إن مجال السیاسة هو مجال التغییر والتحول، وفی نفس الوقت هو مجال المحافظة والتغییرات التدریجیة. الأمر نفسه ینطبق على السیاسة فی المجال الخارجی. یمکن إحداث تغییر وتحول جذری فی السیاسة الخارجیة، ویمکن أیضًا منع التغییر والتحول فی السیاسة الخارجیة بشکل متحفظ. وبالطبع، یمکن تطویر السیاسة الخارجیة من خلال عملیة تدریجیة وتقدمیة.

أدوات التغییر والتحول فی السیاسة الداخلیة واسعة النطاق بالنسبة للسیاسیین، ولکن فی السیاسة الخارجیة تکون إمکانیة التغییر والتحول أکثر محدودیة. لماذا؟

أولاً، یتم تقیید "حریة عمل" الدول فی السیاسة الخارجیة من خلال الهیاکل على المستویات الإقلیمیة والمناطقیة والدولیة، والتی یُشار إلیها فی نظریات العلاقات الدولیة باسم "التعیینات الهیکلیة".

ثانیًا، تنبع جزء من السیاسة الخارجیة للدول من جغرافیتها السیاسیة، والتی بطبیعتها لا تتغیر أو یصعب تغییرها.

ثالثًا، تعود جذور السیاسة الخارجیة للدول بشکل أساسی إلى الهویة، والتغییر والتحول فیها یتطلب تغییرات فی الهویة تتطور ببطء.

رابعًا، تقاوم الاتجاهات "التنظیمیة" و "البیروقراطیة" و "مراکز القوى غیر الرسمیة" فی بعض الدول التغییر والتحول فی السیاسة الخارجیة، ولا تتمتع الحکومات بإمکانیة إشراک الاتجاهات التنظیمیة والبیروقراطیة معها فی فترة زمنیة محدودة تبلغ أربع أو ثمانی سنوات.

خامسًا، التغییر والتحول فی السیاسة الخارجیة لیس أمرًا مرغوبًا فیه بالضرورة، لأن تصورات وربما سوء فهم الفاعلین الدولیین یمکن أن یحول التغییر والتحول بهدف "الارتقاء" بمکانة الدولة إلى "انحدار" مکانة الدولة فی النظام الإقلیمی والدولی.

التغییر والتحول فی السیاسة الخارجیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أصعب بکثیر.

یُظهر بوضوح 45 عامًا من خبرة السیاسة الخارجیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أن الحکومات التی وصلت إلى السلطة بشعار "التغییر" فی السیاسة الخارجیة واجهت، بالإضافة إلى العقبات القانونیة، عقبات بنیویة ومؤسسیة واسعة النطاق، ولم تفعل سوى جعل السیاسة الخارجیة قطبیة مکلفة.

فی المقابل، تمکنت الحکومات التی اتبعت استراتیجیة "التکامل" بدلاً من التغییر والتحول فی السیاسة الخارجیة من الاستفادة من السلطة السیادیة وأدوات الدبلوماسیة لخلق فرص وفیرة للبلاد وتقلیل التهدیدات وتعزیز القوة الوطنیة على الساحة الدولیة.

لو أن الحکومات المنتخبة فی الماضی اتخذت "إجراءات وظیفیة" وقامت کل منها بخطوة تکاملیة واحدة فقط فی مختلف قضایا السیاسة الخارجیة، لکانت العدید من المشکلات الخارجیة قد تم حلها الیوم.

تُخبرنا تراکم الخبرات التاریخیة والعلمیة أن حکومة الجمهوریة الإسلامیة یجب أن تکون "الرائدة" و "الرائدة" فی السیاسة الخارجیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، کما هو محدد فی الوثائق العلیا.

کانت "التنوع الخطابی" فی السیاسة الخارجیة للدول، والاستراتیجیات المتضاربة والمعارضة وحتى غیر المُتَوَسِّعة، قصة حزینة لاستراتیجیات السیاسة الخارجیة لحکومات الجمهوریة الإسلامیة خلال الـ 45 عامًا الماضیة.

لذلک، یجب أن تکون استراتیجیة السیاسة الخارجیة للحکومة الرابعة عشرة تکاملیة ومبنیة على "الإجراءات الوظیفیة". یجب أن تکون أجهزة الدبلوماسیة للحکومة الرابعة عشرة مُهیِّئة للطریق وداعمة للمؤسسات الحکومیة وغیر الحکومیة التی تسعى إلى اتخاذ خطوة واحدة فقط إلى الأمام فی مجالات الأمن والاقتصاد والثقافة والبیئة. لا یُفترض أن یحدث تحول عمیق. ستؤدی هذه الخطوات الصغیرة على مدار 20 عامًا إلى التغییر والتحول.

الإجراءات الوظیفیة للحکومة الرابعة عشرة تعنی أن الحکومة، بـ "واقعیة مثالیة ولیست طموحة"؛ تحدد نقاط القوة ونقاط الضعف، وکذلک الفرص والتهدیدات فی المجال الخارجی. والأهم من ذلک، أنها تجلس عند تقاطع نقاط القوة والفرص، ونقاط القوة والتهدیدات، ونقاط الضعف والفرص، ونقاط الضعف والتهدیدات، وتقدم استراتیجیة خطوة بخطوة وعملیة لتضع السیاسة الخارجیة الإیرانیة على طریقها التطوری، وتتخذ الخطوة التالیة للتطور فی سباقات التتابع التعاونیة، وتوکلها إلى الحکومة القادمة.

سید محمد حسینی، خبیر رفیع المستوى فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"