النظام العالمی من منظور الغرب والإسلام (الجزء الأول)

مراجعة لکتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر
9 شعبان 1445
رویت 127
نبی سنبلی

 مراجعة لکتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر

 یمکن اعتبار هنری کیسنجر الشخص الأکثر تأثیرًا فی السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة وحلفائها فی العقود القلیلة الماضیة.  إن معرفة طریقة تفکیره فی النظام العالمی والإسلام والنظام الإسلامی یمکن أن یساعدا فی فهم أفضل لسبب اختلاف السیاسة الخارجیة لأمریکا وأوروبا عن الدول والمناطق الأخرى، وخاصة الشرق الأوسط وإیران.  وحتى جذور الدعم الأوروبی والأمیرکی لإسرائیل فی الحرب الحالیة فی غزة یمکن العثور علیها فی هذا الکتاب.

هذه المقالة هی فی الواقع مراجعة ونقد لأجزاء من کتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر، والذی کتبه فی عام 2014.  یعرض هذا المقال، فی ثلاثة أقسام، وجهات نظر المؤلف فی المقدمة والخاتمة والفصول المتعلقة بالنظام الإسلامی والشرق الأوسط وإیران کتعلیقات ثم تحلیلها ونقدها.

  تحدیات النظام العالمی: الرأی

یقول کیسنجر فی مقدمة الکتاب: "لم یکن هناک قط نظام عالمی حقیقی".  النظام الحالی هو نتیجة لسلام وستفالیا، الذی تم تشکیله قبل أربعة قرون.  فی صلح ویستفالیا، لم تکن العدید من الحضارات والدول موجودة أو لم تکن تعلم بوجودها على الإطلاق.  وکان لهذا النظام أساسان أساسیان: عدم التدخل وتوازن القوى.

فی زمن صلح وستفالیا، کانت الصین مرکز النظام العالمی فی منطقتها وکانت تعتبر الباقی برابرة.  وبین أوروبا والصین، کانت هناک رؤیة إسلامیة للنظام العالمی، والتی بموجبها تنتصر حکومة عالمیة بقوانین إلهیة على الحرب وتوحد الجمیع وفی أمریکا، ساد تدریجیا وجهة النظر القائلة بأنه "إذا اتبع الجمیع المبادئ التی تتبعها أمریکا فی إدارة مجتمعها، فمن الطبیعی أن یتحقق النظام العالمی والسلام..." وبالتالی فإن مهمة السیاسة الخارجیة هی "نشر المبادئ المشترکة". "  ووفقا له، فإن ضعف النظام الویستفالی کان أنه لم یکن لدیه إجابة على سؤال کیفیة إنتاج الشرعیة.  وعندما تولت أمیرکا قیادة العالم، أضافت الحریة والدیمقراطیة إلى العناصر الضروریة لإرساء السلام والنظام وحاولت تطویر النظام الویستفالی.

ووفقا له، من بین جمیع مفاهیم النظام، فقط بعض مبادئ النظام الویستفالی، بما فی ذلک السیادة وعدم التدخل وتوازن القوى، أصبحت عالمیة و"شبکة من الهیاکل القانونیة والمنظمات الدولیة تحاول منع الفوضى العالمیة". "الحفاظ على التجارة الحرة والحفاظ على استقرار النظام المالی الدولی والحد من اللجوء إلى الحرب.  ویتابع أن "کل نظام دولی سیواجه تحدیاً من تیارین: التیار الذی یرید إعادة تعریف شرعیته، والتیار الذی یسعى إلى تغییر ملموس فی میزان القوى".  والآن هناک تیاران: الصین والجهادیون.

ویعتبر کیسنجر أن إعادة بناء النظام الدولی هو التحدی الرئیسی للحکم فی الوقت الراهن.  وفی رأیه أن "النظام العالمی لا یمکن تحقیقه بواسطة أی دولة بمفردها".  و"إن النظام الویستفالی یحتاج إلى التحدیث استناداً إلى الحقائق القائمة... إن جوهر الحکومة یتلخص فی إیجاد التوازن بین الشرعیة والنظام".

 تحدیات النظام العالمی: انتقاد

أولاً، وجهة نظر کیسنجر هی وجهة نظر أوروبا والغرب، ویعتبر أوروبا نقطة البدایة للنظام.  کان هناک عدم تدخل وتوازن للقوى فی مرحلة ما قبل وستفالیا.  تقریبًا فی نفس الوقت الذی کانت فیه الحروب الدینیة فی أوروبا من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر المیلادی، کانت الحروب الدینیة/الجیوسیاسیة بین إیران والعثمانیین مستمرة فی غرب آسیا من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر (من الصفویة إلى القاجاریة) وحتى النهایة. هذه الحروب، وتم توقیع العقود.  لجأ الصفویون إلى أوروبا لإقامة توازن القوى ضد العثمانیین.

