منافسة کبیرة فی العناصر الصغیرة

ومع تزاید التوترات بین الصین والولایات المتحدة الأمریکیة، فی أعقاب الأزمة الروسیة الأوکرانیة، تزایدت المخاوف بشأن تجزئة سلسلة التورید وأمن الإمدادات.
8 جمادى الأولى 1445
رویت 451
مهدی سلامی

ومع تزاید التوترات بین الصین والولایات المتحدة الأمریکیة، فی أعقاب الأزمة الروسیة الأوکرانیة، تزایدت المخاوف بشأن تجزئة سلسلة التورید وأمن الإمدادات.

وعلى الرغم من وجود تحلیلات لهیمنة الصین على العناصر المعدنیة النادرة، إلا أن الجهود التی تبذلها الجبهة الغربیة للحد من هیمنة بکین على هذه الموارد تسارعت بشکل کبیر فی السنوات الأخیرة.

وبما أن الاقتصاد الصینی تطور کثیراً فی العقود القلیلة الماضیة، فقد سعى قادتها دائماً إلى جعل البلاد لاعباً رئیسیاً فی الصناعات الإستراتیجیة المهمة. وفی هذا الصدد، حاولت الحکومة الصینیة تقدیم هذه الدولة باعتبارها المورد العالمی الرئیسی للعناصر المعدنیة النادرة والتی تشمل مجموعة من سبعة عشر معدناً أساسیاً (کقاعدة إنتاج أنظمة الأسلحة العسکریة والمرکبات الکهربائیة وأشعة اللیزر والهواتف الذکیة وعدد لا یحصى من التقنیات المتقدمة) .

 تفوق الصین فی سلسلة تورید العناصر النادرة

وفی منتصف الثمانینیات، اتخذت الحکومة الصینیة خطوات کبیرة لدعم صناعة المعادن النادرة الناشئة من خلال إصدار تخفیضات ضریبیة على الصادرات. وقد أدت هذه الامتیازات إلى خفض التکالیف بالنسبة لشرکات التعدین الصینیة وسمحت لها بالحصول على موطئ قدم فی السوق العالمیة. وفی الفترة من 1985 إلى 1995، زاد إنتاج المعادن الأرضیة النادرة فی الصین من 8500 طن إلى حوالی 48 ألف طن، وزادت حصتها فی الإنتاج المعدنی العالمی من 21.4 إلى 60.1 . بالإضافة إلى ذلک، فإن نسبة کبیرة من معالجة هذه العناصر فی العالم کله تتم فی هذا البلد.

ومع توسع قدرة التعدین فی الصین، بدأ منتجو العناصر المعدنیة النادرة فی العدید من البلدان فی نقل سلاسل إنتاجهم إلى الصین للاستفادة من انخفاض تکالیف العمالة فی البلاد واللوائح البیئیة الأکثر تساهلاً. ومع ذلک، فی عام 1990، أعلنت الحکومة الصینیة، التی اعتبرت هذه العناصر منتجات استراتیجیة، أنها منعت الشرکات الأجنبیة من استخراج الأتربة النادرة فی الصین والمشارکة الأجنبیة فی مشاریع معالجة هذه العناصر، إلا فی المشاریع المشترکة مع الشرکات الصینیة المحدودة. وقد أعطى هذا للشرکات الصینیة المساحة لاکتساب المعرفة الأجنبیة من خلال هذه الشراکات مع القضاء على المنافسة الأجنبیة من سلسلة التورید.

وبشکل عام، فإن قیمة التجارة العالمیة فی العناصر المعدنیة النزرة صغیرة نسبیاً مقارنة بالسلع الأخرى. وفی عام 2019، بلغت قیمة التجارة العالمیة لهذه العناصر 1.15 ملیار دولار فقط، وهو مبلغ ضئیل مقارنة بالسوق العالمیة للنفط الخام البالغة تریلیون دولار. ومع ذلک، وبما أن إنتاج أی منتج إلکترونی یعتمد علیه بشکل کبیر، فإن القیمة الإجمالیة النهائیة للسلع المنتجة باستخدام هذه العناصر المعدنیة مرتفعة للغایة وسیکون لها تأثیر کبیر على ساحة التجارة العالمیة. على سبیل المثال، حققت شرکة آبل وحدها، باعتبارها إحدى الشرکات المصنعة للمنتجات الإلکترونیة، نحو 394 ملیار دولار خلال العام المالی 2022.

