. الإيرانيون، لأسباب مثل انقلاب 28 مرداد، والتدخل السلبي لأمريكا في الحرب المفروضة، والهجوم على طائرة الركاب الإيرانية، ووضع إيران في محور الشر، وخاصة عدم التزام أمريكا بالاتفاق النووي، ... لا يثقون بأمريكا.
2- العداء لأمريكا، كمثال على معاداة الاستكبار، أصبح عنصراً من عناصر الهوية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن الصعب التخلي عنه.
3- بعض التيارات السياسية التي تتمتع بقوة المناورة في صنع القرار الكلي هي أيضاً عقبة خطيرة أمام التفاوض مع أمريكا، ولكل منها دوافعها وأسبابها الخاصة لعدم التفاوض مع أمريكا.
4- التجربة الصعبة والسلبية للجمهورية الإسلامية الإيرانية من الاتفاق النووي ونقض العهود من قبل أمريكا وانسحاب ترامب من الاتفاق النووي يجعل الأمر أكثر صعوبة للاتفاق مع إدارة ترامب.
إذا وضعنا المحركات المشجعة على الاتفاق والمحركات المانعة للاتفاق في مقابل بعضها البعض، نلاحظ أن إرادة حكومة بزشكيان ورغبة قوى التغيير، لدفع الاتفاق مع أمريكا، تواجه عقبات جدية، بمعنى أن التصورات التاريخية، هوية العداء لأمريكا، التيارات السياسية المناهضة لأمريكا، والتجربة السلبية من الاتفاق النووي، كل منها يكبح هذين المحركين بطريقة ما، ولكن في المقابل، فإن البراغماتية الإيرانية في السياسة الخارجية، وكذلك موضوع الضغوط المضاعفة الناجمة عن العقوبات، يمكن أن تتجاوز العقبات الأربعة، وتمهد الطريق للاتفاق مع أمريكا في ولاية ترامب الثانية.
سيد محمد حسيني، خبير أول في مركز الدراسات السياسية والدولية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"