من التحالف الأمریکی إلى ظل حرب واسعة النطاق

فی الوقت الذی أصبح فیه بث صور جثث الأطفال وسماع صرخات وصرخات النساء والأطفال المصابین والخائفین، جزءا ثابتا من شبکات الأخبار العالمیة، وأصبح الرأی العام العالمی یعتاد على رؤیة هذه المآسی، ولن یصدر أی قرار قوی وملزم فی مجلس الأمن ضد إسرائیل، ولن یتم فرض أی عقوبات على هذا النظام الإجرامی ولا الدول الغربیة ولا أمریکا مستعدة لاتخاذ خطوة لوقف إسرائیل فی غزة. الحرب فی غزة مستمرة بکل شدة، وقد تجاوز عدد شهدائها ۲۱ ألف شهید، معظمهم من الأطفال والنساء والمدنیین الأبریاء، لکن على ما یبدو فإن هم الدول الغربیة الوحید هو حریة التجارة والشحن فی البحر الأحمر!
21 جمادى الثانية 1445
رویت 1106
محمد مهدی مظاهری

فی الوقت الذی أصبح فیه بث صور جثث الأطفال وسماع صرخات وصرخات النساء والأطفال المصابین والخائفین، جزءا ثابتا من شبکات الأخبار العالمیة، وأصبح الرأی العام العالمی یعتاد على رؤیة هذه المآسی، ولن یصدر أی قرار قوی وملزم فی مجلس الأمن ضد إسرائیل، ولن یتم فرض أی عقوبات على هذا النظام الإجرامی ولا الدول الغربیة ولا أمریکا مستعدة لاتخاذ خطوة لوقف إسرائیل فی غزة. الحرب فی غزة مستمرة بکل شدة، وقد تجاوز عدد شهدائها 21 ألف شهید، معظمهم من الأطفال والنساء والمدنیین الأبریاء، لکن على ما یبدو فإن هم الدول الغربیة الوحید هو حریة التجارة والشحن فی البحر الأحمر!

وعلى هذا فإن المفارقة المریرة فی القصة هی أن التحالف الوحید الذی تشکل بعد نحو ثلاثة أشهر من القتل المتواصل للمدنیین فی غزة، لیس لمواجهة النظام الإسرائیلی المتمرد لإجباره على وقف الحرب، بل ضد القوى التی حاولت عدم المبالاة بتصرفات النظام الصهیونی وزیادة تکالیف الحرب على هذا النظام ودعمه للدول الأخرى. وفی الواقع، مع اشتداد الحصار على الفلسطینیین فی قطاع غزة ومنع إسرائیل من إرسال المساعدات الإنسانیة لأهل هذا القطاع، بدأ الجیش الوطنی الیمنی وفی إجراء مضاد، قرر الاستیلاء على السفن الصهیونیة أو السفن المتجهة إلى الأراضی المحتلة وجعلها غیر آمنة، بحیث تضطر إسرائیل إلى فتح الطریق لإرسال الدواء والغذاء لشعب غزة.

ونتیجة لذلک، بدأوا فی 19 نوفمبر 2023 بمهاجمة السفن المتجهة إلى الأراضی المحتلة، وهو الأمر الذی لم یرضی أنصار النظام الصهیونی.

بینما فی الوقت الحاضر، فإن أجزاء القانون الدولی التی تشیر إلى قوانین الحرب وحقوق الإنسان والحقوق الإنسانیة لیست جذابة للغایة للدول الأوروبیة والولایات المتحدة، إن حقوق البحار واحترام حریة الملاحة مهمة جداً بالنسبة لهم لدرجة أنهم تحولوا إلى إنشاء تحالف عسکری بحری؛ وکان من المفترض أن یضم التحالف الذی تقوده أمریکا وفی الأیام الأولى لتشکیله 20 عضوا وستنضم إلیه دول أخرى، لکنها لم تکن قد بدأت بعد عندما انسحبت منها بعض الدول مثل فرنسا، إیطالیا، إسبانیا وأسترالیا.