وخلال النزاع التکنولوجی بین الصین والولایات المتحدة، رفعت بکین التعریفات الجمرکیة على العناصر النادرة فی البلاد (والمنتجات الأخرى) من 10 إلى 25 فی المائة. وبحسب ما ورد، وضعت الإدارة السابقة فی الولایات المتحدة فی عهد ترامب خططًا لفرض تعریفات جمرکیة خاصة بها على المعادن الأرضیة النادرة الصینیة، لکنها لم تنفذها أبداً بسبب مخاوف من أنها ستترک الشرکات الأمریکیة دون موردین بدیلین بأسعار معقولة. ویشعر صناع السیاسات فی الولایات المتحدة بالقلق بشکل خاص بشأن مخاطر تعطل سلسلة التورید لصناعة الدفاع الأمریکیة، التی تستخدم العناصر الأرضیة النادرة فی مجموعة واسعة من التقنیات، من السونار ومعدات الاتصالات إلى الصواریخ والمحرکات النفاثة. ووفقا لخدمة أبحاث الکونجرس الأمریکی، هناک حاجة إلى حوالی 427 کجم من العناصر المعدنیة النادرة لبناء کل مقاتلة أمریکیة متعددة المهام من طراز F-35، وتحتاج کل غواصة نوویة من طراز فیرجینیا إلى ما یقرب من 4.2 طن من هذه العناصر.

رسم بیانی لاعتماد الدول على استیراد العناصر المعدنیة النادرة من الصین

لماذا یصعب على الدول الأخرى زیادة الإنتاج؟

الأتربة النادرة وفیرة نسبیاً؛  ولکنها توجد بترکیز منخفض وعادة ما تکون مخلوطة مع بعضها البعض أو مع عناصر مشعة مثل الیورانیوم والثوریوم. والخواص الکیمیائیة لهذه العناصر تجعل من الصعب فصلها عن العناصر المحیطة بها کما أن معالجتها تنتج نفایات سامة. وقد مکنت المعاییر البیئیة الأسهل فی الصین البلاد من تعزیز هیمنتها على الصناعة فی العقود الأخیرة مع ابتعاد المصنعین الغربیین عن الصناعة.

وبحسب خبراء غربیین، أظهرت بکین استعدادها لاستخدام ثقلها فی الصناعة العالمیة للعناصر المعدنیة النادرة لتحقیق أهدافها السیاسیة؛ ولذلک، فی المقابل، زادت الدول الغربیة دعمها لتعزیز الإنتاج المحلی من العناصر المعدنیة الحیویة النادرة. وفی الآونة الأخیرة، قامت أسترالیا وکندا والاتحاد الأوروبی والولایات المتحدة بوضع سیاسات وحزم دعم لقطاعاتها المعدنیة الحیویة.

منظور سلسلة التورید للعناصر النادرة

ومن المتوقع فی المستقبل أن یزداد الطلب على العناصر النادرة بشکل کبیر حتى عام 2030 وما بعده، وستستمر الصین فی الریادة فی هذا المجال ؛ ومن المثیر للاهتمام أن شرکة BYD الصینیة أصبحت من أکبر منتجی السیارات الإلکترونیة بمفردها بسبب امتلاکها السلسلة الکاملة من المواد والعناصر الأولیة اللازمة لإنتاج بطاریات السیارات الکهربائیة؛ فی حین أن شرکة تیسلا الأمریکیة تعتمد بشکل کامل على أطراف ثالثة فی هذا الشأن.

إلى جانب إحصائیات استخراج 60% من العناصر النادرة فی الصین، فإن حوالی 90% من مرحلة معالجة هذه المواد تتم فی هذا البلد. ویبدو أن جهود الدول الغربیة والولایات المتحدة لتقلیل اعتمادها على الصین فی هذا الصدد لن تنجح على المدى القصیر بسبب خطر تعطیل السلسلة الواسعة لهذه الصناعة. ومن المرجح أن تحاول هذه البلدان تدریجیا تنویع مصادر وارداتها، وزیادة القروض لاستیعاب هذه الصناعة وتحسین التکنولوجیات اللازمة وتدریب القوى العاملة المتخصصة للحد من اعتمادها.

وعلى الرغم من الجهود الغربیة لمواجهة هیمنة الصین على الموارد النادرة، فمن المرجح أن تهیمن الصین على سلسلة التورید لهذه العناصر بحلول عام 2030. وبطبیعة الحال، من الممکن أنه على الرغم من إقرار "قانون خفض التضخم" فی الولایات المتحدة الأمریکیة و"قانون المعادن الحرجة" فی الاتحاد الأوروبی، فإن عامی 2022 و2023 سیشکلان نقطة تحول فی التزام معظم الدول من هذه الدول جبهة لتنویع سلسلة التورید الصینیة من العناصر النادرة. وفی قصة النزاع حول التعریفات التجاریة بین الولایات المتحدة والصین، رأینا أیضًا أن کلاً من هذین البلدین استفاد من مزایاهما کأداة موازنة للنزاعات التجاریة.

والآن، یدرک رجال الدولة الصینیون جیداً تفوقهم الاستراتیجی ویحاولون استخدامه بأفضل طریقة لتعزیز مصالحهم مع الحفاظ على موقعهم قدر الإمکان وطالما کانت لهم الید العلیا. وفی هذا الصدد، ستکون هناک منافسة کبیرة بین الدول الغربیة والصین فی العناصر الصغیرة.

 مهدی سلامی

 "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است