على مقربةٍ من الاستحقاق الإنتخابی الرئاسی فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.. مقابلةٌ خاصة لإذاعة النور

غداة شهادة رئیس الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة السید إبراهیم رئیسی ورفاقه، وقبیل الاستحقاق الانتخابی الرئاسی القادم فی الثامن والعشرین من حزیران / یونیو ۲۰۲۴
23 ذو الحجة 1445
رویت 316

غداة شهادة رئیس الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة السید إبراهیم رئیسی ورفاقه، وقبیل الاستحقاق الانتخابی الرئاسی القادم فی الثامن والعشرین من حزیران / یونیو 2024

 

على مقربةٍ من الاستحقاق الإنتخابی الرئاسی فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.. مقابلةٌ خاصة لإذاعة النور مع المستشار السیاسی فی السفارة الإیرانیة فی لبنان السیّد بهنام خسروی

 أجرت إذاعة النور مقابلةً خاصة مع  المستشار السیاسی فی السفارة الإیرانیة فی لبنان السید بهنام خسروی حول التماسک الداخلی فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة القائم على رکیزةٍ أساسیة فیها، هی حاکمیة الدستور الإسلامی الناظم لکلّ الحرکة السیاسیة والتفاعلات الشعبیة فی کلّ محطةٍ مفصلیة تشهدها البلاد منذ  انتصار الثورة الإسلامیة.

فی ما یلی نصّ المقابلة:

س- السید بهنام خسروی، من المعروف أن بدایة صیاغة دستور الثورة کانت فی فرنسا عندما کلّف الامام الخمینی (قده) الدکتور حسن حبیبی بکتابة مسودة وعاونه على ذلک آیة الله السید محمد باقر سلطانی طبطبائی، وکان الإمام یقرأ کلّ قسم بعد إنهائه. کیف یمکن تلخیص ما أرساه الدستور قبل الدخول فی بعض التفاصیل؟

ج- ولدت فکرة صیاغة دستور جدید (دستور الجمهوریة الإسلامیة الإیرنیة) قبل انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران فی 22 بهمن 1357هـ. وخلال تواجد الإمام الخمینی (قده) فی باریس، بل ساهم فی إعداد مسودة منه عدد من الثوار الحقوقیین. وبعد عودة الإمام إلى إیران شَکَّلت فکرة إقرار الدستور الجدید والتمدید له محل اهتمام جدّی لقادة الثورة، حیث وَعَد الإمام الخمینی (قده) الشعب فی الساعات الأولى من وصوله إلى إیران وفی خطابه الشهیر فی بهشت زهراء(ع) بتشکیل "مجلس تأسیس"، وکانت إحدى تعلیماته للمرحوم بازرکان وحکومته المؤقتة بتشکیل هذا المجلس على أن یکون منتخباً من الأمة لإقرار الدستور الجدید للبلاد.

ومن هنا تقرر، بموافقة أغلبیة الحاضرین فی الإجتماع المشترک لأعضاء الحکومة المؤقتة ومجلس الثورة وبموافقة الإمام، أن یقوم مجلس خبراء دراسة الدستور الجدید، والذی یُنتخب من قِبَل الشعب، بدراسة الدستور المطروح لیُعرض فی النهایة للإستفتاء. وبناءً على ذلک، تم انتخاب مجلس خبراء الدستور من قبل الشعب فی انتخابات 29  تیر 1358 (19 تموز / یولیو 1979) وبدأ عمله بعد ذلک الوقت بشهر.

وفی هذه المرحلة، قدّم الإمام (قده) من خلال توجیهاته البارعة وانطلاقاً من دوره ومکانته الفریدة فی المجتمع الثوری الإیرانی، التوصیات والتعلیمات اللازمة لمجلس خبراء القیادة من أجل الإهتمام والإلتفات للمبادئ والأحکام الإسلامیة وتجنب المیل إلى المدارس الغربیة والشرقیة (اللیبرالیة والشیوعیة). وأخیراً وبعد مناقشات طویلة، تمت الموافقة النهائیة على الدستور الحاصل على تأیید مجلس خبراء الدستور من قبل الشعب فی استفتاء 11 و 12 آذر 1358 (2-3 کانون الاول – دیسمبر 1979).

