فی الأشهر الأخیرة، أصبحت الحملة الإسرائیلیة على قطاع غزة وعملیات القتل الوحشیة التی شنها هذا النظام ضد الشعب الفلسطینی هی الأخبار الرئیسیة لجمیع وسائل الإعلام، ونتیجة لذلک، فقد همش کل الأزمات والنزاعات الإقلیمیة الجیوسیاسیة الأخرى. على الرغم من أنه بسبب قضیة الإبادة الجماعیة فی غزة وارتفاع حدة الصراعات والإصابات فی هذه الحرب، فمن الضروری إبقاء هذه القضیة فی مقدمة التحلیل السیاسی، ولکن یبدو أنه، بالنظر إلى عدد التهدیدات حول حدود إیران، إن إهمال القضایا والمشاکل الجیوسیاسیة الأخرى فی المنطقة الطرفیة للبلاد لیس مفیدًا أیضًا. وخاصة فی ذروة الأزمة الدولیة، یحاول العدید من المسؤولین فی الدول متابعة أهدافهم وغایاتهم الإقلیمیة بصمت، والتی کان علیهم تنفیذها تحت الضغوط والتکالیف الباهظة، فی ظل التغییر الذی طرأ على بؤرة الرأی العام العالمی. أخبار. وأزمة القوقاز هی أیضاً إحدى هذه القضایا التی یجب أن یکون عدم إهمالها والاستعداد لإدارة الوضع فی الحدود الشمالیة الغربیة وفق مصالح البلاد أحد متطلبات دبلوماسیة البلاد.
بعد حرب کاراباخ الثالثة فی سبتمبر 2023 والتی رافقها انتصار جمهوریة أذربیجان على قوات جمهوریة ناجورنو کاراباخ المعلنة من جانب واحد وضم هذا الإقلیم إلى أذربیجان، وذلک بسبب دخول وتدخل القوى الإقلیمیة. والجهات الفاعلة من خارج المنطقة ومسألة ممر زنکزور وإمکانیة حدوث تغییرات جیوسیاسیة فی حدود إیران، وتزایدت التحدیات الاستراتیجیة بین باکو وطهران. على الرغم من أن إیران وأذربیجان لدیهما قواسم مشترکة ثقافیة واقتصادیة واسعة النطاق للتعاون والشراکة مع بعضهما البعض، إلا أن ممر زانغزور یمکن أن یؤثر على المصالح الجیوسیاسیة والإقلیمیة لإیران عن طریق إزالة الوصول الحدودی الإیرانی إلى أرمینیا، وإجبار بلادنا على قبول قیود جیوسیاسیة جدیدة للعبور من الشمال إلى الجنوب والعکس. بمعنى آخر، فإن مرور هذا الممر عبر أراضی أرمینیا یحد من حدود إیران وعلاقاتها مع أرمینیا ویخلق نوعا من الاختناق الجیوسیاسی للبلاد. وعلیه، وبعد ضم ناغورنو کاراباخ إلى أذربیجان، أرادت العدید من دول المنطقة، التی تخوض منافسة استراتیجیة مع إیران، إنشاء هذا الممر مع الدول الغربیة وتوصلت إلى اتفاقیات فی هذا الصدد. ومع ذلک، أکد المسؤولون الدبلوماسیون فی بلادنا على النهج الذی یقضی بضرورة حل هذه الأزمة بحضور الأطراف الإقلیمیة الفاعلة ومع مراعاة مصالح جمیع دول المنطقة.
وفی مثل هذا الوضع، وعلى الرغم من التوترات والتحدیات المختلفة، تمکنت إیران من إقناع الدول الأخرى فی المنطقة، وخاصة جمهوریة أذربیجان، بقبول مقترحاتها ونتیجة لذلک، وبناء على خطة إیران، أی التعاون فی شکل اجتماع إقلیمی 3+3 بمشارکة الدول الست إیران وأذربیجان وأرمینیا وروسیا وجورجیا وترکیا وإنشاء طریق عبور بین الشرق والغرب، بین جمهوریة أذربیجان وجمهوریة نخجوان عبر إیران، أصبح هذا التحدی الإداری.
با وفی هذه الحالة، بالنسبة لأمریکا والکیان الصهیونی، إلى جانب فرنسا وإنجلترا، فإن ترتیب طاولة مفاوضات السلام فی القوقاز على أساس صیغة 3+3 لم یکن مقبولاً؛ لأنه یمکن أن یؤدی إلى تحقیق السلام المستقر، وفی النهایة قطع الطریق على تدخلاتهم فی معادلات آسیا الوسطى وعرقلة تطور وجود الناتو فی هذه المنطقة. ولذلک، فرغم أن موقفهم الرسمیبعد هذا اللقاء کان دعم السلام والاستقرار فی المنطقة، فإن إجراءهم العملی هو تعطیل الاتفاقات التی تم التوصل إلیها فی اجتماع طهران أو انتهاج مسارات جدیدة، والتی یمکن أن یکون لها عواقب سیاسیة واقتصادیة وجیوسیاسیة على إیران بقدر ما یمکن أن یکون لها عواقب على ممر زانغزور.
