منظمة D-8 وإنشاء سوق إسلامية مشتركة

عُقدت القمة الحادية عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي للدول النامية الثماني، المعروفة باسم D-۸، يوم الخميس ۱۹ ديسمبر ۲۰۲۴ في القاهرة. وحضر القمة رؤساء الدول الأعضاء الثماني، بالإضافة إلى عضو جديد، جمهورية أذربيجان.
21 جمادى الثانية 1446
رویت 94

عُقدت القمة الحادية عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي للدول النامية الثماني، المعروفة باسم D-8، يوم الخميس 19 ديسمبر 2024 في القاهرة. وحضر القمة رؤساء الدول الأعضاء الثماني، بالإضافة إلى عضو جديد، جمهورية أذربيجان.

من أهم الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في هذه القمة ما يلي:

  • التخطيط لزيادة حجم التبادل التجاري داخل المنظمة إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030
  • تعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة
  • الاستثمار في الشباب
  • المشاركة في تشكيل اقتصاد العالم في المستقبل

كانت هذه القرارات تكراراً لبيانات القمم العشر السابقة، وخاصة في مجال التجارة.

تأسست منظمة D-8، بناءً على بيان القمة الأولى في 15 يونيو 1997 في إسطنبول، وحددت أهدافها الرئيسية في تعديل موقع وتعزيز الحضور الفعال للدول الأعضاء في الاقتصاد العالمي، وتعزيز المشاركة في القرارات الدولية، وتوفير معايير أفضل لحياة شعوب هذه الدول. ولتحقيق هذه الأهداف، قرر الأعضاء توسيع تعاونهم في مختلف المجالات، وتحقيق أقصى قدر من التجارة بين الأعضاء وإنشاء سوق إسلامية مشتركة، ليصبحوا كتلة مؤثرة في الاقتصاد العالمي.

تغطي منظمة D-8 مساحة تقارب 6.7 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل أكثر من 24% من مساحة الدول الإسلامية وحوالي 2.5% من مساحة العالم، وتشكل هلالاً نامياً من جنوب شرق آسيا إلى غرب إفريقيا. وباعتبارها تضم 15.3% من سكان العالم و 60% من سكان الدول الإسلامية، تُعتبر المنظمة سوقاً محتملة قوية لتطوير التبادل التجاري في العالم الإسلامي والاقتصاد الدولي.

من ناحية أخرى، فإن قربها من الممرات المائية الكبيرة في العالم، مثل الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، وإطلالتها على المضائق الدولية الهامة مثل هرمز والبوسفور ومالاكا وقناة السويس، وحدودها مع الاقتصادات الناشئة، تُسهل وتُسرع فرص توسيع التبادل التجاري بين هذه الدول والشركاء التجاريين من خارج المنظمة.

بالنظر إلى هذه القدرات المحتملة، والسؤال الرئيسي الآن، وبعد مرور 28 عاماً على تأسيس هذه المنظمة، هو: هل تمكنت D-8 من تحقيق أهداف التقارب بين الأعضاء وإنشاء سوق إسلامية مشتركة؟

بشكل عام، وبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على تأسيس المنظمة، يمكن القول إن D-8 نجحت، بعد فترة التأسيس الأولية، في اتخاذ مسار تصاعدي، ووفرت، من خلال وضع وثائق وخطط تعاون مختلفة، وتحديد الأولويات، وإنشاء آليات، وتنظيم اتفاقيات مهمة، الأُطر والمقدمات اللازمة لتحرك الدول الأعضاء على طريق التقارب والتكامل الاقتصادي.

على الصعيد العملي، وبالنظر إلى الإحصائيات والأرقام المتاحة، تُعتبر D-8 في موقع كتلة اقتصادية قوية، تحمل في طياتها عناصر هامة للتكامل الإقليمي. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمنظمة 4.4 تريليون دولار، أي ما يعادل 2.4% من الاقتصاد العالمي وحوالي 59% من اقتصاد الدول الإسلامية. وبلغ إجمالي حصة المنطقة من التجارة العالمية للبضائع في عام 2023 حوالي 2 تريليون دولار، أي ما يعادل 6.45% من الإجمالي العالمي. هذه القدرات تجعل منطقة D-8 مؤهلة للعب دور مؤثر في الاقتصاد العالمي.

