البرلمان الأوروبی وموقف أحزاب الیمین المتطرف فی الانتخابات المقبلة

لماذا تعززت حرکة الیمین المتطرف فی أوروبا؟
16 شعبان 1445
رویت 1012
رضا حقیقی

 لماذا تعززت حرکة الیمین المتطرف فی أوروبا؟

  ستُجرى انتخابات البرلمان الأوروبی فی الفترة من 6 إلى 9 یونیو 2024 (17 إلى 20 خرداد 1403هـ)، وسیتوجه مواطنو 27 دولة عضو فی الاتحاد الأوروبی إلى صنادیق الاقتراع لانتخاب 705 ممثلین. تشیر الأخبار والتطورات الداخلیة فی أوروبا إلى أن الأحزاب والفصائل المرتبطة بالیمین المتطرف ستکتسب فی الانتخابات المقبلة قوة کبیرة. فی الوقت الحالی، تمتلک ثلاثة أحزاب شعبیة، وهی حزب الدیمقراطیین المسیحیین (EPP) الذی یضم 176 ممثلاً، والحزب الدیمقراطی الاشتراکی (S&D) الذی یضم 141 ممثلًا، وحزب أوروبا الجدیدة (التجدید) الذی یضم 102 ممثلاً، أکبر عدد من المقاعد فی البرلمان الأوروبی. وبعد هذه الأحزاب الثلاثة الکبرى، یأتی حزب أوروبا الخضراء فی المرکز الرابع بحصوله على 72 مقعدا فی البرلمان.  ویبلغ إجمالی عدد ممثلی هذه الأحزاب الأربعة نحو 490 شخصا، ویشکلون 70% من مقاعد البرلمان. من ناحیة أخرى، فإن الأحزاب الیمینیة، بما فی ذلک حزب المحافظین والإصلاح (ECR) مع 68 نائبا وحزب الهویة والدیمقراطیة (ID) مع 59 نائبا (127 فی المجموع)، تشغل حالیا أکثر من 18٪ من المقاعد فی البرلمان الأوروبی. وتشیر التکهنات فی الأوساط السیاسیة والإعلامیة الأوروبیة إلى أن هذین الحزبین سیحصلان فی الانتخابات المقبلة على حصة أکبر من المقاعد، وقد یتحدىان الائتلاف الحالی للأحزاب الکبرى. خود اختصاص خواهند داد و امکان دارد ائتلاف على سبیل المثال، إذا انتقل عدد مقاعد حزب الهویة والدیمقراطیة من حوالی 60 إلى 100، وهو أمر مرجح للغایة، فإن ترکیبة البرلمان ستخضع لتغییرات جدیة.

حالیاً، اکتسبت الحرکة الیمینیة قوة فی العدید من الدول الأوروبیة، بما فی ذلک إیطالیا وإسبانیا وبولندا والمجر وفنلندا والسوید والنمسا والیونان وهولندا وجمهوریة التشیک وبلجیکا وسلوفاکیا ورومانیا وغیرها، واکتسبت محلیة. وبالنظر إلى الحصة الکبیرة للدول الأوروبیة الکبیرة فی البرلمان وحقیقة تعزیز الاتجاه الیمینی فی هذه البلدان، ینبغی أن نرى عدد ممثلی هذه البلدان الذین سیکونون یمینیین فی التکوین المستقبلی للبرلمانوتبلغ حصة الدول الأوروبیة الخمس الکبرى 51% من مقاعد البرلمان الأوروبی، وتمتلک ألمانیا 96 مقعدا، وفرنسا 79 مقعدا، وإیطالیا 76 مقعدا، وإسبانیا 59 مقعدا، وبولندا 52 مقعدا فی البرلمان الأوروبی الذی یضم إجمالی 362 مقعدا. والآن، فإن نجاح الأحزاب الشعبویة فی الحملة الانتخابیة المقبلة للبرلمان الأوروبی فی هذه البلدان، إلى جانب الدول الأصغر، سیجعل تحالف الأحزاب المعتدلة مستحیلا.

ومن المتوقع أن یحصل حزب البدیل من أجل ألمانیا الیمینی المتطرف على حصة أکبر فی الانتخابات البرلمانیة المقبلة، وینطبق هذا أیضًا على حزب الوحدة الوطنیة بزعامة مارین لوبان فی فرنسا.  کما سیشهد عدد ممثلی حزب الإخوان الإیطالی بقیادة جورجیا میلونی زیادة کبیرة.  وفی دولة أصغر مثل النمسا، من المحتمل أن یتضاعف عدد ممثلی حزب الحریة النمساوی.  وبهذا الحساب، لیس من المستبعد أن یتساوى عدد ممثلی التیارات الشعبویة مع حزب الشعب الحاکم فی البرلمان المقبل.

