فی حالة عدم وعی [دول المنطقة]، إن أزمة الشرعیة والهویة التی تعانی منها إسرائیل تدفع بالمنطقة نحو صراع مسلح

منذ اغتیال إسماعیل هنیة رئیس المکتب السیاسی لحرکة المقاومة الإسلامیة حماس فی طهران، تفاقمت التکهنات حول أهداف النظام الإسرائیلی من هذا العمل الإرهابی، وکیفیة رد إیران، ومستقبل التوترات فی المنطقة. إن اغتیال شخصیة سیاسیة قد زارت طهران لحضور مراسم تنصیب رئیس الجمهوریة الجدید لبلادنا، وداخل العاصمة الإیرانیة، یعد تجاوزًا من النظام الإسرائیلی لجمیع الخطوط الحمراء؛ تجاوزًا لم یکن مسؤولو هذا النظام غافلین عن عواقبه، ولکن الحقیقة هی أن ظروف حرب غزة تطورت بطریقة تطلبت منهم عملیة مبهرجة ذات عواقب واسعة.
13 صفر 1446
رویت 229
محمد مهدی مظاهری

منذ اغتیال إسماعیل هنیة رئیس المکتب السیاسی لحرکة المقاومة الإسلامیة حماس فی طهران، تفاقمت التکهنات حول أهداف النظام الإسرائیلی من هذا العمل الإرهابی، وکیفیة رد إیران، ومستقبل التوترات فی المنطقة. إن اغتیال شخصیة سیاسیة قد زارت طهران لحضور مراسم تنصیب رئیس الجمهوریة الجدید لبلادنا، وداخل العاصمة الإیرانیة، یعد تجاوزًا من النظام الإسرائیلی لجمیع الخطوط الحمراء؛ تجاوزًا لم یکن مسؤولو هذا النظام غافلین عن عواقبه، ولکن الحقیقة هی أن ظروف حرب غزة تطورت بطریقة تطلبت منهم عملیة مبهرجة ذات عواقب واسعة.

فیما یتعلق بأسباب تنفیذ هذه الاغتیال وأهداف ونوایا نتنیاهو من تصمیمه، تم طرح العدید من الأسباب؛ أول وجهة نظر من منظور السیاسات الإقلیمیة هی أن اغتیال هنیة کان عملیة تخریبیة إرهابیة تهدف إلى تحویل الأنظار عن الأزمات الإنسانیة التی نشأت فی غزة، وزیادة التوتر فی المنطقة، وإدخال إیران فی حرب مباشرة. کان المسؤولون الإسرائیلیون، بناءً على تجربة عملیة "وعد صادق"، واثقین من أن إیران سترد على هذا الاغتیال، وأن الرد الإسرائیلی سیؤدی إلى بدء حرب، مما سیجلب الولایات المتحدة إلى هذه الفوضى، وبالتالی ستدخل إیران وأمریکا فی حرب مباشرة. فی الوقت الحالی، فإن الحرب الإقلیمیة تصب فی مصلحة نتنیاهو؛ لأنها تهمش الوضع الإنسانی المأساوی فی قطاع غزة، وتوقف موضوع الهدنة الدائمة وخطة الدولتین، ومن جهة أخرى، فإن التوتر بین إیران وأمریکا قد یؤدی إلى هزیمة محتملة للدیمقراطیین وفوز محتمل لترامب؛ وهو ما سیؤمن بشکل کبیر المصالح المستقبلیة لإسرائیل.

من جهة أخرى، فإن توقیت هذا الاغتیال الذی تم فی یوم تنصیب الرئیس الإیرانی الجدید، یدل على أن المسؤولین الإسرائیلیین قلقون من نهج حکومة مدنیان فی السیاسة الخارجیة، الذی یمکن أن یؤدی إلى تخفیف العدید من التوترات بین إیران والدول الغربیة، ولذلک، حاولوا من خلال تنفیذ هذا الاغتیال وخلق ظروف من التوتر والحرب فی المنطقة، إضعاف أی آفاق لأی تحول فی السیاسة الخارجیة الإیرانیة، وإغلاق الطریق أمام تقدم وتحسین الأوضاع السیاسیة والاقتصادیة فی إیران على الصعیدین الداخلی والإقلیمی والعالمی.

کما أن توافق الفصائل الفلسطینیة فی الصین وتدخل المسؤولین فی هذا البلد لتشکیل حکومة وحدة وطنیة فی الأراضی الفلسطینیة وإعداد الظروف لتنفیذ خطة الدولتین، کان من الأسباب الأخرى التی دفعت المسؤولین فی نظام إسرائیل للتفکیر فی خلق الفوضى فی المنطقة ومنع التحرکات الوسیطة للقوى الکبرى العالمیة التی تأخذ مصالح الفلسطینیین بعین الاعتبار.

