النظام العالمی من منظور الغرب والإسلام (الجزء الثالث)

مراجعة لکتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر
1 رمضان 1445
رویت 124
نبی سنبلی

مراجعة لکتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر

 نظام الشرق الأوسط: تعلیق

 وقال کیسنجر فی حواره حول الشرق الأوسط والربیع العربی: "إن تجاهل المستقبل الدیمقراطی یشکل خطراً طویل الأمد".  لکن "تجاهل المخاطر الأمنیة الحالیة سیؤدی إلى کارثة فوریة".  ولذلک فهو ینتقد دعم أمریکا الضمنی أو عدم وجود معارضة جدیة للربیع العربی ویطرح هذه الأسئلة: "هل ینبغی على أمریکا أن تدعم أی احتجاج علنی ضد الحکومات غیر الدیمقراطیة التی کانت مهمة للحفاظ على النظام الدولی؟" وقال: "رجل دولة" فهو یختلف عن الناشط السیاسی، وعلیه أن یوازن بین الواقعیة والمثالیة".

إن الاهتمام الرئیسی لکیسنجر فی الشرق الأوسط هو أمن إسرائیل.  وفی رأیه أن "إسرائیل دولة وستفالیة تأسست عام 1947، وأمیرکا هی حلیفتها وحامیة النظام الویستفالی".  یرى کیسنجر أن إسرائیل هی محور السیاسة الأمریکیة فی الشرق الأوسط ویعتقد أن واشنطن "یجب أن تطور تفاهمًا مشترکًا مع دولة تکون هدفًا للنسختین الجهادیتین الشیعیة والسنیة وتلعب دورًا أساسیًا فی تعزیز التطور البناء فی المنطقة.

وفیما یتعلق بالسعودیة، یعتبرها کیسنجر "ساحة عربیة إسلامیة" "تدور حول الصداقة مع أمریکا، والولاء العربی، والتفسیر المتشدد للإسلام، والوعی بالمخاطر الداخلیة والخارجیة"، وقد ثبت الغموض الأساسی. ومن وجهة نظر کیسنجر، فإن الخطأ الذی ارتکبته المملکة العربیة السعودیة فی الفترة من الستینیات إلى عام 2003 هو أنها اعتقدت أنها تستطیع دعم الإسلام المتطرف فی الخارج دون تهدید موقفها فی الداخل.  ولذلک، تبنى نوعاً من السیاسة المزدوجة المتمثلة فی مرافقة أمریکا والاصطفاف مع معارضی الحداثة والنظام العالمی.  ویرى کیسنجر أنه "اعتمادا على نتیجة المفاوضات النوویة، فإن السعودیة ستسعى لامتلاک أسلحة نوویة".

 ووفقاً لکیسنجر، فإن الصراع مع إیران هو صراع وجودی بالنسبة للسعودیة، والذی یتضمن بقاء المملکة، وشرعیة الحکومة، ومستقبل الإسلام.  ووفقا له، فإن موقف أمریکا تجاه إیران والمملکة العربیة السعودیة لا یمکن أن یرتکز فقط على توازن القوى أو توسیع الدیمقراطیة، بل یجب أن یتشکل فی سیاق الصراع الدینی المستمر منذ ألف عام بین فصیلی الإسلام.  ویجب على الولایات المتحدة وحلفائها أن یراقبوا بعنایة سلوکهم فی کیفیة تفاعلهم مع هذین الاثنین.

واستناداً إلى منطق النظام الویستفالی وتأکیده على عدم التدخل والسیادة الوطنیة، کان کیسنجر ضد سیاسة تغییر النظام.  ویرى أن الدبلوماسیة التی أنتجها الربیع العربی تستبدل مبدأ التدخل الإنسانی بمبادئ توازن القوى الویستفالیة وتبرر التدخل بمبادئ الحکم العالمیة.  وإذا ما تم قبول هذا المبدأ کمبدأ من مبادئ السیاسة الخارجیة، فإنه یثیر أسئلة أخرى: على سبیل المثال، هل تعتبر الولایات المتحدة نفسها ملزمة بدعم أی انتفاضة شعبیة ضد الحکومات غیر الدیمقراطیة، بما فی ذلک تلک التی کانت حلیفة للولایات المتحدة للحفاظ على النظام الدولی، مثل المملکة العربیة السعودیة؟

 فی ذروة الحرب الأهلیة السوریة، عندما زاد الطلب على التدخل فی سوریا، یکتب، فی سوریا، تم الجمع بین الطلب على التدخل الإنسانی والاستراتیجی.  وسوریا، فی قلب العالم الإسلامی، ساعدت استراتیجیة إیران فی المشرق والبحر الأبیض المتوسط، ودعمت حزب الله وحماس. لذلک، لدى أمریکا أسباب استراتیجیة وإنسانیة لدعم سقوط الأسد. ولکن قبل النظر فی القوة العسکریة، ینبغی النظر فی بعض القضایا الأساسیة.  وبینما تسحب الولایات المتحدة قواتها من العراق وأفغانستان، فکیف یمکن تبریر التزام عسکری جدید فی نفس المنطقة، وخاصة عندما یکون من المرجح أن تواجه تحدیات مماثلة؟  ... من سیحل محل القیادة الحالیة وماذا نعرف عنها؟  هل لن تتکرر تجربة طالبان؟

