یشهد العالم عام 2024 العدید من الانتخابات البرلمانیة والمحلیة والرئاسیة، والتی یمکن اعتبارها ذات أهمیة کبیرة للعلاقات الدولیة وتوزیع القوى على مختلف المستویات القاریة، نظرًا لإجرائها فی دول مثل روسیا والولایات المتحدة والهند والمکسیک والاتحاد الأوروبی وجمهوریة إیران الإسلامیة وغیرها.

فی هذا السیاق، شارک حوالی 185 ملیون ناخب من أصل 260 ملیون ناخب مؤهل فی القارة الخضراء فی انتخابات البرلمان الأوروبی هذا الأسبوع، والتی شملت 27 دولة عضو فی الاتحاد الأوروبی. على الرغم من حصول الأحزاب الیمینیة المتطرفة على بعض التأیید الشعبی فی أجزاء مختلفة من الاتحاد، إلا أن الأصوات التی حصلت علیها لم تکن متماشیة مع التوقعات. وبالتالی، إذا کان هناک إرادة سیاسیة کافیة بین الأحزاب الوسطیة، فسیظل ائتلاف مؤیدی "أوروبا الموحدة" یسیطر على غالبیة مقاعد البرلمان فی السنوات الخمس المقبلة. ومع ذلک، فقد تعرضت أسواق الأسهم فی العدید من الدول الأوروبیة، بما فی ذلک فرنسا وألمانیا، لصدمة انخفضت فیها القیمة بأقل من 2٪، وانخفضت أسواق بعض الدول الأخرى. کما واجهت فرنسا صدمة سیاسیة بعد حل ماکرون للبرلمان.

بعد أکثر من عقدین من القرن الثالث والعشرین، أصبح الاتحاد الأوروبی قوة اقتصادیة عظمى، خاصة فی التجارة الخارجیة، حیث یضم جزءًا کبیرًا من وسط وجنوب شرق القارة الأوروبیة. ومع ذلک، لم تتمکن هذه المؤسسة المهمة، مع توسعها وتطورها، من منع ظهور دورة من المشکلات والتحدیات، خاصة فی المجالات الأمنیة والدفاعیة المتعلقة بالحرب فی أوکرانیا والهجرة، بالنسبة لأعضائها المتوسطین والضعفاء. من ناحیة أخرى، کان التوسع السریع وغیر المتوازن للاتحاد الأوروبی أیضًا عاملاً مؤثرًا فی ظهور هذه المشکلات.

من خلال مقارنة سریعة، یمکن ملاحظة أن الاتحاد الأوروبی تسارع فی قبول أعضاء جدد، خاصة من بین دول المعسکر الشیوعی السابق. وانضمت العدید من هذه الدول إلى هذه المؤسسة المهمة دون تحقیق المکونات الأساسیة للاتحاد، بدافع الضرورة والاستفادة من الضغوط السیاسیة. واجه الاتحاد الأوروبی خیارًا صعبًا بین قبول هذه الدول أو ترکها تواجه مصیرها، مما قد یؤدی إلى تفاقم مشکلات مثل الهجرة غیر الشرعیة للعمالة المنظمة والمافیا وغسل الأموال. ونتیجة لذلک، أبدت المحاور الشرقیة اهتمامًا بتوسیع الاتحاد الأوروبی نحو الشرق.

فی قارة الأخضر، فازت الأحزاب المحافظة فی انتخابات أوروبا فی الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی فی البلقان وهنغاریا. کما فاز حزب الیمین المتوسط فی انتخابات سلوفینیا. حزب الشعب الأوروبی (EPP)، بزعامة رئیس الوزراء السابق یانز یانسا، حصل على أکبر عدد من المقاعد، بینما حل حزب الحریة الحاکم بقیادة رئیس الوزراء السابق روبرت غلوب فی المرتبة الثانیة بمقعدین. وفی کرواتیا، حصلت الأحزاب المحافظة التی تحکم البلاد على نصف مقاعد البرلمان الأوروبی بمشارکة ناخصة من الناخبین. وفی رومانیا، تم إرسال سیاسیین یمینیین متطرفین لأول مرة إلى البرلمان الأوروبی، لکن أصوات حزب AUR أقل من المتوقع، مما جعل الأحزاب الرئیسیة فی البلاد تتنفس بسهولة. وفی بلغاریا، فاز حزب GERB بزعامة بویکو بوریسوف، رئیس الوزراء السابق (EPP) فی الانتخابات البرلمانیة المبکرة والبرلمان الأوروبی. وفی هنغاریا، واجه حزب Fidesz بزعامة أوربان أوربان أسوأ نتیجة فی انتخابات الاتحاد الأوروبی، على الرغم من فوزه فی الانتخابات الأوروبیة. وکانت هذه أدنى نتیجة للحزب فی تاریخه، حیث حقق المعارضون نجاحًا ملحوظًا.