لماذا تعززت قوة الیمین المتطرف فی أوروبا؟

  بادئ ذی بدء، ینبغی أن نأخذ فی الاعتبار أن تعزیز حرکة الیمین المتطرف فی أوروبا لم یتم کطفرة، ولکن هذه العملیة نضجت تدریجیاً فی سیاق التطورات السیاسیة والاجتماعیة فی أوروبا واکتسبت زخماً أکبر فی الآونة الأخیرة. فی الوقت نفسه، کانت الأفکار الشعبویة وأحیانا القومیة، ولو فی شکل ضعیف، موجودة دائما فی أوروبا، ومرت بفترات صعود وهبوط. ویمکن سرد متغیرات مختلفة فی تحلیل أسباب الوضع الحالی. "عدم الرضا الاقتصادی" وارتفاع تکالیف المعیشة فی أوروبا هو أحد الأسباب الرئیسیة لهذه القصة، ولکن کیف أدى هذا العامل إلى تعزیز التیارات المتطرفة هو نقطة أساسیة. وتصف التیارات الشعبویة والقومیة أحد أسباب هذه القصة الاضطراب الاقتصادی فی بلدانهم "سیاسات الهجرة الکاذبة". وقد تسبب تدفق المهاجرین وطالبی اللجوء من أوروبا الشرقیة وشمال أفریقیا وسیاسات الدعم الحکومیة فی عبئ ثقیل على نظام تقدیم الخدمات العامة والاجتماعیة التابع للحکومة وأثر على رفاهیة المواطنین الأوروبیین. ومن ناحیة أخرى، اکتسبت الحجج التی ساقتها الجماعات التی تدافع عن السیاسات المناهضة للهجرة المزید من القبول بین الرأی العام.  کما أصبح الغزو الروسی لأوکرانیا، والصدمة الاقتصادیة التی سببها، وارتفاع الأسعار، وخاصة فی قطاعی الغذاء والطاقة، هو السبب.

وبالإضافة إلى ذلک، أصبح الاهتمام بالهویة الوطنیة والقیم التقلیدیة والقلق بالحدود المفتوحة بین مختلف طبقات المجتمع الأوروبی أکثر سخونة.  ویعود ذلک فی معظمه إلى أن النسیج الاجتماعی الأوروبی شهد تحولات فی العقدین الأخیرین وتسللت إلیه آثار أعراق وأعراق وأدیان أخرى وتسببت فی تحوله.  موضوع لا یروق للمواطنین الأوروبیین.  ویمکن دراسة مدى قوة وجهات النظر المعادیة للإسلام فی المجتمعات الأوروبیة من هذه الزاویة.

"العدالة الاجتماعیة" مفهوم تبدی الجماهیر اهتماما کبیرا به. فسیاسات الاتحاد الأوروبی فی مجال الطاقة، وخاصة الطاقة الخضراء والمتجددة، لا تتناسب مع قدرات الدول الأضعف فی المنطقة الأوروبیة. وقد عززت هذه السیاسات موقف الشعبویین فی هذا الصدد، وارتفعت أصواتهم ضد هذه السیاسات. وینطبق هذا بشکل أکبر على بعض دول أوروبا الشرقیة التی تستخدم الطاقة الأحفوریة والتی تتمتع بأساس اقتصادی أضعف.

 ومن أجل جذب المزید من الأصوات الشعبیة ذات النظرة الأکثر واقعیة، أجرت الحرکات الیمینیة المتطرفة فی أوروبا أیضاً تعدیلات على مواقفها فی السنوات الأخیرة، والتی لم تکن غیر فعالة فی زیادة شعبیتها. على سبیل المثال، لم تؤکد هذه الأحزاب على شعار الخروج من الاتحاد الأوروبی بسبب الفهم الأفضل للعلاقات الاقتصادیة العالمیة. على الرغم من أن القومیین فی الدول الأوروبیة الأکثر قوة شککوا دائمًا فی الآثار الإیجابیة للتکامل الأوروبی، ومن الطبیعی أن یشعر المواطن الألمانی المتعصب بالتعاسة لأن الصناعة القویة فی بلاده والتی تتأثر بالتکامل الأوروبی لا بد أن تقتل الاقتصاد الضعیف لدولة أوروبیة صغیرة تعانی من المشاکل، فیفکر أکثر فی السیاسات المتباینة.

کما أنه قبل هجوم روسیا على أوکرانیا کانت الجماعات الیمینیة المتطرفة شدیدة المیل نحو موسکو ولم تخجل من التعبیر عنها، لکن مع بدایة الحرب والغزو الروسی لأوکرانیا عدلت هذه المواقف.

وفی الوقت الحاضر، یجب على الأحزاب اللیبرالیة والمعتدلة أن تدرج سیاسات مواتیة لمؤیدی الیمین فی شعاراتها وبرامجها من أجل کبح التیارات الیمینیة المتطرفة.  إن وضع قانون موحد فی مجال الهجرة واللجوء هو أحد هذه الأمور التی یتعین على قادة الاتحاد التعامل معها بجدیة أکبر.  والمسألة التی کان من المفترض الانتهاء منها قبل الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبی تظهر فی شعارات الحکومة البلجیکیة بصفتها الرئیس الحالی للاتحاد الأوروبی.

 رضا حقیقی، خبیر فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است