النظام فی الشرق الأوسط: نقد

 أولاً، یحاول کیسنجر تقدیم إسرائیل کدولة قومیة تحافظ على الوضع الراهن وتقوم على نظام وستفالیا.  إن تصریح کیسنجر هذا یتعارض مع سلوک إسرائیل التوسعی وبناء المستوطنات.  بالإضافة إلى ذلک، کانت إسرائیل نفسها العقبة الرئیسیة أمام تشکیل الدولة الفلسطینیة کدولة وستفالیا إلى جانبها، وهو ما کان یمکن أن یمنع الحرب الحالیة.

ثانیاً، یشیر کیسنجر إلى الدور البناء الذی تلعبه إسرائیل فی الحفاظ على النظام الویستفالی فی الشرق الأوسط.  منذ قیام إسرائیل وحتى الآن، أی منذ 70 عامًا، استمرت الحرب فی الشرق الأوسط بشکل أو بآخر.  إن سلوک إسرائیل الحالی فی غزة وهجماتها على دول أخرى فی المنطقة لا علاقة لها بالنظام الوستفالی والقیم والأعراف التی یدعمها الغرب.  إن خطاب نتنیاهو فی الکونجرس الأمریکی الداعم للهجوم على العراق ودور إسرائیل فی انهیار النظام فی الشرق الأوسط واضح تماما.

ثالثا، تم تدمیر النظام الوستفالی والقیم الدیمقراطیة فی المقام الأول من قبل أمریکا وحلفائها، ولیس الجماعات الإسلامیة.  نمت الجماعات الإسلامیة على وجه التحدید استجابة للتدخلات ونتیجة لتقویض المفاهیم الأساسیة للنظام الویستفالی.  ولم یکن لحزب الله وجود أجنبی قبل الهجوم الإسرائیلی على جنوب لبنان.  حماس هی نتیجة احتلال الأراضی الفلسطینیة، وقد فازت بانتخابات حرة ودیمقراطیة، لکن أوروبا وأمریکا تخلتا عنها قبل أن یتم اتخاذ أی إجراء.  لقد نشأ تنظیم داعش بعد احتلال العراق.  لقد کان أنصار الله نتیجة لدکتاتوریة غیر فعالة، وعدم الاستقرار، والفوضى، والتدخل الأجنبی.  لقد ولدت حرکة طالبان نتیجة لعدم الاستقرار وتدخل الاتحاد السوفییتی والولایات المتحدة فی أفغانستان.  نمت الجماعات الشیعیة فی العراق ردا على انتشار الإرهاب وعدم الاستقرار والاحتلال.  لذلک، وعلى عکس ما یقول کیسنجر، فإن تدمیر النظام من قبل أمریکا وحلفائها وفّر الأرضیة لنمو الجماعات الإسلامیة.

رابعا: فی مواجهة الغرب والحداثة والنظام الویستفالی، ظهرت فی الدول الإسلامیة أربعة تیارات رئیسیة، ولیس تیارین.  أما التیار الأول فکان یؤمن بالتقارب مع الغرب ولا یزال کذلک؛  هذا التدفق لیس لدیه مشکلة مع النظام الویستفالی.  أما التیار الثانی فیؤمن بالتعامل الانتقائی مع الغرب، ویعتقد أنه یجب قبول ما یتوافق مع الإسلام والتقالید الإسلامیة ورفض ما لا یتوافق معه.  وهذا التیار له توجه إصلاحی للحداثة الغربیة، ولیس لدیه مشکلة مع النظام الویستفالی، لأنه یضمن ذلک.  أما الحرکة الثالثة فهی أنصار الإمارة، وهی أیضًا ضد الحداثة ولکن لیس لدیها مشکلة مع النظام الویستفالی.  وربما یمکن ضم حرکة طالبان الحالیة والسلفیین المتدینین إلى هذه المجموعة.  أما التیار الرابع فهو الجهادیون الذین هم فی الأساس ضد الغرب.  اعتبر کیسنجر أن الجماعات الإسلامیة الأربع جمیعها هی نفسها واختزلها إلى الحرکة الأخیرة.

خامساً: یقول کیسنجر "إن أی نظام عالمی یظل مستقراً یجب قبوله کنظام عادل، لیس فقط من قبل القادة، بل من قبل المواطنین أیضاً".  والسؤال هو: هل تم قبول النظام القائم على المستوى الدولی، وخاصة فی الشرق الأوسط، کنظام عادل من قبل الشعوب والقادة؟  إن مشکلة الجمهوریة الإسلامیة مع النظام الدولی والإقلیمی هی مشکلة مضمونیة ولیست أساسیة وأصلیة.  الجمهوریة الإسلامیة لا تقبل بالنظام الإقلیمی والدولی القائم لأنه غیر عادل ولیس لأنه لیس دینیاً أو غیر شیعی.  إن انتقاد عدم عدالة النظام الدولی هو أمر یثیره العدید من غیر المسلمین أیضًا.

 نبی سنبلی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است