س- کیف کرّس الدستور الإیرانی مبدأ الدیمقراطیة فی مؤسسات نظام الجمهوریة الإسلامیة؟ وکیف أضحى الشعب مصدرًا للسلطات؟

ج- کما نعلم، إن مسألة شرعیة الأنظمة السیاسیة والحکومات قد أُثیرت منذ زمن طویل، وربما منذ بدایة المجتمعات البشریة، وکانت دائماً مورد نقاش وبحث على مستویات مختلفة من النخب، بما فی ذلک الفلاسفة ، السیاسیون وغیرهم... حیث أن "الحاکمیة" أو " السیادة " هی بمثابة القدرة العلیا أو الصلاحیات الإنحصاریة داخل کل دولة أو بلد.. هی حق أیّ فرد.

وفی هذا الخصوص، یمکن التمییز بین ثلاث نظریات بشکل کلّی: "الحاکمیة الإلهیة"،  "الحاکمیة الفردیة"،  و"حاکمیة الأمة أو حاکمیة الشعب" (الدیمقراطیة(.

لقد حاول دستور الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، فی الفصل الخامس تحت عنوان "حق حاکمیة (سیادة) الأمة والقوانین الناشئة عنها"،  تبیین أسس حاکمیة نظام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وشرح کل مؤسسة أو قوة فیها.

وبحسب المادة 56 التی تنصّ على أن "سیادة الحاکمیة المطلقة على العالم والإنسان لله، وقد جعل الإنسان حاکماً لمصیره الإجتماعی..."، وقد رأى الشرع وجود أساسَیْن لأصل السیادة الإلهیة والشعبیة. أساس السیادة الحاکمیة الإلهیة من خلال الأفضلیة أو التأثیر المطلق للمعاییر والأحکام الإسلامیة على أی تشریع أو سیاسة. وأیضاً الرکن الأساسی لنظام الجمهوریة الإسلامیة یعنی ولایة الفقیه المطلقة والقیادة الإسلامیة. بالإضافة إلى ذلک، صرّح الدستور فی المادة 2: "الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة نظام یقوم على الإیمان بـ: 1- الإله الواحد (لا إله إلا الله) وله السیادة والحاکمیة والتشریع ووجوب الإنقیاد لأمره".

وقد برز أساس السیادة الشعبیة فی نظام الجمهوریة الإسلامیة فی مواد متعددة من الدستور. وفی هذا الصدد، بالإضافة إلى أحکام المادة 56 التی تنص: ".... وجعل الإنسان حاکماً لمصیره الإجتماعی ولا یستطیع أحد أن ینتزع هذا الحق الإلهی من إنسان أو یصنفه فی خدمة مصالح فرد أو جماعة معینة، وتمارس الأمة هذا الحق الذی وهبها الله لها بالطرق المبینة فی المواد التالیة".

نصّت المادة 6: "فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، یجب إدارة شؤون البلاد بالإعتماد على أصوات الشعب عبر الإنتخابات" وکذلک التأکید على الحقوق والحریات لجمیع أفراد الأمة وحرمة المساس بها (فی المواد 19-20-9-24-26-27...) وحق الشعب فی مراقبة تصرفات الحکومة من خلال "الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر"،  وهناک موارد أخرى تعبّر عن الأساس الشعبی لنظام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وتجعل هذا النظام السیاسی یتمتع بخصائص وأرکان النظام الجمهوری أو الشعبی ویلتزم بمبادئ الدیمقراطیة.

