الأولویة البیئیة أو الأزمات الجیوسیاسیة

فی الأسبوعین الماضیین، اجتمع قادة ومسؤولو الدول المشارکة فی قمة الأمم المتحدة للمناخ المعروفة باسم کاب ۲۸ فی دبی بدولة الإمارات العربیة المتحدة لزیادة الجهود للحد من ظاهرة الاحتباس الحراری وتقلیص دور الوقود الأحفوری فی العالم. ورغم أن الظل الثقیل للهجمات اللاإنسانیة التی یشنها النظام الصهیونی على قطاع غزة ألقت بظلالها على هذه القمة، إلا أن لکن الخریف الجاف هذا العام مع القلیل من الأمطار والشتاء مع القلیل من الضوء والأمطار القلیلة خلال السنوات القلیلة الماضیة یذکرنا بهذه النقطة إن الاهتمام بالتغیر المناخی وحل أسبابه لم یعد مسألة فاخرة أو غیر مهمة وإهمالها یمکن أن یؤثر بشکل مباشر على الأمن الغذائی ورفاهیة وحیاة مواطنی مختلف البلدان، ونتیجة لذلک ستواجه الحکومات أیضاً مخاطر جسیمة.
29 جمادى الأولى 1445
رویت 1266
محمد مهدی مظاهری

فی الأسبوعین الماضیین، اجتمع قادة ومسؤولو الدول المشارکة فی قمة الأمم المتحدة للمناخ المعروفة باسم کاب 28 فی دبی بدولة الإمارات العربیة المتحدة لزیادة الجهود للحد من ظاهرة الاحتباس الحراری وتقلیص دور الوقود الأحفوری فی العالم. ورغم أن الظل الثقیل للهجمات اللاإنسانیة التی یشنها النظام الصهیونی على قطاع غزة ألقت بظلالها على هذه القمة، إلا أن لکن الخریف الجاف هذا العام مع القلیل من الأمطار والشتاء مع القلیل من الضوء والأمطار القلیلة خلال السنوات القلیلة الماضیة یذکرنا بهذه النقطة إن الاهتمام بالتغیر المناخی وحل أسبابه لم یعد مسألة فاخرة أو غیر مهمة وإهمالها یمکن أن یؤثر بشکل مباشر على الأمن الغذائی ورفاهیة وحیاة مواطنی مختلف البلدان، ونتیجة لذلک ستواجه الحکومات أیضاً مخاطر جسیمة.

أما سبب إقامة الکأس الـ28 فی دولة عضو فی أوبک، أی الإمارات العربیة المتحدة، فبعیداً عن رغبة وحماس السلطات الإماراتیة فی استضافة الاجتماعات الدولیة المهمة واکتساب المکانة والنفوذ الناتج عنها، یمکن أن یکون له سبب آخر.  تعد منطقة الشرق الأوسط (منطقة غرب آسیا) إحدى المناطق التی تعتمد بشکل کبیر على الطاقة. تتمتع هذه المنطقة بموارد وفیرة من النفط والغاز الطبیعی، ویعتمد جزء کبیر من اقتصادها على بیع هذه الموارد. ومع ذلک، فإن الاعتماد على الطاقة الأحفوریة، ونتیجة لذلک، أدى التلوث الناتج إلى ظهور مشاکل فی المنطقة. ومن بین هذه المشاکل یمکن أن نذکر تلوث الهواء وزیادة أمراض الجهاز التنفسی بین المواطنین وجفاف المناخ وتشکل التوترات المائیة داخل دول المنطقة وفیما بینها.

ونتیجة لذلک، زاد الاهتمام بالطاقة النظیفة والخضراء فی المنطقة فی السنوات الأخیرة، ومع ذلک، فإن السؤال الرئیسی هنا هو أنه فی ظل الوضع الذی تعانی فیه أفقر دول العالم بشکل أکبر من آثار تغیر المناخ، وینقسم العالم حول القضایا الجیوسیاسیة المتعلقة بالحروب المستمرة فی غزة وأوکرانیا، فهل هناک أمل فی إصرار دول العالم على تشکیل عمل مشترک فی مجال تقلیل أو الاستخدام الأمثل للوقود الأحفوری؟  وما هو مستقبل هذه الطاقات فی منطقة غرب آسیا؟

وللإجابة على السؤال الأول، لا بد من القول أنه نظرا لتزاید المشاکل الناجمة عن تغیر المناخ، الذی لم یعد حکرا على منطقة وبلد محدد ومن ناحیة أخرى، وبسبب التهدیدات الجیواستراتیجیة الأمنیة الناجمة عن اعتماد القوى العالمیة على الطاقات الأحفوریة، یبدو أن دول العالم المتقدمة والکبیرة تتجه إلى اتخاذ خطوات إیجابیة نحو الطاقات النظیفة؛ ومع ذلک، لتنفیذ هذه الإجراءات، فقد حددوا فترة زمنیة طویلة نسبیاً للسماح بالتخطیط والاستثمار فی هذا المجال. وبطبیعة الحال، لا ینبغی للصناعات التی تعتمد على الطاقة الأحفوریة أن تواجه أضرارا جسیمة وتوترات مبکرة. ویمکن تقییم القرار الذی اتخذته الولایات المتحدة و21 دولة أخرى فی الیوم الثانی لاجتماع الأمم المتحدة کاب 28 فی دبی بمضاعفة قدرة الطاقة النوویة ثلاث مرات بحلول عام 2050 فی هذا الصدد.

