مع الصراع المستمر منذ عامین فی أوکرانیا، تکثفت التحرکات فی الجغرافیا والمجال الناعم والسرد. ومن ناحیة أخرى، نجحت روسیا فی احتلال مدینة أودیوکا عشیة الانتخابات الرئاسیة ومن ناحیة أخرى، نجحت أوکرانیا فی تدمیر عدة سفن حربیة وإسقاط عدة طائرات مقاتلة روسیة متطورة فی عدة عملیات بحریة وجویة، یقدر سعر إحداها بأکثر من ثلاثمائة ملیون دولار؛ وبطبیعة الحال، فی الوقت نفسه، تستمر الحرب الناعمة للأطراف بمختلف الأسالیب الإعلامیة والاستعانة باللقاءات الإقلیمیة والدولیة، ورغم أن مصیر الحرب لن یتقرر فی النهایة على الجبهة، إلا أن هناک حالیاً ثلاثة احتمالات، وکل واحد من هذه سیکون له مجموعة من العواقب المحتملة: تقدم القوات الروسیة؛ أدى نجاح القوات الأوکرانیة إلى نوع من الجمود على طول خطوط السیطرة العسکریة الحالیة تقریبًاً، من الأمور المهمة الأخرى أن کل الحروب تبدأ بتفاؤل مزدوج، ولکن مع تآکل الصراعات؛ وعادة ما تختار الأطراف دائما الأسوأ فی الاختیار بین السیئ والأسوأ، لأنه فی هذه المراحل یذهب الجزء الأکبر من اتخاذ القرار إلى العسکریین، الذین یصورون فی الأساس "نهایة کل حرب فقط" فی انتصارهم. وفی الوقت الحالی، ومع مضاعفة عدد القوات الروسیة "تقریباً" والحفر فی خطوط أمامیة أقصر بدعم مدفعی واسع النطاق، فإن هزیمة الجیش الأوکرانی سوف تشکل تحدیاً کبیراً. ومع ذلک فإن الأوکرانیین فاجأوا العالم کثیراً منذ بدایة الغزو الروسی، حتى أنه لا یمکن اعتبارهم مهزومین بسهولة.
ومن ناحیة أخرى، وقع فلادیمیر بوتن فی موسکو على میزانیة للسنوات الثلاث المقبلة تتضمن أکبر زیادة فی الإنفاق العسکری على الإطلاق. ولذلک فإن الإنفاق الدفاعی فی عام 2024 سیرتفع بأکثر من 70% مقارنة بعام 2023 الذی یشمل 40% من إجمالی المیزانیة؛ والتی سوف تمثل 10٪ من الناتج المحلی الإجمالی؛ وبطبیعة الحال، قد تبدو میزانیة الدفاع غیر واقعیة بالنظر إلى أنه من المتوقع أن تکون الإیرادات أعلى بنسبة 22.5% عما کانت علیه هذا العام، وهو أمر ممکن فقط إذا ارتفعت أسعار النفط. ومن ناحیة أخرى، هذه مجرد أرقام واضحة للمیزانیة. فی الواقع، تحتوی المیزانیة الروسیة على قسم سری مخصص أیضًا للدفاع، لکنه لا یظهر فی أی مکان لأسباب الحرب. یرید بوتین خفض الإنفاق الاجتماعی لأنه مقتنع بأن الغالبیة العظمى من الروس یریدون تقدیم التضحیات من أجل هذا البلد؛ لذا فمن الواضح أنه إذا لم تصل المساعدات المالیة والعسکریة إلى أوکرانیا أو وصلت بعد فوات الأوان، وکان لدى الروس مبالغ إضافیة ضخمة من المال لحشد جنود جدد وتجهیز الجیش، فلن یکون هناک سوى نتیجة واحدة محتملة: ستخسر أوکرانیا الحرب وستصل روسیا إلى حدود الناتو. وکما أعلن أحد خبراء المعهد الملکی للخدمات المتحدة (RUSI)، تستعد موسکو للفوز بالحرب فی أوکرانیا والحرب الدائمة مع الغرب.
