المنافع الإقلیمیة والعقلانیة: حاجة حیویة للقوقاز الجنوبی وآسیا الوسطى

دخلت السیاسة العالمیة العام الجدید الشمسی، حیث زاد من سرعة التحولات السیاسیة والأمنیة، مثلما زاد من سرعة نمو التکنولوجیا. وتواجه الساحة الدولیة أزمات متعددة ومتنوعة، بما فی ذلک الإبادة الجماعیة فی غزة والحرب فی أوکرانیا، والتی ترکز بشکل أساسی على محور أوراسیا.
1 ذو القعدة 1445
رویت 866
علی‏ بمان اقبالی زارتش

دخلت السیاسة العالمیة العام الجدید الشمسی، حیث زاد من سرعة التحولات السیاسیة والأمنیة، مثلما زاد من سرعة نمو التکنولوجیا. وتواجه الساحة الدولیة أزمات متعددة ومتنوعة، بما فی ذلک الإبادة الجماعیة فی غزة والحرب فی أوکرانیا، والتی ترکز بشکل أساسی على محور أوراسیا.

فی منطقة القوقاز، بدأت التحولات الجدیدة فی عام 1400 بعملیات عسکریة أذربیجانیة ضد أرمینیا. والهدف النهائی لهذه المنافسة بین المحورین الترکی - الأذری وأرمینیا هو الحصول على حصة أکبر فی السیطرة على منطقة أوراسیا، والتی لها أهمیة جیوسیاسیة وجیو اقتصادیة.

فی خریف عام 1402، سیطرت قوات جمهوریة أذربیجان على منطقة قره باغ، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأرمن إلى أرمینیا. وتجری حالیًا محادثات بین الجانبین لتسلیم 4 قرى إلى أذربیجان فی مراحلها النهائیة.

فی ظل الظروف الجدیدة التی نشهد فیها بوادر حرب باردة وساخنة جدیدة بین روسیا والغرب، تعتبر آسیا الوسطى والقوقاز الجنوبی مرکزًا مهمًا مورد اهتمام الطرفین. تسعى روسیا إلى زیادة دورها وقدراتها فی المنطقة فی مواجهة الولایات المتحدة وترکیا وحتى الصین، ولتراقب بشکل کامل تحرکات الدول المجاورة التی تمیل إلى الناتو. بالطبع، یعلن کل من هذه الدول عن أهدافها لتأمین الأمن ومکافحة الإرهاب والهجرة وما إلى ذلک.

فی الواقع، یمکن القول إن مرحلة جدیدة من الحرب الباردة والناعمة وإعادة ترتیب قطع شطرنج القوة فی أوروبا الشرقیة والقوقاز الجنوبی وآسیا الوسطى قد بدأت. إذا کانت بعض القوى الإقلیمیة تفکر فی تغییر الحدود، فستکون لها عواقب وخیمة خارج المنطقة فی الألفیة الثالثة.

من ناحیة أخرى، یعتقد الروس عمومًا أن المنطقة لا ینبغی أن تصبح مرکزًا أساسیًا وتحرکات الناتو. من ناحیة أخرى، یعتقد الناتو والولایات المتحدة والدول الغربیة أنه إذا لم یدخلوا المنطقة، فإن ترکیا وروسیا، باستخدام نفوذهما الأساسی فی دول المنطقة وقدراتهما وإمکانیاتهما الاقتصادیة والطاقة، ستضغطان بشکل أکبر على هذه الدول وتوسعان نفوذهما فیها.

من ناحیة أخرى، تسعى منطقة القوقاز وآسیا الوسطى، الواقعة على مفترق طرق أوروبا وآسیا والشرق الأوسط، إلى أن تصبح أحد مراکز الهیکل العالمی الحدیث، خاصة فی موضوعین حیویین: نقل الطاقة ومکافحة الإرهاب.

بالتأکید، هذه المنطقة لدیها العدید من الأزمات الکامنة، بما فی ذلک ترانسنیستریا وأوسیتیا الجنوبیة وقره باغ والنزاع الحدودی بین طاجیکستان وقیرغیزستان وغیرها، مما عزز ظاهرة الانفصال فی المنطقة.

إن معالجة هذه الأزمات والتوصل إلى حلول طویلة الأجل تلبی مصالح جمیع الأطراف هی من أولویات جمهوریة إیران الإسلامیة والقوى الإقلیمیة الأخرى، وحتى مسؤول السیاسة الخارجیة للاتحاد الأوروبی.

فی الأزمة الجدیدة، سیکون الضحایا الرئیسیون هم شعوب ودول المنطقة. والحقیقة المهمة هی أنه إذا تحلى قادة أذربیجان وأرمینیا والدول الأخرى فی المنطقة بالحکمة والکفاءة السیاسیة والحکم القوی، فیمکنهم بسهولة منع وقوع کارثة عظیمة ومدمرة.

جذبت تطورات المنطقة انتباه القوى الرئیسیة، بما فی ذلک محور یوراطلانتیک. ویعلم الاتحاد الأوروبی جیدًا أن مصالحه فی العقود القادمة سترتبط بشکل متزاید بالدول الآسیویة والأوروبیة.