لکن الجانب الآخر من هذه القصة هو أن مضاعفة قدرة الطاقة النوویة ثلاث مرات بحلول عام 2050، إلى جانب البرامج الأخرى للدول الصناعیة المتقدمة لاستخدام طاقة الریاح والطاقة الشمسیة وغیرها، سیساعدها على تقلیل اعتمادها على تقلیل النفط والغاز، ومن الممکن أن یشکل هذا تهدیداً استراتیجیاً لدول المنتج الواحد فی منطقة غرب آسیا، والتی یتمثل مصدر دخلها الرئیسی ونفوذها فی المجال الدولی فی الطاقة الأحفوریة.

ومن ناحیة أخرى، فإن تکلفة الاستثمار فی تطویر الطاقة النظیفة والخضراء فی غرب آسیا أعلى من تکلفة الطاقة الأحفوریة وبطبیعة الحال، فإن تخصیص الأموال لمثل هذه الحالات لا یمکن أن یکون أولویة بالنسبة لدول هذه المنطقة، التی یعانی الکثیر منها من مشاکل اقتصادیة. کما أن إمکانیة جذب المستثمرین الأجانب لیست جاهزة تماماً لجمیع هذه الدول. إن الافتقار إلى البنیة التحتیة المناسبة، والحاجة إلى النظر فی حالة السوق (العملاء والمستفیدین من الطاقة النظیفة)، والموارد البشریة (وجود ما یکفی من الموارد البشریة المتخصصة)، والموارد الأولیة، والمعدات وغیرها من البنیة التحتیة المعرفیة والتکنولوجیات الأم هی مشاکل أخرى موجودة فی معظم البلدان، یواجه تطویر الطاقة النظیفة والخضراء مشاکل فی منطقة غرب آسیا.

ومع ذلک، لا بد من القول إن للطاقة النظیفة العدید من المزایا، التی تجعل استخدامها مفیداً لجمیع دول العالم، بما فی ذلک دول منطقة غرب آسیا، على المدى الطویل. الحد من تلوث الهواء، والسیطرة على الاتجاه المقلق لتغیر المناخ (بسبب عدم إنتاج الغازات الدفیئة)، وخلق فرص عمل جدیدة وإمکانیة جذب المزید من العمالة وتحسین الأمن والاستقلال الاقتصادی بسبب عدم الاعتماد على الدخل من الموارد الأحفوریة، هناک فوائد.

ومع ذلک، ربما یکون السبب الأکثر أهمیة وراء توجه بلدان منطقة غرب آسیا نحو الطاقة النظیفة هو الحاجة إلى فهم التحولات الاستراتیجیة فی الوقت المناسب ومواءمتها، بل أخذ زمام المبادرة فیها. فی الوقت الحاضر، ومع المشاکل الاقتصادیة والسیاسیة والأمنیة التی یخلقها تغیر المناخ لمختلف البلدان کل یوم، لقد توصل العالم إلى هذا الفهم والوعی العام بضرورة المرور بالظروف الباهظة الثمن والضارة للطاقات الأحفوریة أو على الأقل البحث عن تقنیات جدیدة (مثل تکنولوجیا إزالة الکربون) للحد من أضرارها.

وفی مثل هذه الحالة، یعد الإعداد والتخطیط لأخذ زمام المبادرة فی الاستخدام الأمثل للطاقة النظیفة والخضراء سیاسة ذکیة ینبغی أن تتبعها جمیع دول منطقة غرب آسیا، وخاصة جمهوریة إیران الإسلامیة. لن یؤدی هذا النهج إلى تنویع الاقتصاد المحلی لهذه البلدان فحسب، بل یمکن أن یزید من رفاهیة ونوعیة حیاة المواطنین، ویزید من رأس مالهم الاجتماعی وعامل الأمن، بل على المدى المتوسط سیمنح هذه الدول نوعا من القوة الناعمة والمصداقیة الدولیة، وعلى المدى الطویل ستتحرر من خطر العزلة والعقوبات المحتملة بسبب عدم مصاحبة قرارات المجتمع الدولی فی مجال المناخ.

محمد مهدی مظاهری، أستاذ جامعی

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است