النظام العالمی من منظور الغرب والإسلام (الجزء الثانی)

مراجعة لکتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر
23 شعبان 1445
رویت 748
نبی سنبلی

 مراجعة لکتاب النظام العالمی لهنری کیسنجر

 النظام الإسلامی: الرأی

 تاریخیا، وفقًا لکیسنجر، قسم الإسلام العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، وسکان الأخیرة کفار.  "إن النظام العالمی للإسلام یقوم على الحرب المستمرة بین دار الإسلام ودار الحرب" و"استراتیجیة تحقیق هذا النظام هی الجهاد، وهو بالطبع لیس عسکریاً دائماً".  یرى کیسنجر أن النظرة الإسلامیة للعالم هی رؤیة عالمیة مغلقة لا مکان للآخرین فیها.

والإسلامیون ضد النظام الدولی وأی نظام غیر إسلامی.  النظام القائم على دار الإسلام ودار الحرب هو العقیدة الرسمیة للحکومة الإیرانیة والجماعات المسلحة فی الشرق الأوسط وأیدیولوجیة جماعات مثل داعش.  کیسنجر یجمع کل الجماعات الإسلامیة والإرهابیة معا، بما فی ذلک الشیعة والسنة والسلفیین، ولا یفرق بینهم من حیث الطریقة التی ینظرون بها إلى النظام العالمی.  وفی رأیه أن الإسلامیین جمیعهم ضد النظام الویستفالی ویسعون إلى تغییره بالکامل.  وهم لا یعترفون بشرعیة الدولة باعتبارها محور النظام الویستفالی ویعتبرون قبولها مؤقتا.  ومن وجهة نظرهم فإن الولاء الوطنی مخالف للعقیدة الدینیة ومبدأ عدم التدخل مرفوض.  ویرى الجهادیون أن التحول هو "مهمة".  وفی النظام العالمی الذی یریده الإسلامیون، فإن العفة والطهارة هی المبدأ ولیس الاستقرار.

النظام الإسلامی: نقد

 وقد أظهر کیسنجر فی تحلیله أن لدیه فهماً سطحیاً جداً للإسلام وقضایا الشرق الأوسط.  إن ادعاء کیسنجر الأول والأکثر أهمیة هو أن غیر المسلمین لیس لهم مکان فی النظرة الإسلامیة للعالم.  وموقف غیر المسلمین فی الإسلام واضح سواء کأقلیة أو کأغلبیة.  إن تأکید الأدیان السماویة الأخرى فی الإسلام والتأکید الصریح على العدالة والمعاملة العادلة مع غیر المسلمین یتعارض مع ادعاء کیسنجر. من أول أعمال رسول الإسلام (ص) بعد الهجرة إلى المدینة المنورة "الاتفاقیة العامة" والتی تعرف بـ"صحیفة النبی".  وجاء فی هذا الاتفاق: " هذا کتابٌ من محمد النبی [ص] بین المؤمنین و المسلمین من قریش و [اهل ] یثرب و من تبعهم، فلحق بهم و جاهد معهم . انّهم امة واحدة من دون الناس؛ وتفسیر الجزء الأخیر هو أنه یقبل غیر المسلمین کجزء من الأمة.

ثانیاً: المبدأ الاجتماعی الأول فی الإسلام هو مبدأ الدعوة، والدعوة أیضاً إلى العقل والمنطق.  یتحدى الله العقل والمنطق البشری فی آیات مختلفة، وبناء على العقل والمنطق یطلب من الإنسان أن یفکر فی خلق السماوات والأرض ومعرفة وجود الخالق.  إن التفکیر فی الخلق والتفکیر المنطقی یتطلب خلق بیئة اجتماعیة سلمیة.

ثالثا، من وجهة النظر الإسلامیة، فإن العالم لیس منقسما إلى دار الإسلام ودار الکفر، کما یدعی کیسنجر، بل له تقسیمات مختلفة تتوافق مع مبادئ النظام الویستفالی.  وبالمناسبة، فإن المفکرین المسلمین لدیهم نظرة اجتماعیة للنظام الدولی ویقسمون المجتمع إلى تسع مجموعات محلیة ودولیة على أساس الآیات والأحادیث.