ومع طول أمد الحرب وتآکلها، فإن إرسال المساعدات من الغرب بطیء أیضاً. ورغم أن استخدام أسلحة جدیدة فی المراحل الجدیدة للمحور الأوروبی الأطلسی، بما فی ذلک مقاتلات إف-16 وصواریخ بعیدة المدى، مدرج على جدول الأعمال، إلا أن المساعدات الأمریکیة البالغة 60 ملیار دولار تمت الموافقة علیها فی مجلس الشیوخ وتنتظر الموافقة علیها فی مجلس النواب. وبعد بعض التأخیر أیضاً، وافق الاتحاد الأوروبی على مساعدة بقیمة 50 ملیار دولار لمدة 4 سنوات، کما قدمت الیابان مساعدة بقیمة 4.7 ملیار دولار لکییف. ومع ذلک، یعتقد بعض المحللین أن هذه الحملة تقترب من مراحل حاسمة وما زال الجانبان لا یملکان فرصة کبیرة للفوز. وفی الوقت الحالی، من ناحیة أخرى، یعتقد الجانب الغربی أن هزیمة روسیا والضعف الخطیر فی موقف الرئیس بوتین غیر متوفر فی الوقت الحالی، لذلک یرکز الغرب أکثر على اقتراح وقف إطلاق النار. وبطبیعة الحال، فإن أی تحرک لوقف إطلاق النار سوف یواجه مقاومة قویة من الحکومة الأوکرانیة، وبعض أعضاء الناتو بما فی ذلک بولندا ودول البلطیق، وأجزاء مهمة من المؤسسة السیاسیة ووسائل الإعلام الغربیة. ولذلک لا یمکن التنبؤ بنتیجة مثل هذه الأزمة فی الوقت الحالی. لکن من الواضح أن خطر التصعید إلى حرب واسعة النطاق بین حلف شمال الأطلسی وروسیا سیکون مرتفعا. ومن ناحیة أخرى، إذا استولت روسیا على منطقة دونباس بالکامل وعززت جسرها البری إلى شبه جزیرة القرم، فمن المرجح أن یزعم بوتین أن أهداف روسیا الرئیسیة قد تحققت، وقد حققت موسکو ما أرادت، لذلک یمکن إدراج وقف إطلاق النار ومحادثات السلام دون شروط مسبقة على جدول الأعمال.
ولیس سراً أن وقف إطلاق النار الدائم هو وحده القادر على إنهاء الکارثة الإنسانیة المستمرة التی خلفت أکثر من 700 ألف قتیل وجریح من الجانبین وتدمیر البنیة التحتیة على الجانبین مع أضرار تزید عن 900 ملیار دولار وتسمح لکییف وشرکائها والبدء فی العملیة الطویلة والمکلفة لإعادة بناء اقتصاد أوکرانیا وتعزیز آمال کییف فی الانضمام إلى الاتحاد الأوروبی؛ وهی قضیة قد تروق أیضًا لبعض الأوکرانیین الواقعیین الذین یعتقدون أن وقف إطلاق النار والنمو الاقتصادی سیسمحان لأوکرانیا بتعزیز قواتها المسلحة. وفی الوقت نفسه، یقبل المعارضون الأوکرانیون والغربیون وقف إطلاق النار الذی اقترحته روسیا؛ ویقال إن هذا سیسمح للکرملین بإعادة بناء وتعزیز قواته استعداداً لحرب جدیدة فی المستقبل، رغم أن هذه الحجة تضعف إذا أعلنت موسکو علناً أن أهدافها الحربیة قد تحققت.
کما یتزاید فی هذه الأیام الخوف والقلق من اندلاع الصراعات فی المناطق ذات القدرة العالیة على الصراع مثل جمهوریات البلطیق؛ کوسوفو؛ فقد تصاعدت حدة التوتر فی مولدوفا وغیرها، ولا نستطیع أن نتجاهل احتمالات نشوب حروب جدیدة، لیس فقط فی أوکرانیا، بل وأیضاً بین روسیا وغیرها من دول الاتحاد السوفییتی السابق. وفی الوقت نفسه، صعوبة إعادة بناء أوکرانیا والتقدم نحو الاتحاد الأوروبی؛ إن استحالة إحیاء الحد الأدنى من علاقات التعاون بین الغرب وموسکو وإمکانیة تعاون أقوى بین روسیا والصین وإیران أمر خطیر وکبیر. وهناک قضیة أخرى مهمة وهی الملاحقات القانونیة والقضائیة فی الغرب لإثبات جرائم الحرب التی ارتکبها الجیش الروسی والحصول على تعویض وإزالة الأموال المحظورة من الأولیغارشیة والودائع الروسیة الرسمیة لمساعدة أوکرانیا.
على أیة حال، السؤال الأساسی هو: فی أی وقت وفی أی موقع جغرافی سوف یحدث الهجوم الکبیر المحتمل والدفاع الشامل عن أوکرانیا، وهل سیکون قادراً على إحداث تغییر جوهری فی معادلة هذا الصراع؟ و والسؤال الأهم هو ما إذا کانت تهدیدات روسیا العلنیة بلغة میدفیدیف فیما یتعلق بإمکانیة استخدام الأسلحة النوویة ضد الدول الأوروبیة وما قام به بوتین من اختبار قاذفات نوویة فی تتارستان وأخیرا "فی الجبهة ضد هجوم جوی على الأراضی الروسیة بالمقاتلات" هل ستنجح فی ذلک؟ الـF16 تکون جاهزة للعمل أم لا؟!
علی بمان اقبالی زارتش، خبیر کبیر فی أوراسیا
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"