توافق الفصائل الفلسطینیة فی الصین؛ رسالة للعالم ولشعب فلسطین

فی یوم الثلاثاء الثانی من شهر مرداد ۱۴۰۳ (۲۳ یولیو ۲۰۲۴)، شهدت منطقة غرب آسیا تطوراً هاماً بوساطة صینیة، حیث وافقت أربعة عشر فصیلاً فلسطینیاً، من بینها حماس وفتح، على مقترح بکین بتشکیل حکومة وحدة وطنیة مؤقتة فی غزة بعد انتهاء الحرب. والجدیر بالذکر أن المبادرة الصینیة لا تقتصر على تشکیل حکومة وحدة وطنیة فحسب، بل تتضمن خطة من ثلاث مراحل بشأن غزة:
23 محرم 1446
رویت 372
محمد مهدی مظاهری

فی یوم الثلاثاء الثانی من شهر مرداد 1403 (23 یولیو 2024)، شهدت منطقة غرب آسیا تطوراً هاماً بوساطة صینیة، حیث وافقت أربعة عشر فصیلاً فلسطینیاً، من بینها حماس وفتح، على مقترح بکین بتشکیل "حکومة وحدة وطنیة مؤقتة" فی غزة بعد انتهاء الحرب. والجدیر بالذکر أن المبادرة الصینیة لا تقتصر على تشکیل حکومة وحدة وطنیة فحسب، بل تتضمن خطة من ثلاث مراحل بشأن غزة:

  • المرحلة الأولى: السعی لتحقیق وقف إطلاق نار شامل ودائم فی غزة فی أسرع وقت ممکن، وضمان وصول المساعدات الإنسانیة.
  • المرحلة الثانیة: الالتزام بمبدأ "فلسطین لل فلسطینیین"، والعمل على تعزیز السلطة الفلسطینیة بعد الحرب على غزة.
  • المرحلة الثالثة: السعی للحصول على عضویة کاملة لفلسطین فی الأمم المتحدة، وتطبیق حل الدولتین.

على الرغم من أن اتفاقیات الفصائل الفلسطینیة، وخاصة بین الجماعتین الرئیسیتین فتح وحماس، لها سوابق تاریخیة ولم تستمر طویلاً فی الماضی، إلا أنه یبدو أن المرحلة الحالیة، حیث تدور الحرب فی غزة بکل شدتها، تحمل رسائل جدیدة وقد یکون لها عواقب جدیة على المنطقة وعلى هیکل النظام العالمی.

یبدو أن هذا الاتفاق یأتی فی المقام الأول کاستجابة لمقترح الرئیس الأمریکی جو بایدن الذی تم طرحه قبل عدة أسابیع (31 مایو 2024)، والذی یتضمن وقف إطلاق نار کامل، وانسحاب القوات الإسرائیلیة من المناطق ذات الکثافة السکانیة العالیة فی قطاع غزة، وإطلاق سراح بعض الأسرى، وتسلیم جثث بعض الأسرى، وعودة المدنیین الفلسطینیین إلى منازلهم فی قطاع غزة، وزیادة المساعدات الإنسانیة. بینما احتوى مقترح بایدن على اقتراحات مبکرة وربما مؤقتة لوقف إطلاق النار فی غزة، فإن خطة الرئیس الصینی تتضمن أفکارًا لمستقبل التفاعلات السیاسیة بین الفصائل الفلسطینیة وکیفیة إدارة دولة فلسطین المستقلة؛ وهو نهج یُظهر أن الصین لم تعد تلک القوة العظمى المنعزلة التی تسعى فقط إلى النمو الاقتصادی، بل لدیها أیضًا نظرة نحو لعب دور على الساحة العالمیة وحل التحدیات المزمنة مثل أزمة فلسطین وإسرائیل.

رغم أن معارضة إسرائیل لهذا الاتفاق قد تقلل من احتمالیة تنفیذه، إلا أن مجرد دخول الصین فی هذا المجال یدل على سعیها الحثیث لتصبح قوة عظمى مؤثرة عالمیاً، وأنها تسعى لتحدی هیمنة الولایات المتحدة الأمریکیة وسیطرتها فی مختلف المجالات.