التجمعات الداخلیة:

  1. أهل الذمة یشملون أتباع الدیانات السماویة الأخرى مثل الیهود والنصارى والمجوس الذین یعیشون فی المجتمع الإسلامی ولدیهم عقد ذمة مع المسلمین.
  2. المستمان یشمل الأفراد والجماعات الذین یستخدمون عقد الأمان ویطلق علیهم اسم المستمان. ما یطلق علیهم الیوم اللاجئین.
  3. یشمل أهل الفساد الجماعات والأفراد الذین یخلون بالنظام ویسببون انعدام الأمن.  وتشمل هذه المجموعة تجار المخدرات والجماعات المتطرفة والإرهابیین والمتاجرین بالبشر.
  4. الخارجون عن القانون هم الأشخاص الذین یحاولون قلب النظام الإسلامی.  وتندرج الجماعات التخریبیة والانفصالیة ضمن هذه الفئة.

 

التجمعات الدولیة:

  1. أهل العهد هم من لهم عهد مع المسلمین. وإذا أطلقنا على میثاق الأمم المتحدة اسم العهد، فیمکن القول إنه فی النظام الدولی الحالی، العالم کله تقریبا هو من أهل العهد.  المبادئ الأساسیة للنظام الویستفالی واردة فی المیثاق.  وقد انتهکت أمریکا وأوروبا هذه المبادئ أکثر من انتهاکها من قبل إیران والصین
  2. أهل السلام: ویشمل الدول التی وقعت اتفاقیة سلام مع المسلمین. قد تکون الحرب قد حدثت أو لا تحدث.
  3. أهل الحضرة: الجماعات والأمم التی وقفت إطلاق النار بینها وبین الدولة الإسلامیة وهی فی حالة حرب مؤقتة.
  4. أهل العتزال: وهم الذین یتوقفون عن قتال المسلمین وینهون عن سلوکهم العدائی، ولکنهم یرفضون عقد الزواج، ویطلق علیهم أهل العتزال.
  5. دار الحرب: تضم فقط الجماعات والأمم التی هی فی حالة حرب مع المسلمین.  وفی العالم الحالی، یتم تضمین إسرائیل فقط فی هذه الفئة.  کیسنجر یوسع دار الحرب إلى العالم غیر الإسلامی‌بأکمله، الأمر لیس کذلک.

وأساس جمیع الأقسام التسعة المذکورة أعلاه هو درجة الالتزام بالعهود والقواعد والقوانین التی تحکم المجتمع والنظام الاجتماعی، المحلی والدولی.

رابعاً: یدعی أن المسلمین یعتبرون العقد مؤقتاً ولا یلتزمون بأی عهد مع غیر المسلمین.  وهذا الادعاء لا یتعارض تماما مع نص القرآن الکریم فحسب، بل إن التاریخ الطویل للمعاهدات والاتفاقیات بین الدول الإسلامیة والدول غیر الإسلامیة لا یؤکد ذلک.  والاعتقاد بأن الإسلام سیهیمن على العالم فی نهایة المطاف لا یعنی عدم الالتزام بالعهد. لیس فقط أنه لا یوجد أی توصیة لتشجیع المسلمین على کسر العهود، ولکن ضرورة الحفاظ على العهود فی الإسلام مطلقة:یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...(مائده/ 1)و یا  ... وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْؤُولًا( اسراء/ 34) العقود تعنی جمیع العهود والاتفاقات التی یعقدها المسلمون مع بعضهم البعض أو مع الأعداء والدول الأخرى.  وبحسب العلامة الطباطبائی فإن "الوفاء بالوعد... یشمل الوعود الفردیة وبین شخصین، کما یشمل الوعود الاجتماعیة بین القبائل والقبائل والأمم، ولکن من وجهة نظر الإسلام فإن الوفاء بالوعود الاجتماعیة أهم". من الوفاء بالوعود فهو أمر فردی، لأن العدالة الاجتماعیة أهم وانتهاکها کارثة عامة أکثر.

خامساً: إذا کان من وجهة النظر الإسلامیة لا یمکن تقسیم العالم إلا إلى دار الإسلام ودار الحرب، واتبعت الجمهوریة الإسلامیة مثل هذه النظریة، فإن تعاون إیران مع روسیا والصین الیوم وإبرام تفاهمات طویلة الأمد ولم تکن العقود بینهما لتتشکل، والجمهوریة الإسلامیة لم تکن عضوا فی معاهدات مثل شنغهای أو غیرها من المنظمات الإقلیمیة والدولیة.

 نبی سنبلی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است