العلاقات الأمریکیة السعودیة: علاقات متبادلة غیر متساویة

فی عالمٍ تتسم سماته الرئیسیة بالترابط والاعتماد المتبادل والتعقید والکثافة والغموض الطبیعی والغموض المُهندس، فإنّ المثالیة وقطع التواصل مع هذا وذاک لا یؤدیان إلا إلى العزلة والسلبیة للدول؛ وکأنک تبنی جدارًا خرسانیًا حول نفسک فی عالمٍ شبکی.
3 ذو الحجة 1445
رویت 247
سید محمد حسینی

فی عالمٍ تتسم سماته الرئیسیة بالترابط والاعتماد المتبادل والتعقید والکثافة والغموض الطبیعی والغموض المُهندس، فإنّ "المثالیة" و"قطع التواصل" مع هذا وذاک لا یؤدیان إلا إلى "العزلة" و"السلبیة" للدول؛ وکأنک تبنی "جدارًا خرسانیًا" حول نفسک فی عالمٍ شبکی. إنّ الاستراتیجیة العقلانیة فی عالم الیوم هی مسارٌ یُقلّل من الاعتماد الأحادی الجانب ویؤدی إلى الاعتماد المتبادل غیر المتماثل، وفی النهایة إلى الاعتماد المتبادل. هذا المسار مرهون بحالة واحدة: "خلق مصالح طویلة الأمد وداخلیة"، وهو ما یُشیر إلیه "هانتر" باسم "المصالح الذاتیة".

إنّ النظر إلى مسار العلاقات الأمریکیة السعودیة یُظهر بوضوح أن السعودیین تمکنوا خلال العقد الماضی من تقلیل اعتمادهم الأمنی على الولایات المتحدة نسبیًا وتحویل علاقتهم بالولایات المتحدة إلى "اعتماد متبادل غیر متماثل".

جعلت مکانة نفط السعودیة فی سلة الإنتاج وأمن الطاقة منذ عام 1950 هذا البلد مستعدًا لاهتمام خاص من قبل الولایات المتحدة. على مدار العقود الماضیة، اعتبرت الولایات المتحدة الاستقرار السیاسی فی السعودیة ضروریًا لأمن الطاقة، وکانت حامیة لأمن النظام السعودی، وتناست طریقة الحکم البدویة وانتهاکات حقوق الإنسان الأساسیة فی السعودیة. کان النفط مصدرًا لمصالح أمریکیة داخلیة طویلة الأمد ذاتیة، لکن الحکام السعودیین حتى عام 2010 لم یتمکنوا من "استغلاله" بشکل صحیح فی علاقاتهم مع الولایات المتحدة، لأن استراتیجیة السعودیة حتى عام 2010 کانت "استراتیجیة البقاء".

کانت التحولات فی الاقتصاد العالمی، وصعود جیل الحکام الشباب فی السعودیة، والثورات العربیة فی تونس ومصر، هی العوامل الثلاثة التی دفعت الحکام السعودیین إلى تغییر مسار البلاد من "استراتیجیة البقاء" إلى "استراتیجیة التنمیة". رأى الحکام السعودیون بوضوح کیف تم رفض حسنی مبارک بعد مواجهته للاحتجاجات الشعبیة "خلف أبواب البیت الأبیض". لذلک قرر السعودیون، بدلاً من وضع کل بیضهم فی سلة الأمن الأمریکیة، توزیعه على قوى الغرب والشرق. تم تنویع العلاقات الخارجیة مع القوى الإقلیمیة والعالمیة وتحقیق التوازن الجیو-سیاسی فی هذا السیاق. هذا الاتجاه لا یزال مستمراً حتى الیوم.

