ویذکرنا عقیدة العمودین التوأمین باستراتیجیة إدارة نیکسون للحفاظ على النظام اللیبرالی فی الخلیج الفارسی بعد انسحاب إنجلترا من المنطقة فی عام 1969، وهو ما أطلق علیه اسم عقیدة "العمودان التوأم لنیکسون". فی عام 1969، کانت الحکومة الأمریکیة هی زعیمة الکتلة الغربیة فی هیکل النظام ثنائی القطب للنظام الدولی، وبعد أن ألزم البرلمان البریطانی الحکومة بالانسحاب من الخلیج الفارسی، رأى طریقین للأمام؛ فإما أن یحل محل إنجلترا فی الخلیج العربی، أو أن یترک مهمة حفظ النظام لحلفائه. ولم یکن هناک طریق ثالث أیضاً لأن فراغ السلطة فی الخلیج العربی ملأه بلا شک السوفییت أو الدول التابعة لهم. إدارة نیکسون، التی تعرضت لضغوط شدیدة من الرأی العام والکونغرس بسبب الهزیمة فی فیتنام، ولم یکن من الممکن التواجد فی الخلیج الفارسی، فاختار الطریق الثانی وعهد بحفظ النظام فی المنطقة إلى إیران والمملکة العربیة السعودیة بعقیدة الدکترین العمود التوأم. ومن الناحیة العملیة، کانت إیران هی الفاعل الرئیسی فی فرض النظام، لأن المملکة العربیة السعودیة لم تکن قادرة حتى على حمایة نفسها دون دعم الولایات المتحدة ولکن بما أن کبح القوى الإقلیمیة من خلال "موازنتها مع بعضها البعض" هو الأساس النظری للحفاظ على الهیمنة الأمریکیة، فإن کبح قوة إیران یجب أن یتم أیضاً عن طریق إضافة قوة إلى توازن المملکة العربیة السعودیة. وکانت أمریکا راضیة للغایة بشکل عام، واستفادت من مبدأ الرکیزتین الذی طرحه نیکسون فی الخلیج الفارسی. ما هی المصالح الأمیرکیة فی مبدأ الصداقة الذی تبناه نیکسون؟
➢ أولاً؛ لم یکن هناک فراغ فی السلطة بعد إنجلترا.
➢ ثانیاً؛ لم تکن هناک حاجة للوجود المکلف للقوات الأمیرکیة فی المنطقة.
➢ ثالثاً؛ تم إنشاء دول جدیدة تم تحدیدها فی قائمة الکتلة الغربیة
➢ رابعاً، تم تحقیق الاستقرار النسبی فی المنطقة.
➢ خامساً، تم تقیید العراق والیمن باعتبارهما عمیلین للسوفییت فی منطقة الخلیج العربی.
➢ سادساً، تم خلق حصانة أمنیة لإیران حلیفة الولایات المتحدة.
➢ سابعاً؛ وتم الحفاظ على أمن الطاقة، خاصة بعد الحظر النفطی العربی على إسرائیل والغرب، وفی عام 1973 أصبحت إیران المصدر الرئیسی للنفط إلى الغرب؛
➢ وأخیرا ثامناً؛ کما ارتفعت العتبة الأمنیة للکیان الصهیونی.
أحد التوجهات الأمنیة والسیاسیة المستقبلیة فی الشرق الأوسط والتی بدأت فی عهد إدارة أوباما وبعد إخفاقات أمیرکا فی العراق وأفغانستان، هو تغیر نمط التدخل الأمیرکی من استراتیجیة «التوازن المباشر إلى التوازن عن بعد» أو استراتیجیة «التوجیه عن بعد». العملیة التی اتبعت فی إدارة ترامب وبایدن. وفی هذا النموذج، تتم متابعة مصالح أمیرکا الإقلیمیة من خلال حلفاء أمیرکا فی الشرق الأوسط. سیاسة أو استراتیجیة تُعرف أیضًا باسم "الاستعانة بمصادر خارجیة" لأمریکا فی المناطق. بالنسبة للحکومة الأمریکیة، تعد المملکة العربیة السعودیة والنظام الإسرائیلی أقرب الحلفاء الإقلیمیین للعب دور الوکیل. کما تبحث حکومة بایدن عن استراتیجیة ذات إحداثیات عقیدة الصداقة مع دور إسرائیل والمملکة العربیة السعودیة. الوضع السیاسی والأمنی فی المنطقة یشبه إلى حد کبیر الوضع فی السبعینیات. وتعتزم أمریکا تعزیز الاتجاهات الأمنیة فی المنطقة من خلال النظام الصهیونی، والاتجاهات الاقتصادیة بدعم مالی من السعودیة من خلال عقیدة بایدن تعتبر عملیة التطبیع العربی والکیان الصهیونی أحد المحرکات الرئیسیة لعقیدة بایدن وأحد أسباب دعم أمریکا لتطبیع العرب والکیان الصهیونی ینبغی أن یسمى "التطبیع"؛ کان بیشکرافال دوستونی على علم بذلک.