ورغم أن هذه الدول أعلنت أنها تعمل بشکل أساسی على ضمان أمن الشحن فی البحر الأحمر، إلا أن یبدو أن تصرفات النظام الصهیونی فی غزة وصلت إلى حد الوقاحة بحیث لا ترغب سوى دول قلیلة فی إنفاق رصیدها لدعمه، لکن بعض الدول الأخرى التی انضمت إلى التحالف لم ترغب فی الکشف عن أسمائها؛  لأنهم قلقون من العار على الساحة الدولیة ومن ردود الفعل الباهظة الثمن لجبهة المقاومة.

وفی مثل هذا الوضع، عندما کان التحالف الأمریکی الهش فی البحر الأحمر یواجه تفکک وانسحاب سریع لبعض الدول الأعضاء، وهو ما تم تفسیره بطریقة أو بأخرى على أنه "إذلال لأمریکا"، حاولت هذه الدولة شن هجوم جوی على زوارق الجیش الیمنی فی 31  دیسمبر 2023 فقتلت 10 من محاربی البحر الیمنیین الذین کانوا یستولون على سفینة تجاریة، لتثبت لحلفائها فی التحالف الوسطی وکذلک لأعضاء جبهة المقاومة أن أمریکا عازمة فی قرارها على دعم إسرائیل وتأمین البحر الأحمر. وأعلنت إنجلترا، التی کانت دائما أحد الشرکاء التقلیدیین للولایات المتحدة فی التدخلات العسکریة، أن لندن تخطط لتنفیذ هجمات ضد الیمنیین فی البحر والبر بالتنسیق مع شرکائها. مثل هذه التصرفات والمواقف زادت من احتمالات توسیع نطاق الحرب فی المنطقة، لکن مع تشکیل التحالف الأمریکی، هل الأوضاع فی المنطقة تتجه إلى حرب شاملة؟

وفی هذا السیاق، هناک بعض النقاط التی تستحق التأمل، والتی تبین أنه لن تکون هناک حرب شاملة؛  أحد أهم الأدلة على هذا الادعاء هو أنه، على عکس الممارسة السابقة لدول الخلیج العربیة، والتی کانت من بین الأعضاء الأساسیین والدائمین فی جمیع التحالفات العسکریة بقیادة الولایات المتحدة، وفی التحالف الأخیر، باستثناء البحرین التی انضمت رسمیاً إلى هذا التحالف، والسبب فی ذلک هو وجود الأسطول الخامس للبحریة الأمریکیة فی هذا البلد، أما باقی الدول العربیة المهمة فقد رفضت الانضمام إلى التحالف أو جعلته مشروطاً بتحقیق شروط معینة.

وعلى وجه الخصوص، المملکة العربیة السعودیة، التی تعد أهم دولة عربیة فی الخلیج العربی، وقراراتها یمکن أن توجه أداء الدول العربیة الأخرى ، ورغم أنها تمتلک جیشا مجهزا بالأسلحة الأمریکیة وأن 36% من وارداتها تتم عبر موانئ البحر الأحمر، إلا أنها أعلنت أنها غیر مهتمة بالمشارکة فی التحالف الأمریکی فی البحر الأحمر، ورغم أنها تمتلک جیشا مجهزا بالأسلحة الأمریکیة وأن 36% من وارداتها تتم عبر موانئ البحر الأحمر، وسبب انتهاج هذا التوجه، إلى جانب قلق السلطات السعودیة من تدمیر صورتها وسمعتها فی العالم الإسلامی‌بسبب مساعدتها للنظام الإسرائیلی، لقد اتخذت الریاض خلال العام الماضی خطوات کبیرة لخفض التصعید وتحسین العلاقات مع إیران والدول الأعضاء الأخرى فی محور المقاومة، وعلى وجه الخصوص، تحاول التوصل إلى اتفاق مع قوات أنصار الله لإنهاء الصراع و الحرب مع الیمن، وبناء على ذلک، یبدو أن تحلیل السلطات السعودیة کان أنها إذا انضمت إلى التحالف الأمریکی فإن جهودها التی بذلتها العام الماضی ستکون غیر فعالة، ومن المرجح أن تصبح المدن السعودیة مرة أخرى هدفا لهجمات صنعاء، وبالإضافة إلى النقاط المذکورة أعلاه، فإن "اتفاق بکین" بین إیران والمملکة العربیة السعودیة یلزم طهران والریاض بعدم تهدید بعضهما البعض فی جمیع أنحاء المنطقة، ویبدو أن السعودیة لا ترید الإضرار بهذا الاتفاق فی هذه المرحلة.