بناءً على ذلک، یمکن تحدید  وصفیْ "جمهوریة" و "إسلامیة" اللتین تعبرّان عن الأساسَیْن الشعبی والإلهی للسیادة فی نظام الجمهوریة الإسلامیة، وربما یکون بینهما تناقض ظاهری، من خلال أنّ غالبیة الشعب المسلم الإیرانی انتخب المحتوى الإسلامی فی إطار الجمهوریة من خلال تأیید الدستور، حیث یمکن القول إن نظام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بدون أن یکون مجرد تقلید ونموذج للأنظمة اللیبرالیة والدیمقراطیة الغربیة هو بمبادرة مؤسسیه الأوائل، وعلى رأسهم الإمام (رض)، نظام دیمقراطی له مبادئ وأسس الدیمقراطیة التی تتوافق مع معاییر وقواعد الدین الإسلامی.

س- لو توضح لنا آلیات العمل الدستوریة لمؤسسات النظام وکیفیة التعاون والفصل بینها؟

ج- من المظاهر الدیمقراطیة الأخرى لنظام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة هو الإلتزام بمبدأ الفصل بین السلطات وتنفیذه باعتباره أحد المبادئ الأساسیة والمرکزیة للدیمقراطیة. فی المادة 57 من الدستور (التی تم تنقیحها وتعدیلها عام  1979 -1358) إشعار یتعلق بتوزیع السلطات والفصل بینها: سلطات الحکم فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة هی: السلطة التشریعیة، والسلطة التنفیذیة، والسلطة القضائیة، وتمارس أعمالها تحت إشراف ولایة الأمر المطلقة وإمامة الأمة. وهذه القوة مستقلة عن بعضها البعض، ومن خلال مراقبة هذا المبدأ والمؤسسات الناشئة عنه وکذلک فحص أدائها على مدى 45 عاماً، یمکن أن نعتقد بأنه على الرغم من أن طریقة توزیع السلطة والفصل بینها فی نظام الجمهوریة الإسلامیة یختلف قلیلاً عن النموذج الکلاسیکی والحالی من الأنظمة التی تدّعی الدیمقراطیة، ومن الواضح أن المؤسسة القیادیة التی توضع بالتوازی أو فی موقع أعلى مقارنة بالقوى الثلاث فی بنیة هذا النظام، تثیر شبهة ترکز السلطة وإساءة استعمالها، لکن بالنظر إلى المبادئ المقیدة لهذه المؤسسة، بما فی ذلک الشروط الأخلاقیة اللازمة لتولّی المنصب القیادی، إشراف البرلمان وجزاء القیادة، ومساواة القائد مع الشعب أمام القانون، یمکن القول إنّ الهدف الأساسی من إرساء مبدأ الفصل بین السلطات، أی منع ترکزّ السلطات وانتهاک حقوق الناس، قد تحّقق، وهو ادعاء یمکن إثباته بوضوح من خلال فحص أداء القوى الثلاث، وخاصة المؤسسة القیادیة، خلال فترة حیاة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

ولذلک، فإن وضع القیادة کمؤسسة أو قوى علیا تعمل على مواءمة الطبیعة الإسلامیة للنظام، أو بشکل أکثر دقة تعمل على ترجمة الطبیعة الإسلامیة للنظام، لم یتسبب فی ترکیز السلطة ومنع إساءة استخدامها فحسب، بل أدى فی کثیر من الحالات إلى خروج المجتمع والنظام فی إیران من الأزمات والطرق المسدودة الصعبة. ومن جملة هذه الحالات: إنشاء مجمع تشخیص مصلحة النظام من قِبَل الإمام (ره) وکسر الجمود القانونی الناجم عن الخلاف بین البرلمان ومجلس صیانة الدستور فی العملیة التشریعیة وحل بعض القضایا الأخرى المعقدة والمستعصیة من خلال الطرق العادیة والأسالیب والقنوات المحددة فی القوانین من قبل سلطة المرشد الأعلى.

