یمر الوجود السلمی للصین فی منطقة غرب آسیا وخاصة منطقة الخلیج العربی بعملیة زاحفة ومتزایدة بینما تم تعریف هذه المناطق على أنها مجال الحلفاء الغربیین والأصدقاء والمصالح الأمریکیة منذ العقود التی تلت الحرب العالمیة الثانیة. تسبب وقوع الثورة الإسلامیة فی إیران وانسحاب القوات الأمریکیة من لبنان والعراق وأفغانستان والسعودیة والحرب فی الیمن وغیرها ، فی تقلیص اعتماد دول هذه المنطقة على الغرب وأمریکا والبحث عن حلفاء جدد التی یمکن أن تملأ الفراغ فی أمریکا ولدیها القدرة على توفیر مصالحها الحیویة.

النمو الاقتصادی المرتفع للصین فی العقود الثلاثة الماضیة جعل هذا البلد یحتل المرتبة الثانیة فی الاقتصاد العالمی‌بل ویصل إلى المرکز الأول فی العالم فی بعض المؤشرات. استمر هذا الاتجاه مع بعض الصعود والهبوط ، وجعلت میول دول العالم نحو الصین من وجود الصین الهادئ والصامت فی جمیع أنحاء العالم ، وخاصة فی غرب آسیا ، أکثر واقعیة کل یوم. حتى الاستیاء والاشمئزاز العالمیین الناجمین عن أصل انتشار فیروس کووید-تسعة عشر  فی الصین ، والذی أطلق علیه دونالد ترامب اسم الفیروس الصینی فی ذلک الوقت ، لم یبطئ  العملیة و الحرکة العالمیة للصین.

          هناک مثل شهیر یقول إنه قبل الوصول إلى مفترق الطرق ، الصینیون یضغطون على الدلیل الأیسر لکنهم یتجهون یمیناً. بعبارة أخرى ، یسعى الصینیون إلى زیادة حضورهم الشامل فی الخلیج العربی بصبر کبیر ووفقًا لنموهم وقدراتهم الاقتصادیة وقد ضاعف تراجع أمریکا فی هذا المجال ، خاصة أثناء رئاسة جو بایدن ، دافع الصینیین لیکون لهم وجود شامل فی غرب آسیا.

حضور الملایین من المواطنین الصینیین والشرکات کخبراء وتقنیین فی مختلف مجالات التکنولوجیا فی الدول العربیة للخلیج العربی ، وتوقیع عقود ضخمة فی مجال الطاقة بین هذه الدول والصین ، وخاصة فی مجال النفط و صفقات الغاز ، زیارة الرئیس شی جین بینغ فی نوفمبر 2022 الصین إلى الریاض والمشارکة فی اجتماع مشترک مع رؤساء دول مجلس التعاون ( (G.C.C.وتوقیع العشرات من اتفاقیات التعاون الاقتصادی والتجاری والتکنولوجی والعسکری والتسلیح وغیر ذلک مع المملکة العربیة السعودیة والدول العربیة الغنیة الأخرى فی هذا المجال و ... لقد تسبب بجلب و إثارة مخاوف الأمریکیین وأثارت انتقادات لسیاسة بایدن بسحب القوات الأمریکیة من المنطقة.

حتى الآن ، لا تزال قضیة تقلیص استخدام الدولار الأمریکی من قبل بعض دول العالم واستبداله بالیوان (عملة الصین) فی بدایة الطریق ولکن بسبب إساءة استخدام الدولار من قبل الولایات المتحدة وکذلک المؤسسات المصرفیة الغربیة فی معاقبة دول أخرى واستخدام الدولار کسلاح لعزل دول أخرى ، فهناک الکثیر من الدوافع الذی خلقت حافزاً  لدول مثل إیران وروسیا والبرازیل والأرجنتین والسعودیة و الدول العربیة فی الخلیج الفارسی و .. لترک الدولار فی مبادلة الدولیة وتتجه نحو الیوان.

بعد انضمام المملکة العربیة السعودیة رسمیًا إلى منظمة شنغهای للتعاون - الواقعة تحت تأثیر الصین - کعضو متفاوض علیه فی أواخر مارس 2023 حتى الآن یبدو أن الریاض ستشارک فی اجتماع البریکس القادم للبرازیل وروسیا والهند والصین وجنوب إفریقیا فی أغسطس 2023 لإضفاء الطابع الرسمی على وجودها فی هذه الکتلة الاقتصادیة نظراً لأن المملکة العربیة السعودیة تتطلع إلى الانضمام إلى مجموعة بریکس ، فهناک قلق من أن احتیاطیات النفط الضخمة فی المملکة العربیة السعودیة ، إلى جانب القوة الاقتصادیة للصین ، قد تلحق الضرر بموقع الدولار الأمریکی فی البورصات العالمیة.

وبحسب صحیفة واشنطن بوست ، أثار وجود الصین ونشاطها العسکری فی موانئ الإمارات العربیة المتحدة قلقًا للولایات المتحدة لأن واشنطن تخشى التضحیة بمصالحها بسبب قرب الصین من حلیفها القدیم الإمارات العربیة المتحدة. وفقًا لوثیقة مسربة على برنامج Discord تحتوی على خریطة الطریق ، تندرج جهود بکین فی الإمارات فی إطار الحملة الطموحة لجیش التحریر الشعبی الصینی لإنشاء شبکة عسکریة عالمیة تضم ما لا یقل عن خمسة قواعد أجنبیة و تم تحدید عشرة مواقع دعم لوجستی حتى عام 2030 والمرافق الصینیة المخطط لها فی الشرق الأوسط . یقال إن السلطات الصینیة تطلق على هذه المبادرة اسم "المشروع 141". ونشرت الوثائق تفاصیل حول برنامج المراقبة الجویة فی بکین وتطویر البلاد لطائرات استخباراتیة بدون طیار تفوق سرعتها سرعة الصوت.

بالنظر إلى الاتجاهات و العملیات العالمیة الحالیة و ایضاً النظر إلى عملیة و حرکة الصین الزاحفة إلى جانب الصبر تجاه دول الخلیج الفارسی فی العقد الماضی ، من السهل التنبؤ بوضع الصین التنموی فی هذا المجال فی العقد القادم. الموقع الذی تکون فیه دول الخلیج الفارسی المورد الرئیسی للطاقة التی تحتاجها الصناعات الصینیة، کما أن الصینیین هم المورد الرئیسی لجمیع أنواع احتیاجات البلدان فی مجالات التکنولوجیا والجیش والأسلحة والطائرات بدون طیار والذکاء الاصطناعی و غیره،وهم یستردون الأموال التی دفعوها لشراء النفط لدول الخلیج العربی عن طریق بیع التقنیات المتقدمة لهم.

 حمیدرضا بداقی، خبیر فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة

   "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"