فی الوقت نفسه، تجاوزت أوروبا فرصتها لتخفیف حدة التوتر. وفی هذا الصدد، بالإضافة إلى جولات عدیدة من المحادثات الأذربیجانیة الأرمنیة فی بروکسل بوساطة مسؤول السیاسة الخارجیة للاتحاد الأوروبی، جوزیب بوریل، واصل الرئیس الفرنسی إیمانویل ماکرون جهوده الدبلوماسیة لمنع تصاعد التوتر بین باکو ویریفان، وأجرى محادثات مع زعیمی الجانبین.

على أی حال، لدى فرنسا، بصفتها قوة عسکریة ودبلوماسیة کبرى فی الاتحاد الأوروبی، العدید من الدوافع لنشاطها فی منطقة آسیا الوسطى والقوقاز ومناقشة الترتیبات الاستراتیجیة على الحدود الشرقیة للاتحاد الأوروبی. وذلک لأن موقع فرنسا کقوة عالمیة لا یسمح لها بالتجاهل مثل هذه الأزمة، خاصة وأن هذین البلدین یقعان على أبواب أوروبا وجوار روسیا وإیران، وهی منطقة تمثل إحدى أولویات السیاسة الخارجیة والأمن فی باریس.

لا یخفى على أحد أن جنوب القوقاز یتمتع بأهمیة استراتیجیة کبیرة. لذلک یجب ربط هذه المنطقة بالاتحاد الأوروبی من خلال توقیع معاهدة استقرار، لأن أوروبا لا یمکن أن ترى منطقة غیر مستقرة على حدودها لفترة غیر محددة.

جنوب القوقاز هو نقطة تقاطع المصالح الجیو - السیاسیة والطاقة ومنطقة صراع بین الولایات المتحدة وروسیا وترکیا وإیران.

على الجانب الآخر من الأطلسی، سعى الأمریکیون منذ فترة طویلة إلى خلق الأزمات والحروب فی مناطق مختلفة من العالم، وضیقوا المجال حتى على أصدقائهم وشرکائهم، لیدخلوا فجأة فی الساحة کمخلصین هولیودیین، وبالتالی یوسعون نفوذهم.

فی ظل الظروف الجدیدة، ونظراً للتحولات والأزمات بین أذربیجان وأرمینیا، سافر رئیس مجلس النواب الأمریکی إلى یریفان وأعرب عن دعمه لمواقف هذا البلد، وکرر سیناریو السفر الاصطناعی إلى تایوان فی هذه المنطقة من خلال توجیه رسائل تحذیریة إلى أنقرة وموسکو.

فی هذه الظروف الحساسة، یجب الاعتراف بأن دول منطقة القوقاز وآسیا الوسطى تمر بفترة حساسة، سواء أرادت ذلک أم لا، حیث أصبحت مصالح هذه الدول هی نقطة التقاء المصالح للقوى الخارجیة، وبشکل خاص ترکیا وفرنسا والولایات المتحدة وروسیا والنظام الصهیونی والغرب. بالتأکید لن یکون التطورات الأخیرة إنجازًا ملحوظًا لشعوب المنطقة، أو على الأقل لن یکون هناک بلد فائز فی الأحداث الأخیرة. فی الوقت نفسه، یجب على قادة الدول الصغیرة فی المنطقة أن یدرکوا أنه بناءً على التجربة التاریخیة فی القرنین العشرین والحادی والعشرین، فإن القوى الکبرى تجد طریقًا للتوصل إلى اتفاق فی الظروف الصعبة، وعادة ما تضحی بمصالح الدول الصغیرة من أجل أهدافها ومصالحها.

على الرغم من أن الظروف فی الوقت الحالی صعبة للغایة لمثل هذا التنازل، إلا أن التجربة التاریخیة تقول إن القادة الأذکیاء فی الدول المجاورة یجب أن یتصرفوا بطریقة لا تجعلهم نقطة التقاء مصالح القوى الکبرى. فی عهد الحکومة الثالثة عشرة، اتخذت جمهوریة إیران الإسلامیة خطوات سیاسیة واقتصادیة هامة فی المنطقة، حیث عززت حجم التبادلات الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعات على مستوى القادة، وأکدت استمرار مواقفها المتوازنة الحیادیة النشطة بهدف التواصل الفعال مع قادة المنطقة وتعزیز التعاون الشامل.

باختصار، حل مشاکل دول المنطقة یتطلب حکما عقلانیا وسلیما، مع مراقبة دقیقة للتطورات واتخاذ مواقف مناسبة وفی الوقت المناسب. یجب أن یکون النهج المهم هو تشجیع الطرفین على حل النزاعات الحدودیة والأرضیة من خلال الحوار وجعلها أساسًا للاتفاقیات والقواعد الدولیة. وذلک لأن التقدم الشامل للمنطقة یعتمد على إحلال السلام المستدام والثقة المتبادلة من خلال المشارکة الجماعیة. وأخیرًا، تشیر هذه الکلمات إلى إرشادات القائد الأعلى للثورة الإسلامیة حول عدم قبول أی تغییر فی الجغرافیا السیاسیة للمنطقة وتغییر الحدود والطرق التجاریة التی تعود إلى آلاف السنین.

علی بمان إقبالی زارش، رئیس مجموعة دراسات أوراسیا

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است