إن عملیة اقتحام الأقصى وحرب غزة حدثان عطلا بعض التوجهات الإقلیمیة، وأبطأ بعضها وسرعا بعض التوجهات الأخرى. وتحدیداً، فإن عاصفة الأقصى "أرجأت" عملیة التطبیع العربی، لکنها لم توقفها. بل إن الحدث المهم المتمثل فی حرب غزة زاد من دوافع العرب، وخاصة دوافع النظام الصهیونی لمواصلة عملیة التطبیع. وفی الوقت الحالی، أدت حدة الأزمة فی الأراضی المحتلة وضغوط الرأی العام إلى تأجیل عملیة التطبیع، لکن محرکات عملیة التطبیع لا تزال قائمة، بل وتعززت، لذلک سیتم إحیاء هذه العملیة فی المستقبل.
لکن السؤال هو: ما هی أهداف إعادة صیاغة عقیدة بایدن ذات الرکیزتین فی المنطقة؟!
أولاً وقبل کل شیء، کانت هزیمة أمیرکا فی أفغانستان والتکالیف الباهظة التی تکبدتها أمیرکا فی العراق سبباً فی الحد من إمکانیة التواجد الأمیرکی المباشر فی المنطقة لذلک، منذ عهد باراک أوباما، وضعت الحکومة الأمیرکیة سیاسة الحد من التدخل المباشر فی المنطقة على جدول أعمالها وحلت سیاسة «الموازنة عن بعد» أو «التوجیه عن بعد» تدریجیاً محل التدخل الأمیرکی المباشر.
استراتیجیة أمیرکا فی إدارة ترامب اتبعت بطریقة مختلفة، وبایدن أیضاً یتبع نفس سیاسة أوباما. ویضمن مبدأ إمکانیة الوجود الأمیرکی غیر المباشر فی المنطقة، کما أنه سیقلل من ضعف أمیرکا فی المنطقة.
ثانیاً؛ والیوم، تستحضر بنیة القوة فی الشرق الأوسط أیضاً البنیة الثنائیة القطبیة للحرب الباردة. مواجهة حلفاء أمیرکا مع جبهة المقاومة هی الأساس لإعادة إنتاج البنیة الثنائیة القطبیة.
ثالثاً؛ ویشعر النظام الصهیونی بعدم الأمان الشدید على جبهة المقاومة، خاصة بعد اقتحام الأقصى، ویتوقع أن تتخذ الولایات المتحدة إجراءات عملیة لزیادة عتبته الأمنیة.
رابعاً؛ إن احتواء إیران کزعیمة لجبهة المقاومة یتطلب استراتیجیة إقلیمیة بمشارکة النظام الصهیونی والعرب والولایات المتحدة.
خامساً: بهذه الاستراتیجیة سیتقدم أیضاً مشروع التطبیع بین العرب وإسرائیل بشکل أفضل فی بیئة أمنیة ثنائیة القطب بین جبهة المقاومة والعرب المنحازین لأمیرکا.
سادساً، سیصبح تعطیل سیاسة الجوار الإیرانیة وتشدید العقوبات ضد إیران أکثر فعالیة مع عقیدة بایدن ذات الرکیزتین وسیضع الدول العربیة فی الخط الأول من العقوبات ضد إیران.
سابعاً؛ محدودیة مساحة التصرف للصین وروسیا فی هذا المذهب.
ثامناً، فی ظل عقیدة بایدن ذات الرکیزتین، سیتم تأجیل النظام الإقلیمی الداخلی وسیتم توسیع إمکانیة التدخل الأمریکی فی النظام الإقلیمیبشکل غیر مباشر.
تاسعا، ستکون عقیدة بایدن ذات الرکیزتین بمثابة اختبار فی الشرق الأوسط حتى یمکن تنفیذ هذه الاستراتیجیة فی مناطق أخرى من قبل العملاء الأمریکیین.
سید محمد حسینی، خبیر أول فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"