کما کان لدول المنطقة مقاربات مختلفة تجاه هذه القضیة؛ وفیما یتعلق بموقف روسیا، ینبغی القول إن الحرب فی أوکرانیا کان لها تأثیر کبیر على نهج الکرملین فی التعامل مع ممر زانجزور. فی حین کانت هذه الدولة ضد تشکیل هذا الممر بعد حرب ناغورنو کاراباخ الثانیة عام 2020 وقاومت ضغوط ترکیا وجمهوریة أذربیجان لإنشاءه، لکنها الآن بسبب تبعات الحرب فی أوکرانیا التی أغلقت الطرق روسیا: فی اتجاه الغرب، یبحث المسؤولون الروس عن طرق نقل جدیدة للتجارة والتواصل مع بقیة العالم. ونتیجة لذلک، یبدو أن وجهة نظر روسیا تجاه إنشاء ممر زانزور قد تغیرت؛ ومع ذلک، فإن موسکو لم تدعم بعد إنشائها علناً.
ترکیا، التی تستفید من إحیاء ممر زنکزور وضعف الموقف الجیوسیاسی الإیرانی، وضعت نفسها فی مصاف مؤیدی أذربیجان، وفی هذا الصدد، شهدت فی نهایة فبرایر 2024 زیارة إلهام علییف، وزیر الخارجیة الإیرانی. رئیس جمهوریة أذربیجان إلى أنقرة بناء على دعوة رسمیة کنا أردوغان؛ الرحلة تم خلالها التأکید على ضرورة زیادة حجم التجارة بین البلدین، اتحاد ترکیا وجمهوریة أذربیجان، وبالطبع اتحاد الأتراک العالمی وتعزیز منظمة الدول الترکیة. وفی هذا الصدد، یبدو أنه من أجل تعزیز أهدافها فی منطقة القوقاز، حاولت أنقرة المشارکة بشکل أکثر نشاطًا فی المبادرات المتعددة الأطراف مثل تعزیز منظمة الدول الترکیة وطریق النقل الدولی عبر قزوین.
وتسعى جورجیا، باعتبارها الدولة الوحیدة فی منطقة القوقاز التی تتمتع بإمکانیة الوصول المباشر إلى البحر الأسود، إلى زیادة دورها فی العبور التجاری من المیاه الموحلة لأزمة القوقاز. ونتیجة لذلک، انضمت هذه الدولة مؤقتًا إلى سیاسة معارضة إیران لإنشاء ممر زانغزور، بحیث یکون تطویر وتعزیز الممر الأوسط (ممر النقل الدولی عبر قزوین) على جدول أعمال أذربیجان والدول الغربیة. ویندرج هذا المشروع ضمن برنامج تطویر الاتصالات بین الشرق والغرب، والذی یتجاوز أراضی روسیا وإیران ویربط الدول الأوروبیة بأذربیجان عبر ترکیا وجورجیا، ومن ثم إلى الشرق، وخاصة الصین.
وبناء على ذلک، یبدو أنه فی المرحلة الحالیة، یسعى جیران إیران فی الحدود الشمالیة الغربیة للبلاد بشکل متزاید إلى تثبیت موقعهم فی ممرات العبور والعلاقات السیاسیة والاقتصادیة من أجل تأمین مصالحهم فی منطقة القوقاز. من ناحیة أخرى، فی الأسابیع الأخیرة (423 فبرایر 2024 )، بعد أن زعمت وزارة الدفاع فی هذا البلد أن أربعة جنود أرمن قتلوا فی هجوم جمهوریة أذربیجان على المواقع الحدودیة لهذا البلد، غیرت أرمینیا عضویتها فی منظمة "میثاق الأمن الجماعی" علقت وادّعت أن "اتفاقیة الأمن الجماعی" لم یتم تنفیذها فی حالة أرمینیا؛ وهو النهج الذی یمکن أن یعنی قرب أرمینیا من الدول الغربیة. وفی هذا الوضع، تصبح منطقة القوقاز مرة أخرى عرضة للصراع والتوتر المتزاید، ویمکن أن یؤدی عدم التدخل واللباقة من جانب جمهوریة إیران الإسلامیة إلى دفع مسار التطورات فی هذه المنطقة ضد مصالح البلاد وأمنها القومی. الخطر الأخطر هو أن تدیر جمهوریة أذربیجان ظهرها لاتفاقاتها مع إیران ومحاولة هذا البلد المتجددة لإحیاء ممر زانغزور من داخل أراضی أرمینیا.
وفی هذا الصدد، وفی الظروف الجدیدة، یجب على جمهوریة إیران الإسلامیة إحیاء دورها المتوازن فی منطقة القوقاز، وفی الوقت نفسه منع تحالف ترکیا وأذربیجان وجورجیا من تحیید طرق العبور لبلدنا وإنشاء ممرات بدیلة، من إعادة الحدود. وینبغی منع خیار استخدام القوة لاحتلال مقاطعة سیفنیک فی أرمینیا وإعادة فتح ممر زانغزور من هذا الطریق، والتأکید على اتفاقیاتها الأخیرة مع باکو لربط جمهوریة أذربیجان بنخجوان من داخل جمهوریة إیران الإسلامیة.
من ناحیة أخرى، یمکن للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، بحکم علاقاتها الجیدة مع کل من روسیا وأرمینیا، أن تقوم بدور الوسیط فی علاقاتهما وتسجیل النقاط من الجانبین لتتوافق مع اعتبارات ومصالح البلاد فی النقاش. من الممرات والتحالفات القضایا الإقلیمیة، ومنع تغمیق العلاقات بینهما، ورغبة الحکومة الأرمینیة فی اللعب على أرض الدول الغربیة وانفتاح هذه الدول وحلف شمال الأطلسی على منطقة القوقاز.
محمد مهدی مظاهری، أستاذ جامعی
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"