تشمل الخطوات التی اتخذتها السعودیة منذ عام 2010 بهدف تغییر مسارها من استراتیجیة البقاء إلى استراتیجیة التنمیة ما یلی:

  • تسهیل الاستثمار للقوى الشرقیة والغربیة فی السعودیة.
  • توسیع العلاقات مع الصین وروسیا وترکیا.
  • الاستثمار فی المؤسسات المالیة الدولیة.
  • بناء صورة جدیدة للسعودیة فی الرأی العام من خلال معالم الجذب السیاحی والفنی والریاضی.
  • علمنة المجال السیاسی الداخلی.
  • تقلیل عبء المسؤولیات الباهظة الثمن وقلیلة الفائدة للوهابیة فی المنطقة.
  • الانسحاب من حرب سوریا والیمن من خلال تطبیع العلاقات مع إیران لإدارة التوتر.

کان لهذه الاتجاهات تأثیرها المباشر على العلاقات الأمریکیة السعودیة، حیث تحولت العلاقات من اعتماد السعودیة على الولایات المتحدة إلى "اعتماد متبادل غیر متماثل مع تفوق الولایات المتحدة". الآن، إذا أرادت الولایات المتحدة شیئًا وقالت للسعودیة "افعل ذلک"، فلن یکون ذلک ببساطة "کن"، لأن السعودیة أیضًا تضع شروطًا لتنفیذ السیاسات الأمریکیة. المثال الصارخ على ذلک هو طلب الولایات المتحدة من السعودیة تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی فی السنوات الأخیرة، فی مقابل شروط هامة وضعتها السعودیة للقضیة. یکفی العودة إلى 20 إلى 30 عامًا مضت. فی ذلک الوقت، لم یعتقد أی محلل سیاسی أن السعودیة ستضع شروطًا لتنفیذ السیاسات الأمریکیة فی مجال الطاقة والسیاسة الإقلیمیة. لکن الوضع تغیر الیوم.

النجاح فی السیاسة عملیة مستمرة، ویبدو أن السعودیة قد قطعت شوطًا طویلاً فی هذه العملیة، وستستمر هذه العملیة. فی هذه الأیام، أهم قضیة فی العلاقات الأمریکیة السعودیة هی الدور الإیجابی الذی یمکن أن تلعبه السعودیة فی الکتلة الغربیة، وخاصة إدارة بایدن، فی المنطقة وأزمة غزة من خلال تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی.

طالبت الولایات المتحدة السعودیة بما یلی:

  1. جعل العلاقات السعودیة مع إسرائیل رسمیة.
  2. أن تنسق السعودیة مع الولایات المتحدة بشکل کامل فی إنتاج النفط وتسعیره.
  3. فی حال تنشیط المواجهة الأمریکیة مع الصین، تقف السعودیة إلى جانب الولایات المتحدة وتقطع أو تقلص علاقاتها التجاریة والسیاسیة مع الصین.

المملکة العربیة السعودیة ومع ذلک، فإن تحقیق هذه الرغبات الثلاثة مرتبط بخمسة شروط.

1- وفقًا لما تمت الموافقة علیه أیضًا فی مجلس الشیوخ، یجب على الولایات المتحدة عقد اتفاق أمنی جدید مع المملکة العربیة السعودیة. اتفاق یشبه التزام الولایات المتحدة تجاه أعضاء حلف شمال الأطلسی.

2- یجب على الولایات المتحدة إنشاء بنیة تحتیة للسلام النووی فی المملکة العربیة السعودیة وتوفیر إمکانیة تخصیب الیورانیوم للعلماء النوویین السعودیین تحت إشراف الوکالة الدولیة للطاقة الذریة.

3- یجب على الولایات المتحدة أن تکون أکثر تعاونًا مع المملکة العربیة السعودیة فی تنفیذ سیاستها فی غرب آسیا من أی وقت مضى.

4- یجب على الولایات المتحدة أن تعترف بحکومة فلسطینیة مستقلة بجانب إسرائیل.

5- یجب على إسرائیل وقف الهجمات على غزة ورفح.

سید محمد حسینی، خبیر رفیع المستوى فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است