عندما نفکر فی المستقبل، یتبادر إلى أذهاننا التنبؤ، ولکن یجب أن نعلم أن التنبؤ بالمستقبل یواجه قیوداً خطیرة وکلما طالت فترة التنبؤ، أصبح التنبؤ أصعب. إن العامل الأکثر أهمیة الذی یعرض التنبؤات للانهیار هو الأحداث الجدیدة غیر المدروسة والأحداث "الزمنیة"، والتی تسمى "عدم الیقین" فی أدبیات علم المستقبل. لذلک، فی الدراسات المستقبلیة، فإن النسبة بین العناصر غیر المؤکدة والمحددة مسبقًا تحدد إمکانیة التنبؤ. کلما زادت العناصر المحددة مسبقًا، کلما کان التنبؤ ممکنًا، وکلما زاد عدم الیقین، أصبح التنبؤ أکثر صعوبة وزاد احتمال انهیاره.و
إن واقع حرب غزة یصرخ ببساطة بأن حالات عدم الیقین على مختلف مستویات التحلیل المحلیة والإقلیمیة والدولیة هی أکثر من مجرد عناصر محددة سلفا، ولذلک فإن التنبؤات التی صدرت بشأن الحرب فی غزة، فی التحلیل الأکثر احتراما، هی نتیجة التخمین أو فی أحسن الأحوال نتاج البصیرة البدیهیة للمحللین، لأن محدودیة العناصر المحددة سلفا ومدى عدم الیقین یجعل التنبؤ مستحیلا، إن لم یکن مستحیلا، ولکنه محفوف بالمخاطر للغایة ویجعل الأمر صعبا.
ما الذی یجب فعله فی هذه الحالة؟ لقد أعطى المستقبلیون الجواب. فی هذه الحالة، یجب أن تفکر فی العقود المستقبلیة المحتملة. لأن "المستقبل هو مکان الاحتمالات التی لا تعد ولا تحصى". قد یقول قائل إن رسم احتمالات لا حصر لها لا یساعد متخذی القرار. المشکلة صحیحة. الجواب هو أن رسم عدد لا یحصى من العقود الآجلة المحتملة هو مقدمة لرسم العقود الآجلة المحتملة، والذی یعتمد على الدوافع المستخرجة من الحقل.
لذا، فی ظل الظروف التی تکثر فیها الشکوک فی حرب غزة، فإن البحث المستقبلی الأقل خطورة الذی یساعد صناع القرار هو رسم المستقبل المحتمل بناءً على الدوافع المستخرجة من میدان ومسرح حرب غزة. ب فی هذه المقدمة المنهجیة نرید أن نفکر فی المستقبل القریب لحرب غزة ونجیب على السؤال: ما هی الظروف التی ستشهدها حرب غزة فی الشهر القادم؟
للإجابة على هذا السؤال، نذکر فئتین من المحرکات الرئیسیة. أولاً، دوافع استمرار الحرب؛ ثانیاً، دوافع الوقف الکامل للحرب
ج: دوافع استمرار الحرب:
1- انهیار أسطورة الجیش الصهیونی الذی لا یقهر؛ (انهیار إدراکی)
2- غلبة خطاب "بقاء إسرائیل مرهون بتدمیر حماس" فی النظام الصهیونی؛
3- إعادة بناء عقیدة الردع للکیان الصهیونی من خلال خلق الإرهاب؛
4- أمریکا وأوروبا تؤیدان استمرار (الاستمرار المشروط) للحرب مع حماس.
5- إدارة الصراع ومنع انتشار الحرب على المستوى الإقلیمی من قبل أطراف النزاع؛
ب: دوافع الوقف الکامل للحرب
- ارتفاع خسائر الجیش الصهیونی فی غزة أثناء تعامله مع فخاخ حماس؛
- إطلاق سراح جمیع المعتقلین لدى النظام الصهیونی من قبل حماس؛
- ضغوط الرأی العام الدولی والإقلیمیبشأن القتل الواسع النطاق للمدنیین؛
4- التدمیر الکامل للبنیة التحتیة فی غزة وتحویلها إلى أرض محروقة؛
- توسع الحرب على المستوى الإقلیمی وتدخل أمریکا لإنهاء الحرب؛
- استناداً إلى دوافع استمرار الحرب والوقف الکامل للحرب، یمکن استخلاص التصورات المستقبلیة المحتملة التالیة فی غزة للشهر المقبل:
- إن دوافع استمرار الحرب أقوى بکثیر من دوافع وقف الحرب، لذا من المتوقع أن تستمر الحرب فی غزة خلال الشهر المقبل.
- إن التغییر فی تکتیکات الحرب من قبل النظام الصهیونی له تأثیره فی خسارة هذا النظام فی غزة وإمکانیة انتشار الحرب إلى جبهات إقلیمیة أخرى.
3- ستکون هجمات النظام الصهیونی على غزة أکثر استهدافًا وبأقل عدد من الضحایا المدنیین.
- سیکون هدف العملیة العسکریة الإسرائیلیة هو تدمیر حماس، ولکن فی الواقع، تدمیر البنیة التحتیة فی غزة.
- وسیکون حجم العملیات الجویة أکبر من العملیات البریة.
- سیکون من الممکن إعادة وقف إطلاق النار لعدة أیام لتبادل الأسرى.
- وسیوفر النظام الصهیونی الأسس النفسیة للخروج من غزة فی البعد الدعائی للرأی العام الصهیونی.
- سیتبع النظام الصهیونی استراتیجیة "الأرض المحروقة فی غزة" لإنشاء منطقة عسکریة عازلة حول غزة کإنجاز عسکری فی نهایة الحرب.
- یتم رسم هذه العقود الآجلة فقط حول استمرار الحرب أو توقفها للشهر التالی وعلى أساس عشرة محرکات.
سید محمد حسینی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"