تعبير "تشيبول" (재벌-Chaebols) مشتق من الكلمتين الكوريتين (chae - ثروة) و ( bol- عائلة)، مما يدل على الطبيعة العائلية لهذه المجموعات. تتكون التشيبولات عادةً من شركة كبيرة واحدة أو عدة مجموعات من الشركات المترابطة، والتي غالباً ما تكون مملوكة لعائلة واحدة وتخضع لسيطرتها. يُشبه الهيكل التنظيمي لهذه المجموعات بالبنية العائلية، حيث يتولى الأب (الرئيس) دوراً محورياً، ويحظى الولاء له بالأولوية على أساس الجدارة. هذا الشكل من الإدارة متجذر في القيم الكونفوشيوسية الجديدة السائدة في المجتمع الكوري، حيث يمثل الالتزام تجاه الرئيس الأعلى أولوية لا جدال فيها. يمكن تتبع بداية نمو هذه الشركات إلى فترة ما بعد الحرب الكورية (1950-1953)؛ عندما بدأت حكومة كوريا الجنوبية، تحت رئاسة الرئيس بارك تشونغ هي، سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية بهدف التصنيع، وقدمت خلال هذه الإصلاحات حوافز مختلفة مثل الإعانات والإعفاءات الضريبية وسهولة الوصول إلى الائتمان لتعزيز نمو الصناعات الرئيسية والتنافس مع الشركات الأجنبية، مما أدى إلى ظهور هذه الشركات الكبيرة القوية. كانت الشركات التجارية العائلية الكبيرة في كوريا الجنوبية بمثابة القوة الدافعة وراء التنمية الاقتصادية السريعة للبلاد في فترة ما بعد الحرب. شركات مثل سامسونج ومجموعة SK وهيونداي وإل جي، والتي تنبع جذورها من جهود التصنيع التي قادتها الحكومة في الستينيات، هيمنت على اقتصاد كوريا الجنوبية، وتشكل حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي والصادرات الوطنية. غالباً ما يتم الحفاظ عليها والتحكم فيها من قبل العائلات المؤسسة، ونظراً لنفوذها الواسع في مختلف القطاعات، فإنها تُشكِّل الآفاق الاقتصادية في كوريا الجنوبية.
على الرغم من الدور المحوري الذي لعبته شركات تشيبول في النمو الاقتصادي والتنمية السريعة لكوريا الجنوبية، وخاصة خلال فترة ازدهار "النمور الآسيوية" (الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي)، والتي شهدت فيها البلاد معدل نمو غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي، فإنها متهمة في كثير من الحالات بالاحتكار والفساد الممنهج. إن هيمنة شركات تشيبول على اقتصاد جمهورية كوريا واعتمادها على مجموعة محدودة من الصادرات، يجعل البلاد أكثر عرضة لصدمات القطاع المحدد. كما أن موقعها المهيمن في السوق، بسبب قمع المنافسة، وخاصة ضد الشركات الصغيرة والمتوسطة، أدى إلى قلق بشأن عدم المساواة وانعدام الابتكار في الاقتصاد. إن طبيعة عملها المركزية غالباً ما تؤدي إلى عدم المساواة الاقتصادية، حيث تواجه الشركات الصغيرة وقطاع الخدمات عوائق كبيرة. وقد أدى سوق العمل القاسي والأداء غير الكافي لقطاع الخدمات إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل، مما حد من فرص النمو في الاقتصاد ككل. إن ظهور شركات تشيبول تسبب في خلق اقتصاد مزدوج، يتميز بقطاع تصنيع عالي الأداء وصناعة خدمات راكدة، مما ساهم في عدم المساواة النظامية وأثر على توزيع الدخل وفرص العمل. علاوة على ذلك، فإن الفضائح العديدة لبعض قادة هذه الشركات في السنوات الأخيرة زادت من انعدام الثقة العامة وأثارت نقاشات حول الحاجة إلى إصلاحات شاملة لتحسين حوكمة الشركات وشفافيتها. هذا الموضوع يظهر حتى في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الأكثر مشاهدة في البلاد، مع انتقادات وسخرية كبيرة لهذا النوع من نظام السلطة. ومع ذلك، نرى أنه بسبب بعض المزايا مثل الأجور المرتفعة، يتنافس العديد من الشباب المتعلم في كوريا الجنوبية في منافسة شديدة للحصول على وظيفة في إحدى هذه الشركات. تُوجد شركات تشيبول اليوم ملايين الوظائف في سوق العمل في جمهورية كوريا، ولا تزال تتمتع بنفوذ ثقافي كبير، وغالباً ما تتحول قوتها ودعمها المالي إلى تأثيرات كبيرة على وسائل الإعلام والصادرات الثقافية مثل الكيبوب والدراما الكورية.
غالباً ما تُتهم العلاقات المعقدة بين شركات تشيبول وحكومة كوريا الجنوبية بالتواطؤ والمحاباة، مما يجعل جهود الرقابة بهدف الحد من نفوذها معقدة للغاية. وقد تم تنفيذ مبادرات مثل قانون تنظيم الاحتكار لتعزيز المنافسة العادلة؛ ومع ذلك، ونظراً لقدرة هذه الشركات على التغيير والتكيف مع الظروف الجديدة، فإن فعالية هذه الإجراءات لا تزال موضع نقاش. في الوقت الحالي، يمثل مستقبل شركات تشيبول جانباً مهماً من الخطاب الوطني حول الإصلاحات الاقتصادية ومسؤوليات الشركات في كوريا الجنوبية.
مهدي سلامي، خبير في مركز الدراسات السياسية والدولية
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"