وبالإضافة إلى النقاط المذکورة أعلاه، فإن "اتفاق بکین" بین إیران والمملکة العربیة السعودیة یلزم طهران والریاض بعدم تهدید بعضهما البعض فی جمیع أنحاء المنطقة، ویبدو أن السعودیة لا ترید الإضرار بهذا الاتفاق فی هذه المرحلة. وفی الأشهر القلیلة التی مرت على الحرب، کانت قطر دائما وسیطا للسلام وتسعى إلى وقف إطلاق النار، وبالتالی لا یوجد حدیث عن عضویة هذه الدولة فی التحالف. وقد تبنت دولة الإمارات العربیة المتحدة موقفاً مشابهاً نسبیاً لدول عربیة أخرى، على الرغم من أن عدم عضویة هذه الدولة فی التحالف لیس مؤکداً؛ وقد أعلن مسؤولون فی أبو ظبی أنهم یدرسون الانضمام إلى التحالف الأمریکی فی البحر الأحمر ولن ینضموا إلى هذا التحالف إلا فی حالة استیفاء شروط معینة، بما فی ذلک هجوم أمریکی حاسم على صنعاء! وهو موقف یدل على أنهم فی الظروف العادیة لا یسعون إلى زیادة التوتر مع جبهة المقاومة وخاصة أنصار الله فی الیمن ولن یتعاونوا مع أمریکا فی التحالف إلا إذا ضمنت هذه الدولة أنها ستقصف الحوثیین الیمنیین وتدمر قدرتهم العملیاتیة، وهو ما یبدو غیر مرجح فی هذه المرحلة.

إن اعتماد مثل هذا النهج من قبل الدول المهمة فی العالم العربی، فی حین أصبح من الواضح بالنسبة للعدید منها أن الرئیس الأمریکی، بسبب قرب موعد الانتخابات، یحتاج إلى القیام بأعمال مغامرة عبر الحدود، وتضخیم السلطة للولایات المتحدة فی مناطق مختلفة، وتشکیل تحالفات دولیة وجماعیة و وهی تحاول بالطبع إظهار التزامها بدعم أمن إسرائیل، لکن فی حالة تزاید الصراعات وارتفاع التکالیف، کما فی حالة أفغانستان، فإنها تفضل المغادرة والفرار على البقاء ودعم دول وشعوب المنطقة أو، کما هو الحال عندما هاجم الحوثیون فی الیمن منشآت أرامکو النفطیة، فإنها لن تتخذ أی إجراء لدعم حلفائها التقلیدیین وستسعى إلى تحقیق مصالحها فی المناطق والتنافس مع الدول الأخرى.

وبناء على ذلک، یبدو أن الدول العربیة قد توصلت إلى مثل هذا الفهم لانتهازیة أمریکا وابن المطلق، بحیث یتعین علیها، لکی تحافظ على مصداقیتها ومصالحها، أن تتمسک بحفظ السلام والأمن فی المنطقة، أرضیة جدیدة لعدم نشر الصراعات فی المنطقة ومواجهة جبهة المقاومة، و فی مثل هذا الوضع، إذا ظلت الدول العربیة على موقفها نفسه ولم تنجح الولایات المتحدة فی جذبها والمزید من الدول الأوروبیة للمشارکة فی التحالف، تضعف احتمالیة انتشار الحرب فی المنطقة، ونظراً لقرب الانتخابات، فمن المحتمل ألا تسعى أمریکا إلى خلق المزید من التوتر بتحرک دراماتیکی واحد أو اثنین آخرین فی البحر الأحمر، وستضطر إلى إبقاء التحالف صامتاً والسعی إلى حلول أخرى.

 محمد مهدی مظاهری أستاذ جامعی

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است