ولكن إذا اعتبرنا أن أحد المؤشرات الهامة لتقييم نجاح التكامل في منطقة ما هو حجم التجارة داخل الإقليم بين أعضائها، فإن حصة التجارة داخل الإقليم من إجمالي التجارة الخارجية لـ D-8 تبلغ حالياً 8.4% فقط، وهو رقم بعيد جداً عن الهدف المحدد بنسبة 15 إلى 20% في خارطة الطريق 2008-2018 و 2020-2030. ومع أن التجارة داخل الإقليم زادت من 15 مليار دولار وقت تأسيس المنظمة إلى 130 مليار دولار في عام 2023، إلا أن هذا المقدار من الزيادة في التجارة داخل الإقليم يجب أن يُعزى أيضاً إلى نمو العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء، وخاصة بين الأزواج ذوي التقارب الجغرافي مثل إيران وتركيا وإندونيسيا وماليزيا.

يُظهر تحليل مسار التعاون أن الدول الأعضاء، على الرغم من عدم وجود تكافؤ وتشابه اقتصادي يعيق إقامة علاقات تجارية مُجدية، لا تزال لديها قدرات اقتصادية مناسبة نسبياً وحوافز سياسية عالية لمواصلة التعاون، وقد أنشأت تقريباً جميع القدرات والمؤسسات اللازمة لهذا التعاون.

إلا أن وجود عوائق وتحديات مثل عدم التكامل الاقتصادي في بعض القطاعات الاقتصادية الهامة مثل الطاقة والزراعة، وعدم وجود دولة محورية، وعدم الاتصال الجغرافي، ونقص الموارد المالية، واتساع نطاق الأنشطة، تسبب في اقتصار التعاون في المنظمة في معظمه على عقد اجتماعات وإصدار بيانات لعدم التنفيذ.

من ناحية أخرى، على الرغم من الأنشطة التي تم القيام بها في مجال إقامة تعاون خارجي، وإقرار اتفاقيات، وعقد اجتماعات، ورسم خارطة طريق، فإن هذه الأنشطة لم تتحول إلى تعاون عملي ملموس ولم تُحقق مكاسب قابلة للتوزيع للأعضاء.

على سبيل المثال، تعاني منظمة D-8، على الرغم من الإرادة السياسية العالية ودعم الأعضاء، من تأخير في تنفيذ الاتفاقيات. هذا التأخير يُلاحظ في مراحل الموافقة عليها في المؤسسات التشريعية وفي عملية تفعيل الاتفاقيات ومواءمتها مع القوانين المحلية. ومن الأمثلة الملموسة على ذلك، حالة تنفيذ أهم اتفاقية للتعاون، وهي اتفاقية التجارة التفضيلية (PTA)، التي تم توقيعها في عام 2006. وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ رسمياً بين إيران وماليزيا ونيجيريا وتركيا في 25 أغسطس 2011، وفي فبراير 2012 بالنسبة لإندونيسيا وباكستان. وانضمت إليها مصر وبنغلاديش بعد 10 سنوات من التأخير. وقد عقدت لجنة الإشراف على الاتفاقية سبعة اجتماعات منذ عام 2012، وعقد مجلس وزراء التجارة ثلاثة اجتماعات، وفي كل مرة يتم تحديد وتحديد تاريخ جديد للتنفيذ النهائي للاتفاقية، لكن عملية التنفيذ لا تزال تواجه بعض الصعوبات. وهكذا، لا يزال أعضاء D-8، بعد مرور 18 عاماً على إقرار اتفاقية التجارة التفضيلية، عاجزين عن تنفيذها فيما بينهم. وقد تسبب ذلك في عدم تحقيق أحد الأهداف الرئيسية للمنظمة، وهو تطوير التجارة داخل الإقليم. من ناحية أخرى، لم يتم تفعيل اتفاقيتين‌هامتين أخريين للمنظمة، وهما اتفاقية التعاون الجمركي وتسهيل التأشيرات للتجار، على الرغم من دخولهما حيز التنفيذ، وهذا يمثل عائقاً أمام تسهيل التجارة وحرية حركة البضائع والأشخاص بين الدول الأعضاء.