ثانیاً، لم یکن من الضروری أن تکون الحضارات والدول الأخرى حاضرة فی مؤتمر ویستفالیا لأن المؤتمر عقد لإحلال السلام فی أوروبا وإنهاء الحرب بینها.  إن الجدید فی ویستفالیا لم یکن السیادة وعدم التدخل، بل مفهوم الحدود.  وفی عهد الإمبراطوریة التی استمرت فی مناطق أخرى، کانت هناک حدود ولیست حدود.  کما حدثت الحروب بشکل رئیسی على الحدود وهذه العملیة مستمرة (فیتنام وأوکرانیا).

ثالثاً، یقدم کیسنجر النظام الأمیرکی باعتباره نظاماً دیمقراطیاً ظهر کمدینة ملهمة على التل.  أمریکا لم تتشکل بناء على نظام دیمقراطی، بل بقتل ملایین الهنود على مدى ثلاثمائة عام وانتهاک کل الاتفاقیات مع القبائل الهندیة.  وبهذا النظام، حتى الدیمقراطیة کانت مقتصرة على جزء من البیض ولیس کلهم.  وبعد قبولها قیادة العالم الغربی، دعمت أمریکا العدید من الحکومات الدیکتاتوریة وتدخلت فی العدید من الدیمقراطیات.  إن هجوم الولایات المتحدة وحلفائها على العراق وأفغانستان ولیبیا والانسحاب من العدید من الاتفاقیات الدولیة التی تم التوصل إلیها فی عهد بوش وترامب لم یکن سوى دوس أوروبا والولایات المتحدة على القیم الویستفالیة.

رابعا، من بین الأسباب التی یستشهد بها کیسنجر لانهیار النظام الدولی هو أن القوة الناشئة قد لا تقبل الدور الذی یمنحه لها النظام القائم.  إن دراسة مواقف الحکومات وسلوکها التصویتی فی المنظمات الدولیة تظهر عکس هذا الرأی.  فی حین یتم التأکید دائمًا على السیادة وعدم التدخل من قبل الصین وروسیا وإیران والهند ودول أخرى فی الجنوب العالمی، فإن التدخل الانتقائی فی البلدان الأخرى وإضعاف السیادة تحت ذرائع مختلفة یظهر بشکل واضح فی سلوک التصویت فی أمریکا. وأوروبا  ینصب ترکیز کیسنجر الرئیسی على تهدید الإسلامویة والصین للنظام الدولی، لکنه کان لا یزال على قید الحیاة عندما تعرض النظام الویستفالی فی أوروبا للتحدی بسبب الغزو الروسی لأوکرانیا.

خامساً، یؤکد کیسنجر على أنه لا توجد دولة قادرة بمفردها على خلق نظام دولی، لکنه لا یطور نظریة النظام الشامل أیضاً.  ویبدو أن أمریکا وأوروبا لیستا مستعدتین وراغبتین فی جعل الجهات الفاعلة المختلفة تشارک فی النظام الجدید وفقا للمنطق الویستفالی.  إن التعبئة العالمیة ضد روسیا فی أوکرانیا، والدعم الشامل للإبادة الجماعیة للفلسطینیین فی غزة، وتشکیل الرباعیة، وتحالف أکوس والممر الهندی الأوروبی وغیرها من التحالفات ضد الصین، تتوافق مع منطق میزان القوى، ولکن لا یتوافق مع النظام العالمی الشامل.

أما الطرف الآخر، أی روسیا والصین وإیران، فهو أیضاً یتبع نفس المنطق فی خلق توازن القوى.  إن إنشاء شنغهای، وتأسیس مجموعة البریکس، ومشروع الحزام والطریق الصینی، وتأسیس الاتحاد الاقتصادی الأوراسی من قبل روسیا، وما إلى ذلک، لیست سوى جهود لخلق توازن القوى ضد أمریکا وأوروبا.  ولذلک، إذا قسنا سلوک الدول بمؤشرات التأکید على السیادة وعدم التدخل وتوازن القوى، والتی یعتبرها کیسنجر المبادئ الأساسیة للنظام الویستفالی، فإن سلوک إیران والصین أکثر انسجاما مع هذه المؤشرات. مبادئ أکثر من سلوک أمریکا وأوروبا وحتى روسیا.  من الناحیة النظریة، تؤکد روسیا على مبادئ النظام الویستفالی، ولکن من الناحیة العملیة فإن سلوک روسیا تجاه جورجیا وأوکرانیا لا یتوافق مع هذه المبادئ.

 نبی سنبلی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است