لکن النقطة الأکثر أهمیة فی تصمیم هذه العملیة التی لم یتم تناولها کثیرًا حتى الآن هی أزمة الهویة والشرعیة لنظام الاحتلال الإسرائیلی بعد الهجوم على قطاع غزة؛ واحدة من الاستراتیجیات الأساسیة للسلطات الإسرائیلیة لجذب الدعم والمساعدات الدولیة هی تقدیم صورة دیمقراطیة وسلمیة عن هذا النظام، والتظلم وإظهار الضغط الذی یتعرض له الاحتلال الإسرائیلی والیهود، وافتقارهم للأمان فی مواجهة التهدیدات الخارجیة. لکن بعد مرور أکثر من 10 أشهر على حرب غزة، فإن الهجمات المتواصلة لهذا النظام على الأماکن غیر العسکریة وفرض الجوع والعطش والتشرید على سکان هذه الرقعة، وحرمانهم من الحد الأدنى من حقوق الإنسان، لم تترک أی مجال لاستراتیجیة السلطات الإسرائیلیة التقلیدیة فی التظلم وتجمیل أفعالهم.

بدأت الرأی العام فی الدول الغربیة، بل حتى الشعب الأمریکی الذی کان تقلیدیاً مؤیداً لإسرائیل مقابل الفصائل الفلسطینیة، یعبر عن اشمئزازه من أعمال إسرائیل بعد أن شاهد یومیاً معاناة وأهوال شعب غزة فی وسائل الإعلام، ولم یعد یوماً یمر إلا ونشهد مظاهرات مناهضة لإسرائیل فی إحدى الدول الغربیة أو الشرقیة الصدیقة والحلیفة لإسرائیل. ورغم أن حکومات هذه الدول والمنظمات الدولیة حاولت توجیه انتقادات لینة لإسرائیل، وحفظ ماء وجه حلیفها التقلیدی، إلا أن الشعوب لا تأبه بهذه الاعتبارات، وتنتقد إسرائیل وأعمالها فی غزة صراحة، وتعبّر عن احتجاجها ومعارضتها لجرائم إسرائیل من خلال مظاهرات مختلفة. وقد بلغت هذه المظاهرات الشعبیة ذروتها خلال زیارة نتنیاهو الأخیرة إلى الولایات المتحدة وخطابه أمام الکونجرس. ففی الوقت الذی کان فیه العدید من أعضاء الکونجرس یصفقون لنتنیاهو بحرارة ویؤیدون نهجه المنافی للإنسانیة تجاه الشعب الفلسطینی، کان الشعب الأمریکی خارج الکونجرس یردد الشعارات ضد نتنیاهو وسیاساته فی غزة.

کانت هذه الظروف جدیدة على نتنیاهو وقد دقت ناقوس الخطر لدیه؛ فقد کان من المفترض أن تکون إسرائیل دائماً تلک الدولة القویة والمظلومة فی الشرق الأوسط ذات الوجهة الإیجابیة، وأن تکون إیران وحلفاؤها قوى شیطانیة یجب مواجهتها. ولکن الحقیقة التی ظهرت جلیاً فی زیارة نتنیاهو هی أن حرب غزة قد غیرت نظرة العالم إلى إسرائیل. وفی ظل هذه الظروف، احتاج النظام الإسرائیلی إلى تحول جذری لیقلب الطاولة، ویعید إسرائیل إلى موقع الضحیة والدولة المهددة دائماً، ویجعل إیران دولة مارقة تحتاج إلى کبح جماحها.

السیاسة غیر المسؤولة للدول الغربیة والأمم المتحدة خلال الهجوم الإرهابی الإسرائیلی على مبنى سفارة إیران فی دمشق، وعدم اتخاذ أی إجراء عقابی ضد إسرائیل مثل الإدانة الدبلوماسیة أو وقف المساعدات العسکریة أو فرض عقوبات اقتصادیة على هذا النظام المجرم، أدى إلى قناعة المسؤولین الإسرائیلیین بأن أیدیهم مفتوحة لفعل أی شیء یمکن أن یغیر قواعد اللعبة. وقد ثبت أن تحلیلهم صحیح؛ فلم یکن هناک أی إدانة أو عقوبات لهذا النظام کما جرت العادة، ودعوة الکف عن التصعید والامتناع عن زیادة التوترات وجهت إلى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فقط!

با اختصار، یمکن القول إن حرب غزة الاستنزافیة، وعدم تحقیق سلطات النظام الإسرائیلی لأهدافها فی هذه الحرب، وتشویه صورتهم نتیجة لأعمالهم اللاإنسانیة خلال الحرب، بالإضافة إلى التطورات السیاسیة الإیجابیة فی إیران وزیادة احتمال تحسن العلاقات الخارجیة الإیرانیة مع مختلف الدول، شجعت سلطات النظام الإسرائیلی على ارتکاب هذا الاغتیال، بهدف إبطاء وتیرة التطورات التی تسیر ضدهم ودفع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة إلى اتخاذ إجراءات هجومیة مکلفة. وفی ظل هذه الظروف، یبدو أن أفضل رد من إیران هو الرد بالمثل؛ فإذا کان النظام الإسرائیلی لم یعترف بعد بمسؤولیته عن اغتیال هنیة للهروب من عواقبه، فإن على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أن تفعل الشیء نفسه بالضبط. خاصة وأن إیران قد أحرزت تقدماً کبیراً فی مجال الطائرات بدون طیار والأسلحة الذکیة والتحکم عن بعد، وقد حان الوقت لإظهار قدراتها فی هذا المجال. وفی عصر الذکاء الاصطناعی، لم تعد الردع تقتصر على الهجمات الصاروخیة فقط، ویمکن للرد الإیرانی أن یأخذ أشکالاً مبتکرة ورخیصة الثمن وعبر عن دروس متنوعة.

محمد مهدی مظاهری، أستاذ جامعی

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است