الحجاب الإسلامی أمر مستمد من القرآن والفقه الإسلامی، ویوصى به بشکل خاص للنساء فی الإسلام. وبطبیعة الحال، الحجاب یستمد أحیانا من أحکام الشریعة وأحیانا یرتبط بالقوانین الاجتماعیة. على مر التاریخ، تم استخدام الحجاب فی المجتمعات الإسلامیة، لیس بالمعنى القانونی، ولکن بالمعنى الأخلاقی. لکن فی العصر المعاصر، یتم تعریف الحجاب أو حظر الحجاب فی المجتمعات فی إطار القوانین المدنیة.
ومن الناحیة الدولیة، یُطلق على الیوم الأول من شهر فبرایر اسم یوم الحجاب العالمی فی العالم. على الرغم من أنها مناسبة غیر رسمیة؛ إلا أنه یقام کل عام فی الأول من فبرایر، الموافق 12 بهمن، فی أکثر من 100 دولة حول العالم. تأسس الیوم العالمی للحجاب لأول مرة عام 2013 بمبادرة من امرأة مسلمة من أصل بنجلادیشی تعیش فی أمریکا تدعى "نظمة خان" والتی تعرضت للتمییز والشتائم بسبب حجابها، ومنذ ذلک الحین، یقام کل عام بمشارکة المزید من النساء حول العالم.
وفی هذا الیوم تحدد المرأة المسلمة والمحجبة الحجاب وأهمیته ووظیفته من خلال إقامة البرامج الثقافیة والفنیة وتنظیم التجمعات، وفی بعض البلدان، یُطلب من النساء غیر المسلمات من دیانات مختلفة قضاء یوم مرتدیات الحجاب والتعبیر عن تجربتهن فی ارتداء الحجاب. والغرض من إقامة هذا الیوم هو تصحیح أی مفاهیم خاطئة حول الحجاب والمرأة المسلمة بشکل عام، ولمواجهة الإسلاموفوبیا، وتعزیز العفة، وإیصال الرسالة إلى نساء العالم بأن الحجاب لا یعیق النشاط الاجتماعی.
التعامل مع الحجاب فی البلدان
تونس وترکیا الحکومتین الوحیدتین اللتین حظرتا الحجاب فی المدارس العامة والجامعات والمکاتب، حیث أن أغلبیة السکان مسلمة. وفی سوریا، قبل عام 2010 وبدایة الربیع العربی، کان لبس النقاب محظوراً فی جامعات هذا البلد. تم رفع هذا القید خلال الاضطرابات وبدایة الحرب الأهلیة فی سوریا. ومن ناحیة أخرى، فی الحکومات الإسلامیة مثل المغرب، هناک قیود على النساء المحجبات لأنهن یعتبرن الحجاب دلیلاً على الفکر السیاسی الإسلامی أو مبادئ الحکومة المناهضة للعلمانیة.
لقد أصبح الغطاء و اللبس، وخاصة غطاء رأس المرأة المسلمة، علامة واضحة على وجود الإسلام فی أوروبا الغربیة. وقد تسببت هذه القضیة فی خلافات سیاسیة واقتراحات بشأن فرض قیود على الحجاب بین عدد من الحکومات.از ومن بین أمور أخرى، أقر البرلمان الهولندی قانون "حظر غطاء الوجه". وقد تم إقرار قوانین مماثلة فی فرنسا وبلجیکا. وهناک حکومات أخرى لدیها قوانین مماثلة أو تحظر الحجاب. بعضها یشمل فقط أغطیة الوجه مثل النقاب والبرقع، وبعضها یتعلق بالملابس التی تحمل علامة إسلامیة.
ومن ناحیة أخرى، وفی نهج متطرف وضد المواقف المناهضة للحجاب، نفذت جماعات مثل طالبان قضیة البرقع وافتقار المرأة إلى النشاط الاجتماعی بطریقة متطرفة. وحتى تعلیم الفتیات فی المدارس الابتدائیة مُنع.
الحجاب هو أداة لمناهضة الإسلام
ومن خلال دراسة قضیة الإسلاموفوبیا فی العالم الغربی، والتی بلغت ذروتها بعد حادثة 11 سبتمبر، أصبح الحجاب أساس معاداة الإسلام وأثار الحساسیات بشکل أکبر فی الدول الغربیة. بحیث المرأة هی التی تعانی أکبر الضرر من قضیة معاداة الإسلام.
وفی ظل الاتجاه المتزاید لمعاداة الإسلام فی الغرب، شهدنا فی السنوات الأخیرة إدخال قوانین جدیدة، وإهانات لنبی الإسلام (ص)، وإهانات للمقدسات، بما فی ذلک بدء عملیة حرق القرآن فی أوروبا. ومن بین هذه الأمور یمکن أن نذکر أیضًا مواجهة أی مظهر دینی، بما فی ذلک الحجاب.
ومع تزاید عدد الهجمات المعادیة للإسلام والهجمات المناهضة للإسلام، یزداد عدد النساء اللاتی کن أهدافًا لهذه الهجمات. ویمکن تحلیل هذه الهجمات من أربعة جوانب فی العالم الغربی:
1 - تیارات نسویة تعتبر الحجاب اضطهادا للمرأة وانتهاکا لحقوقها.