من بعد أوروبا، القضایا المهمة الأخرى تتعلق بالاستراتیجیة الدفاعیة وتأمین الطاقة. عند تقییم تطورات القارة الخضراء، یجب دائمًا أن یکون دور وتأثیر القوى الکبرى مثل الولایات المتحدة والصین وروسیا فی الترکیز. الحقیقة هی أن أوروبا کانت دائمًا میدانًا للصراع والتنافس بین الولایات المتحدة وروسیا فی نهایة القرن العشرین، حیث تحول الجزء الشرقی من القارة الخضراء إلى ساحة للصراع والتنافس بین الولایات المتحدة وروسیا، وشهدنا أهم أمثلة هذا الصراع فی قضایا مهمة مثل انهیار یوغوسلافیا السابقة، وتحدید مصیر البوسنة وکوسوفو، وتوسیع حلف شمال الأطلسی نحو الشرق، ونظام الدفاع الصاروخی، والعملیات العسکریة الخاصة لروسیا فی أوکرانیا. بالإضافة إلى ذلک، کانت أوروبا بعد الحرب العالمیة الثانیة دائمًا مستوردة للطاقة، حیث تعتمد بشکل کبیر على واردات الوقود والطاقة، خاصة النفط والغاز الطبیعی، حیث تأتی أکثر من 54٪ من احتیاجاتها من الطاقة من الواردات. حالیًا، تستورد الاتحاد الأوروبی ثلثی استهلاکه من الغاز، وأیضًا الهجرة غیر المنظمة من الشرق إلى الغرب، خاصة بعد أزمة سوریا وأوکرانیا، أصبحت أزمة هامة لدول شرق أوروبا وأنواع التفاعلات بین الاتحاد وهذه الدول قد تحولت. على الرغم من أن بعض الدول مثل ألمانیا تستقبل إلى حد ما عملیة الهجرة لتأمین القوى العاملة، إلا أن دول مثل المجر وإیطالیا یعتقدون أن الاتجاه الحالی للهجرة سیؤدی إلى تغییر اجتماعی وثقافی ودینی فی أوروبا.

على الرغم من أن الأحزاب المعتدلة ستحتفظ بالأغلبیة فی مقاعد البرلمان الأوروبی الجدید، إلا أن زیادة قوة الأحزاب الیمینیة المتطرفة قد تضع عقبات أمام إورسولا فون دیر لاین فی طریقها للتمسک برئاسة المفوضیة الأوروبیة مع تحدیات جدیة. وبناءً على التقدیرات الأولیة، من المتوقع أن یحتفظ تحالف کبیر بین حزب الشعب الأوروبی (EPP)، الاشتراکیین والدیمقراطیین الاجتماعیین (S&D)، ومجموعة تجدید أوروبا (Renew Europe) بحوالی 403 مقعدًا، أی حوالی 56٪ من مقاعد البرلمان الأوروبی. ونظرًا لأن هذه الأحزاب تعمل معًا منذ سنوات على مستوى الاتحاد الأوروبی وقاموا ببناء جدار قوی ضد دخول الیمین المتطرف إلى التیار الرئیسی للسیاسة فی الاتحاد الأوروبی، فإنه لا یمکن القول بأن السیاسات الاستراتیجیة والأداء العملی للاتحاد الأوروبی قد تغیرت بشکل جذری، وبالتالی لن تواجه مشاکل هیکلیة فی استمرار الحیاة السیاسیة والاقتصادیة لهذه الهیئة العالمیة المهمة. ومع ذلک، قد تحدث تغییرات محدودة فی بعض المناصب الأوروبیة وتوزیع حصص الأحزاب السیاسیة، والختام أنه على الرغم من مرور أکثر من 28 شهرًا من الحرب فی أوکرانیا وتزاید أنواع الضغوط الاقتصادیة والاجتماعیة والهجرة، یجب الاعتراف بأن مشارکة 70٪ فی انتخابات البرلمان الأوروبی تعتبر نجاحًا ملموسًا لقوة هیکلیة هذه الهیئة ورضا نسبی عن أداء مؤسسات حکومة الاتحاد الأوروبی.

علی بمان اقبالی زارش، رئیس مجموعة دراسات آسیا الوسطى

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"