وبعد أن منعت الولایات المتحدة الأمریکیة مراراً واستخدمت حق النقض (الفیتو) ضد القرارات التی اقترحتها دول مثل البرازیل وروسیا والإمارات العربیة المتحدة فی مجلس الأمن فی الأسابیع الأخیرة، والتی دعت إلى وقف الأعمال العدائیة لإرسال المساعدات الإنسانیة إلى غزة، فإن الولایات المتحدة اقترحت الجمعیة العامة للأمم المتحدة أن الدول العربیة، بناءً على قرار "الاتحاد من أجل السلام"، قررت عقد "جلسة خاصة طارئة" حول حرب غزة.
التحالف من أجل حل السلام اخترعته الولایات المتحدة خلال الحرب الکوریة (1950) کوسیلة لتجاوز حق النقض للاتحاد السوفییتی، لکنه فی الوقت الحاضر یستخدم ضد الدولة نفسها وحلیفتها المجرمة ( اسرائیل النظام الحاکم).
وینص هذا القرار على ما یلی: "إذا لم یتمکن مجلس الأمن الدولی فی بعض الحالات من اتخاذ الإجراء المناسب بسبب حق النقض من قبل أحد أعضائه الدائمین عندما یکون هناک تهدید للسلام أو خرق للسلام أو عمل من أعمال العدوان، فإن مهمة المجتمع الدولی السلام والأمن یقعان على عاتق الجمعیة العامة للمنظمة" للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وفی هذه الحالة، تتعامل الجمعیة العامة على الفور مع هذه القضیة ویمکنها حتى أن توصی بحلول مثل استخدام القوة العسکریة، التی تبدو ضروریة، للحکومة أو الحکومات المعنیة لاستعادة السلام والأمن الدولیین.
وجاء قرار عقد هذه الدورة الاستثنائیة للجمعیة العامة بناء على طلب الأردن رئیس "مجموعة الدول العربیة" وموریتانیا رئیس "مجموعة التعاون الإسلامی" فی الأمم المتحدة فی نیویورک. وهذا القرار، الذی یدعو إلى وقف فوری لإطلاق النار لأسباب إنسانیة ووقف الأعمال العدائیة فی غزة، تمت الموافقة علیه مساء الجمعة 5 نوفمبر/تشرین الثانی، بأغلبیة 120 صوتا مقابل 14 صوتا معارضا وامتناع 45 عضوا عن التصویت. وکان النظام الصهیونی والولایات المتحدة من بین الدول التی صوتت ضد هذا القرار.
وعلى الرغم من أن قرارات الجمعیة العامة لا تشکل التزامًا قانونیًا على الدول الأعضاء، إلا أنها لا تزال مهمة من أبعاد مختلفة؛ أولا، إن الموافقة على مثل هذه القرارات فی الجمعیة العامة بأغلبیة الأصوات (120 دولة) تعکس الرغبات العامة للدول الأعضاء فی الأمم المتحدة ومطالب المجتمع الدولی من الأطراف المتحاربة ومؤیدیها، وبالتالی مثل هذه القرارات إن هذه المبادئ لها وزن سیاسی وأخلاقی. وعدم الالتزام بها قد یؤدی إلى تکالیف سیاسیة وهیبة للدول المذنبة. ولذلک فإن هذا القرار یضع النظام الصهیونی تحت ضغط الرأی العام العالمی، وإذا تجاهله هذا النظام فإنه سیدمر سمعته وصورته أکثر.
ومن الجوانب الأخرى لأهمیة هذا القرار الحفاظ على هیبة الأمم المتحدة وزیادتها. وفی الوضع الذی أدى فیه استخدام الولایات المتحدة المتحیز وغیر الفعال لحق النقض فی الأسابیع الأخیرة إلى منع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من اتخاذ إجراءات بناءة والوفاء بواجباته المتأصلة فی الحفاظ على السلام والأمن وحمایة الحقوق الأساسیة للمدنیین العزل فی غزة، أظهر هذا القرار أن هذا هی «القوة» الوحیدة، ولیس «امتیاز النقض» صاحب الکلمة الأولى والأخیرة على الساحة الدولیة؛ بل یمکن للدول الأخرى التی هی فی مرتبة أدنى من حیث القوة أن تکون فعالة أیضا ً فی الأمم المتحدة وتقف أمام القوى الدولیة التی تنتهک میثاق الأمم المتحدة.
وبالطبع، قبل صدور هذا القرار، حاول الأمین العام للأمم المتحدة السید أنطونیو غوتیریش أیضًا التعامل مع مختلف جوانب اقتحام الأقصى بموقف محاید نسبیاً فی جلسة مجلس الأمن الدولی بشأن فلسطین. ، وبالإشارة إلى أصول تشکل عاصفة الأقصى، وبالتوازی مع مطالب الرأی العام العالمی، التأکید على حقوق الشعب الفلسطینی وإظهار الاستقلال النسبی للأمم المتحدة؛ وهو إجراء لا یکفی بالنظر إلى حجم العنف والقتل الجماعی الذی ترتکبه إسرائیل فی قطاع غزة، لکنه محترم فی سیاق الحرب الناعمة الواسعة التی یمارسها النظام الصهیونی والابتزاز الدعائی الذی یمارسه هذا النظام ضد حماس وسکان قطاع غزه.
لکن جانبا آخر من أهمیة قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة هو خروج الدول العربیة من حالة التقاعس والصمت أمام انتهاک حقوق الشعب الفلسطینی؛ وکان الأردن ومصر من رواد المصالحة السیاسیة والسلام مع النظام الإسرائیلی، وقبل بدء اقتحام الأقصى، کانت بعض أهم الدول العربیة، بما فیها المملکة العربیة السعودیة، تحاول إقامة علاقات دبلوماسیة مع إسرائیل فی الشرق الأوسط. شکل حلف إبراهیم، وکانوا یستعدون للرحیل، وکانوا یغتصبون شهر عسل عاطفی مع هذا النظام. ولکن الآن، وبعد أکثر من 20 یوماً من حرب غزة، أصبح من الواضح لهذه الدول أن لا حکومة إسرائیل الیمینیة تحترم حقوق شعب غزة، ولا مؤیدوها الغربیون هم الحماة الحقیقیون لحقوق الإنسان وحقوق الإنسان. حقوق الأطفال. ومن خلال التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج، حاولت الدول العربیة الاستفادة من قرار التحالف من أجل السلام، والتخلی عن نهجها السلبی تجاه إسرائیل، ولعب دور أکثر جدیة لإنهاء معاناة وأحزان أهل غزة.
زیارة وزیر خارجیة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة إلى نیویورک رغم الضغوط السیاسیة لممثلی الجمهوریین فی الکونغرس الأمریکی وحضوره وکلامه فی اجتماع الجمعیة العامة للأمم المتحدة حول تطورات المنطقة وفلسطین کما یظهر التصمیم الجاد للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على المشارکة الفعالة فی هذه الأزمة الإقلیمیة والتعاون مع الدول العربیة والإسلامیة الأخرى بهدف إنهاء جرائم إسرائیل فی غزة. وبشکل عام، یمکن القول إن اجتماع الجمعیة العامة هذا والقرار الذی صدر فیه یمثل فرصة مهمة وحیویة للمجتمع الدولی والدول الساعیة إلى الحقوق، لإظهار جدیتهم وتصمیمهم على اتخاذ الإجراءات الأساسیة لضمان حمایة المدنیین وإیصال المساعدات الإنسانیة إلى قطاع غزة دون عوائق.
محمد مهدی مظاهری أستاذ جامعی
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"