نقطة أخرى یمکن استخلاصها من اتفاق مجموعات فلسطینیة فی الصین هی أنه على عکس الولایات المتحدة التی لدیها قیود عدیدة لکبح إسرائیل، وحتى فی الظروف الحالیة التی یعبر فیها العالم عن احتجاجه ضد جرائم إسرائیل فی غزة، لا تزال تسعى لتحقیق مصالح ورغبات هذه النظام فی خططها؛ فإن الصین تعتبر قوة عظمى أکثر حیادیة، غیر متأثرة أو مضغوطة من قبل اللوبی الصهیونی، وبالتالی لیس لدیها أسباب أو مصالح خاصة لمنح امتیازات خاصة لإسرائیل، وکل ما یهمها هو تأمین منطقة غرب آسیا من أجل تعزیز خططها التجاریة والاقتصادیة المتنوعة.

شهدنا نتیجة لذلک، وعلى النقیض من الولایات المتحدة التی سعت فی اجتماع سری عقدته مؤخراً فی الإمارات إلى تلبیة مطالب النظام الإسرائیلی من خلال "تشکیل قوات عربیة أو إسلامیة" بدعم من الدول العربیة فی المنطقة وتحت إشراف دولی، کـ"بدیل للمقاومة الفلسطینیة فی قطاع غزة"، سعت الصین من خلال إعلان بکین إلى إشراک جمیع الفاعلین فی القضیة الفلسطینیة فی معادلة القوة. أغلقت اتفاقیة بکین الباب أمام الأفکار والمشاریع الأمریکیة الصهیونیة التی تخدم مصالح إسرائیل الحصریة، وسعت من خلال إیجاد حلول بدیلة إلى خلق وقائع جدیدة فی المنطقة. بناءً على ذلک، یبدو أن وجود الصین ومشارکتها فی تسویة هذه النزاعات یشکک فی الخطاب الغربی الذی یتضمن عوامل مثل الأنانیة والتغطیة على الأخطاء فی تحدید المعاییر والقواعد العالمیة والدعم غیر المشروط لإسرائیل، ویطرح خطاباً جدیداً یقوم على التنوع والتعددیة و"السلام القائم على الاقتصاد".

یحمل توقیع "إعلان بکین" ودعوة حرکة حماس للانضمام إلى هذه الاتفاقیة والتخطیط لمشارکتها فی الحکومة بعد الحرب فی غزة رسالة سیاسیة بالغة الأهمیة؛ ففی مقابل المساعی الحثیثة للنظام الإسرائیلی لکسر شوکة حماس وإزالتها من إدارة الأراضی الفلسطینیة، یظهر الاتفاق الأخیر فی الصین أن القوى العالمیة کالصین قد توصلت إلى قناعة بأن إسرائیل عاجزة عن تحقیق ذلک، وأن حرکة حماس کشبکة قوة سیاسیة وعسکریة تحظى بشعبیة فی غزة لا یمکن استئصالها. ومن هذا المنطلق، سعت الصین من خلال نهج واقعی إلى جمع کافة الفصائل الفلسطینیة الفاعلة لبناء أساس متین وشامل لحکومة وحدة وطنیة فی دولة فلسطین المستقلة فی المستقبل.

فی النهایة، یجب أن نقول إن التجربة تُظهر أن اتفاقیات السلام تحتاج إلى قبول من الأطراف المتنازعة لتصبح فعالة، وبالتالی فی هذه الحالة الخاصة، إذا لم یقبل نظام الاحتلال الإسرائیلی ولم یحصل على دعم شامل من المجتمع الدولی، فإن احتمال تحقیق وتنفیذ خطة السلام الصینیة یبدو ضئیلاً. ومع ذلک، فإن هذه الجهود تشیر إلى أن الفصائل الفلسطینیة قد توصلت إلى استنتاج مفاده أن نتیجة عملیة "عاصفة الأقصى" یجب أن تکون وحدة الشعب الفلسطینی، لإنهاء الحرب والإبادة والجوع الذی فرضه علیهم نظام الاحتلال الإسرائیلی، ولتذوق طعم الاستقلال والوحدة الوطنیة. من جهة أخرى، تسعى الصین أیضًا، فی إطار نجاحها کوسیط للمصالحة بین إیران والسعودیة، إلى دور أکثر بروزًا فی منطقة غرب آسیا، لتعدیل النهج الأحادی والمتمرکز حول الذات للولایات المتحدة، ولإقامة نظام متوازن ومتعدد الأطراف فی هذه المنطقة (وربما فی المستقبل) فی العالم.

محمد مهدی مظاهری، أستاذ جامعی

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است