یرى هانز مورجینث أن الدولة کیان موحد ، له وظیفة محددة تتمثل فی "الحفاظ على بقاء الأمة" ، ویعمل على أساس المصلحة الوطنیة. وللحفاظ على البقاء جوانب مختلفة ، تبدأ من الأمن وتنتهی عند أعلى مستوى ، وهو الحفاظ على نوعیة الحیاة فی أبعادها المادیة والروحیة.
الحکومات الناضجة إنهم یرون الثقافة والتعلیم والصحة ورفاهیة مواطنیهم على أنها جوانب للحفاظ على بقاء البلاد. کما یعتقد مورجینث أن الدولة التی توجه أفعالها فی السیاسة الخارجیة ؛ إنها تضع "مصالحها الوطنیة" الخاصة بها ، کما أنها تضع جانباً المصالح الوطنیة للدول الأخرى. لذلک ، فإن تفاعل الدول على أساس المصالح الوطنیة یؤدی إلى أنظمة جوار وإقلیمیة ودولیة تخلق السلام والاستقرار وتؤدی إلى تفاعل الدول مع بعضها البعض.
إن الوضع الذی یرسمه مورجینث للعلاقات التفاعلیة بین البلدان التی تسترشد بمصالحها الوطنیة آخذ فی الظهور تدریجیاً فی منطقة غرب آسیا. یتزاید تفضیل دول المنطقة من الحکومات الوظیفیة "القائمة على الأمن والرفاهیة". کما حددت الحکومات غیر المنتخبة والنظام الملکی للمنطقة بقائها على بقائها فی لعب دور الدولة الوظیفیة. بعد التکالیف الباهظة التی دفعتها حکومات المنطقة فی أعقاب الثورات العربیة ، والطاقة التی تم أخذها من مختلف الفاعلین فی أزمات سوریا ولبنان والیمن والعراق ولیبیا والسودان وأفغانستان وغیرها على شکل التعریة؛ أیضاً، انعدام الثقة وربما خیبة الأمل التی وجدتها حکومات المنطقة ، وخاصة حلفاء أمریکا الإقلیمیین ، تجاه إدارة ترامب وإلى حد ما بایدن ؛ أصبحت الحاجة إلى الحفاظ على السلام والاستقرار فی منطقة غرب آسیا بمشارکة فاعلین فاعلین فی هذه المنطقة أکثر وضوحا من ذی قبل. تمثل المبادرات السیاسیة والتعاون الاقتصادی الذی شهدناه فی المنطقة فی العامین الماضیین وعداً بنظام إقلیمی جدید فی غرب آسیا ، مؤسسوها هم لاعبون إقلیمیون بشکل أساسی.
یمکن تفسیر زیارة أردوغان للسعودیة والإمارات من وجهة النظر هذه. إن رغبة ترکیا والسعودیة والإمارات فی توسیع العلاقات الاقتصادیة والسیاسیة مع بعضها البعض هی بدایة مسیرة تبدأ بالتعاون الاقتصادی وتنتشر تدریجیاً فی المجالات السیاسیة والأمنیة والثقافیة.
- تظهر نتائج الانتخابات فی ترکیا والمسوح الموثوقة للمجتمع الترکی أن الاستقطاب السیاسی فی المجتمع الترکی بین الإسلامیین واللیبرالیین آخذ فی التعمق ، وتسعى حکومة أردوغان إلى توسیع العلاقات مع الدول الإسلامیة من أجل الحفاظ على رأسمالها الاجتماعی ، أی للحفاظ على رضا الإسلامیین.
- أظهرت حکومة أردوغان أنها مرنة للغایة فی السیاسة الخارجیة ویمکنها تغییر الاتجاهات وفقاً لمصالحها. سوریا والعراق وإسرائیل أمثلة على التغییر فی سلوک حکومة أردوغان فی السنوات الأخیرة. کما أن تجربة حکومة أردوغان فی عدم کفاءة حکومتی الإخوان فی مصر وتونس دفعت ترکیا إلى إعادة النظر فی سیاساتها المناهضة للعثمانیین. ترید حکومة أردوغان ظهور حکومات الإخوان فی المنطقة ، لکنها غیر مستعدة لدفع ثمن ظهور حکومات الإخوان واستمرارها. وبناءً على ذلک ، أوضحت حکومة أردوغان للدول العربیة ، بما فی ذلک الإمارات ، أنها فی دعمها وعدم دعمها للإخوان فی دول أخرى ، بما فی ذلک الإخوان فی الإمارات ، قد وضعت توازناً مادیاً أمامها ولیس لدیها أی التزام أیدیولوجی.
- نفس المیزان المادی یملی على حکومة أردوغان ، فی الوضع الحالی ترکیا بحاجة إلى أکثر من أی شیء لجذب الاستثمار الأجنبی وحل الأزمات الاقتصادیة. سیساعد توقیع العقود التجاریة والاستثماریة مع الإمارات والسعودیة على تقلیل الأزمات الاقتصادیة فی ترکیا.
- احتل و اشغل تآکل الحرب فی أوکرانیا، أوروبا. یُظهر سلوک السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة بعد مغادرة أفغانستان ، والحرب فی أوکرانیا ، والمنافسة مع الصین أیضاً أن الولایات المتحدة قد تخلت تماماً عن نموذج التدخل المباشر فی المنطقة ، وفی أفضل الأحوال ، تتبع سیاسة الموازنة الخارجیة. تظهر هذه التطورات أنه بالإضافة إلى تغییر النظام الدولی على المستوى المنهجی ، هناک نظام إقلیمی جدید یتطور أیضاً فی غرب آسیا ، حیث أن ترکیا والمملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة على استعداد للتعاون مع بعضها البعض لإنشاء النظام المطلوب فی المنطقة.
- ما یمیز النظام الجدید هو أن "النظام المهیمن" لا یقوم على ممارسة سلطة جهة فاعلة أو أکثر ، بل هو "نظام متوازن".أی أن مجموعة التحالفات والائتلافات ستشکل النظام المستقبلی للمنطقة. تعاون ترکیا مع المملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة هو رغبتهما فی تشکیل تحالف إقلیمی جدید من أجل أن یکون لها نصیب أکبر فی هذه العملیة.
- سیتم تشکیل النظام المستقبلی بناءً على میزة الدول فی الأبعاد الاقتصادیة ومساهمتها فی شبکة التجارة الدولیة. لذلک ، تحاول ترکیا والإمارات والسعودیة الاستفادة من میزة نسبیة أخرى فی التجارة الدولیة من خلال إقامة تعاون تجاری واقتصادی.
- لا ترید ترکیا تسلیم سوق الاستثمار فی الإمارات والسعودیة لإسرائیل. فی عملیة التطبیع ، تتبع إسرائیل دوافع مختلفة ، أحدها المشارکة فی الخطة الاقتصادیة والتجاریة لدول الخلیج العربی.
- شجع استثمار الصین فی دول الخلیج العربی وقرار طهران والریاض على تهدئة التوتر حکومة أردوغان على توسیع العلاقات الاقتصادیة والسیاسیة مع الإمارات العربیة المتحدة والمملکة العربیة السعودیة.
سید محمد حسینی ، کبیر الخبراء فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"