يُعد اتساع مجالات النشاط من التحديات الهامة الأخرى التي تواجه المنظمة. فمن المؤكد أن التعاون في المجالات الاقتصادية الهامة مثل التجارة والنقل والزراعة والسياحة يمكن أن يُؤدي إلى تعزيز التعاون وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء، ولكن بسبب اتساع مجالات التعاون وفروعها، فإن الأجزاء الرئيسية وذات الأولوية مثل التجارة داخل الإقليم قد تم تهميشها إلى حد كبير. يجب على المنظمة، بالاعتماد على مبدأ الحد الأدنى، مع إعادة ترتيب أولويات مجالات التعاون ووقف أو إخراج نصف الأنشطة الحالية من جدول الأعمال للفترة المتبقية من خارطة الطريق التي تمتد لخمس سنوات، التركيز على التنفيذ النهائي للعناصر ذات الأولوية، والاستفادة من جميع الإمكانيات والقدرات الوطنية والإقليمية والدولية، وخاصة الترتيبات المالية والتنموية القائمة مثل بنك بريكس والتنمية الآسيوية للبنية التحتية، لضمان نجاحها.

من المعوقات الهامة الأخرى التي تواجه D-8، نقص الموارد المالية داخل الدول الأعضاء لدعم مشاريع التعاون المتنوعة. ويمكن لإنشاء آلية مالية جديدة مثل بنك D-8 والإسراع في تشكيل صندوق دعم المشاريع أن يُسرِّع التعاون في هذه المنظمة. كذلك، فإن البحث عن موارد مالية خارجية لدعم تنفيذ المشاريع الإقليمية للمنظمة من خلال التقرب من شركاء التنمية المحتملين مثل: الصين والاتحاد الأوروبي والآسيان بلاس وبريكس يحظى بأهمية كبيرة. من ناحية أخرى، ونظراً للأهمية التي لا يُنكرها مشاركة القطاع الخاص في تطوير تعاون D-8، يجب على الدول الأعضاء إزالة جميع العوائق التي تحول دون مشاركة هذا القطاع ليتمكن من أن يصبح قوة دافعة للتعاون في المنظمة.

على أي حال، بتقييم الوضع الحالي للتعاون في D-8 وملاحظة إخفاقها في تحقيق أهم الأهداف المحددة، يتضح أن المنظمة تواجه عوائق وتحديات جادة في مسار حركتها، وما لم يتم اتخاذ إجراء مناسب من قبل الدول الأعضاء والأمانة العامة لإزالة هذه العوائق والتغلب على التحديات، لا يمكن توقع تقدم في التعاون. لقد حان الوقت لأن تنظر المنظمة، بدلاً من إصدار بيانات مُكررة، نظرة جديدة إلى أنشطتها وأولويات جدول أعمالها، وأن تقوم، مع إعادة النظر في الأولويات وتضييق نطاق التعاون لفترة محددة، بتبني أساليب ومبادرات جديدة لدفع التعاون إلى الأمام وضمان تحقيق الأهداف الرئيسية وخلق إنجازات ملموسة وقابلة للتوزيع للأعضاء. عندها فقط يمكن توقع نجاح التعاون في D-8 وتحقيق الهدف المحدد في خارطة الطريق 2020-2030، بما في ذلك زيادة التجارة داخل الإقليم، وبالتالي إمكانية تأثير المنظمة على معادلات الاقتصاد العالمي السريع التغير.

مرتضی دامن باك جامي، خبير في مركز الدراسات السياسية والدولية

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است