.2 - النظرة السلبیة للمسلمین، والتی تزایدت خاصة بعد الهجمات الإرهابیة.
.3- وتضاعف معدل العنف ضد المرأة، خاصة بعد انتشار کورونا.
.4- اکتساب قوة الأحزاب الیمینیة المتطرفة فی العالم والتی یتمثل جوهرها المرکزی فی مناهضة الهجرة.
النظر إلى إیران من منظور الحجاب
وفی إیران، یعد اکتشاف الحجاب واحدًا من سلسلة الأحداث التی حدثت بعد الموافقة على قانون فی 17 ینایر 1314 فی إیران، والذی منع بموجبه النساء والفتیات الإیرانیات من ارتداء الحجاب والحجاب. کان قانون الحجاب ذروة سیاسات بهلوی الأولى فی مجال تغییر الملابس، والذی بدأ عام 1307. أثارت هذه السیاسات ردود فعل، بما فی ذلک انتفاضة مسجد جوهرشاد. وکانت شدة الدعایة ضد الحجاب واسعة النطاق لدرجة أن العدید من النساء المتدینات اللاتی واجهن مشکلة حظر ارتداء الحجاب انعزلن، کما ابتعدت بعض النساء اللاتی لدیهن أنشطة اجتماعیة عن هذه الأنشطة، ولذلک، وبناء على طلب العلماء، تم إلغاء القانون المذکور عام 1323 خلال الفترة البهلویة الثانیة. وهکذا، فی إیران، لم یصل الإجبار على خلع الحجاب فی عهد بهلوی الأول، على الرغم من القوانین الصارمة التی کانت مطبقة فی البلاد فی عهد رضا بهلوی، إلى نتیجة. ویعود السبب فی ذلک إلى الجذور الدینیة والثقافة الإسلامیة لدى العائلات الإیرانیة. ولهذا السبب انخفضت مشارکة المرأة وحضورها الاجتماعی فی المجتمع خلال تلک الفترة.
وتشیر الإحصائیات إلى أنه حتى فی الفترة البهلویة الثانیة، کانت الفتیات الإیرانیات أقل إصرارًا على مواصلة دراستهن الجامعیة أو اهتمامًا بالعمل والمشارکة فی المجتمع. بینما بعد الثورة الإسلامیة فی إیران، زادت مشارکة الفتیات فی التعلیم المستمر من 25% فی خمسینیات القرن الرابع عشر إلى 60% فی تسعینیات القرن الرابع عشر. وتعتبر هذه الرغبة نتیجة لملاءمة البیئة الاجتماعیة لوجود المرأة فی المجتمع.
ومن خلال دراسة النهج المناهض لإیران، شهدنا أنه بعد انتصار الثورة الإسلامیة مباشرة، کان على إیران الدفاع عن البلاد لمدة 8 سنوات. وبما أن جهود إضعاف إیران عبر طریق "الحرب الکلاسیکیة" لم تنته لصالح العالم الغربی، فقبل أن تتمکن إیران من إعادة بناء وضعها الاقتصادی فی فترة ما بعد الحرب، فُرضت حرب أخرى على إیران على شکل " حرب اقتصادیة".ابتلیت البلاد بالعقوبات الاقتصادیة العدیدة والمتعاقبة من کل من الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی. العقوبات التی لم تستهدف اقتصاد البلاد فحسب، بل استهدفت أیضًا صحة المجتمع.
ومع مقاومة إیران للعقوبات والتأکید على الاکتفاء الذاتی واقتصاد المقاومة وفشل الدول الغربیة فی إرغام إیران على الرکوع، تم تصمیم الحرب الثالثة وبدأت، وهی "الحرب الاجتماعیة". بدأت هذه الحرب بالاحتجاج على قانون الحجاب. ورغم أن الحجاب لا معنى له بالنسبة لمخططی الحرب، إلا أنه یعتبر أفضل أداة للتحریض على خلق الفتنة الاجتماعیة.
والسؤال الذی یمکن أن یطرح فی المجتمع الإیرانی الیوم هو، أی من النساء الإیرانیات لم تحقق رغباتها مع قانون الحجاب فی الجمهوریة الإسلامیة؟آیا هل تم منعهم من الالتحاق بالجامعة؟ وهل منعوا من العمل فی وظائف مختلفة بسبب الحجاب؟ هل هی ممنوعة فی مجال الریاضة والفن والموسیقى والأنشطة الیومیة العادیة بما فی ذلک الحصول على رخصة القیادة؟ ومن المؤکد أن أیاً منها لم یعیق النمو الاجتماعی للمرأة فی المجتمع. وحتى الإحصائیات تشیر إلى أن تحقیق الاستقلال المالی لدى النساء قد زاد بعد الثورة الإسلامیة.
ولذلک فإن إیران، بمجتمعها الذی یتمیز بالتنوع العرقی واللغوی، استطاعت أن تکون متماسکة ومتقاربة مع الوحدة الدینیة لسنوات عدیدة. بهذه الطریقة، یجب فهم جذور الدعایة السلبیة وتلوین وجه إیران من أجل خلق بیئة ثنائیة القطب وسیناریوهات محددة من الخارج.
معصومة سیف أفجه ای، مدیرة قسم حقوق الإنسان ودراسات المرأة
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"