س- ما هی نقاط الاختلاف فی آلیات عمل مؤسسات الجمهوریة عمّا تنص علیه الدساتیر الغربیة؟

ج- رداً على الأسئلة السابقة، أشیر إلى أن دستور الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، على الرغم من وجود أسس ومبادئ الدیمقراطیة واعتماده الکامل على أصوات وآراء مواطنیها، إلا أن تمیزه بسبب محتواه الدینی. کما أن له خصائص معینة حوّلها النظام السیاسی الذی انبثق عنه إلى نموذج لا یمکن الاستغناء عنه فی العصر الحدیث. ومما یدلّ على هذه السمة المؤسسة القیادیة فی البنیة السیاسیة للنظام ومکانتها العلیا والرقابیة على سلطات البلاد الثلاث (التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة). وهو، بحسب المادة 57 من الدستور، یدل على هذه السمة الفریدة والرائدة فی الوقت نفسه. إن تجربة عمل مختلف مؤسسات هذا النظام السیاسی، على مدى 45 عاماً، ووجود تیارات سیاسیة مختلفة على رأس کل مؤسسة من مؤسساته المنتخبة (السلطتان التنفیذیة والتشریعیة)، تشیر إلى حقیقتین مهمتین:

- استقرار المؤسسات الدیمقراطیة للنظام السیاسی.

- الدور التوجیهی والإشرافی للهیئة القیادیة دون المساس بالأسس الدیمقراطیة لدستور جمهوریة إیران الإسلامیة.

س- هناک مؤسسات فی الدستور الایرانی لا نظیر لها فی الدساتیر الغربیة (مجلس الخبراء - مجمع تشخیص مصلحة النظام) أو موجودة باسم مختلف (مجلس صیانة الدستور). ما جدوى وفعالیة هذه المؤسسات وهل هی ابتکار ایرانی؟

ج- المیزة الفریدة لـلجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، ولأنها مبنیة على التعالیم الإسلامیة والشریعة الإسلامیة، فقد أصبح من المحتَّم إنشاء أو توسیع صلاحیات بعض المؤسسات السیاسیة، بما فی ذلک مجلس خبراء القیادة، ومجلس تشخیص مصلحة النظام، ومجلس صیانة الدستور. ولذلک، فعلى الرغم من أن وجود مؤسسة مثل مجلس صیانة الدستور کقاضٍ أساسی ومشرف على تنفیذ الدستور یشبه الکثیر من الأنظمة السیاسیة فی العالم، إلّا أن سلطة تطبیق القوانین على الشریعة الإسلامیة ترتکز على نفس المضمون الدینی للنظام وتفوق الأحکام الإسلامیة على أی تشریع. ولذلک، یمکن الاعتقاد بأنّ إنشاء أو توسیع اختصاصات هذه المؤسسات هو أحد ابتکارات المشروع فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة عام 1358 وتنقیحها عام 1368.

س- فی ضوء التجربة العملیة على مدى 45 عامًا.. هل یمکن القول إن الدستور الایرانی استحدث نظام حکم متماسک وقوی لا تعتریه أزمات حکم دستوریة؟

ج- استمرار حیاة ودورة أداء مختلف الآلیات والمؤسسات المنتخبة والمعینة المنبثقة عن الدستور، رغم وجود أزمات سیاسیة وأمنیة واقتصادیة عدیدة وجوهریة، کاغتیال واستشهاد مسؤولین سیاسیین کبار (الرئیس، رئیس الوزراء، أعلى سلطة قضائیة، الخ.) یشیر إلى ثلاث حقائق مهمة:

1- التعاطف والوحدة والوحدة الفطریة والتقلیدیة للإیرانیین ضد الأزمات ودائما رغم کل الاختلافات.

2- الکفاءة والتحدیث الهیکلی لدستور الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة والمؤسسات السیاسیة المختلفة الناشئة عنها.

3- الدور والتأثیر الذی لا غنى عنه لقیادة المرشد الأعلى للثورة الإسلامیة فی تعمیق تماسک ووحدة الشعب الإیرانی، وکذلک دینامیات الهیاکل الدیمقراطیة للدستور والمکانة المتفوّقة للمؤسسة الانتخابیة وصندوق الاقتراع.

بهنام خسروی، المستشار السیاسی فی السفارة الإیرانیة فی لبنان السیّد 

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است