العالم الیوم بحاجة إلى النوروز

فی العصر الحالی، أصبحت الصداقة والتسامح والقیم الأخلاقیة والإنسانیة إحدى الحلقات الخطیرة المفقودة فی التفاعلات الدولیة والعلاقات الإنسانیة. فی وقت کانت فیه القوى العظمى فی شعاراتها وأفعالها "یعطون الأولویة لبلدانهم"، یریدون الأمن والازدهار والاستقرار لشعوبهم فقط، وغیر مبالین بقیم ورغبات الدول الأخرى، ویقرعون طبول مصالحهم الوطنیة: یبدو أن المجتمع الدولی بحاجة إلى إعادة بناء الأخلاقی والروحی أکثر من أی وقت مضى. فی الواقع، تحتاج دول العالم إلى نموذج ثقافی لا مجال فیه للأنانیة ولإعطاء العالم لونًا وصقلًا أخلاقیًا وإنسانیًا أکثر.
13 شعبان 1443
رویت 3057
محمد مهدی مظاهری

 فی العصر الحالی، أصبحت الصداقة والتسامح والقیم الأخلاقیة والإنسانیة إحدى الحلقات الخطیرة المفقودة فی التفاعلات الدولیة والعلاقات الإنسانیة. فی وقت کانت فیه القوى العظمى فی شعاراتها وأفعالها "یعطون الأولویة لبلدانهم"، یریدون الأمن والازدهار والاستقرار لشعوبهم فقط، وغیر مبالین بقیم ورغبات الدول الأخرى، ویقرعون طبول مصالحهم الوطنیة: یبدو أن المجتمع الدولی بحاجة إلى إعادة بناء الأخلاقی والروحی أکثر من أی وقت مضى. فی الواقع، تحتاج دول العالم إلى نموذج ثقافی لا مجال فیه للأنانیة ولإعطاء العالم لونًا وصقلًا أخلاقیًا وإنسانیًا أکثر.

وبناءً على ذلک، یمکن القول بجرأة أن "طقوس النوروز" لها هذه الإمکانات نظرًا لارتباطها المباشر بالطبیعة والحیاة وخصائصها الإنسانیة والعالمیة العامة ویمکن أن تصبح عاملاً ثقافیًا مؤثرًا فی مجال العلاقات الدولیة. طقوس النوروز هی أحد رموز الثقافة الإیرانیة القدیمة، والتی، على الرغم من مرور وقت طویل منذ نشأتها، لا تزال قائمة وتوارثت التقالید والأعراف المخفیة فیها من جیل إلى جیل. التأکید على القیم الأخلاقیة، وتعزیز وتقویة العلاقات الإنسانیة والإیثار، وأهمیة الطبیعة والبیئة، والإیمان بإمکانیة التغییر والتحسین، والتأکید على الصحة والنظافة من السمات البارزة لثقافة النوروز التی یمکن أن تؤثر على العالم.

طبعا هذا لیس اعتقاد الإیرانیین وحدهم. أهمیة وإمکانات هذه الطقوس کبیرة لدرجة أنه فی 25 مارس 2010 ، اعتمدت الجمعیة العامة للأمم المتحدة قرارًا یعلن 21 مارس "یوم نوروز العالمی". وهکذا، ولأول مرة فی تاریخ هذه المنظمة، تم الاعتراف بالنوروز کمناسبة دولیة.

قبل ذلک، تم تسجیل ملف نوروز فی قائمة الیونسکو للتراث الثقافی العالمی غیر المادی فی سبتمبر 2009 من قبل 7 حضارات نوروز (إیران وأذربیجان والهند وقیرغیزستان وباکستان وترکیا وأوزبکستان). وبالطبع، فی عام 2014، أعید تسجیله مع طلب الانضمام إلى 5 دول أخرى (أفغانستان والعراق وکازاخستان وطاجیکستان وترکمانستان)؛ عملیة تشیر إلى الإمکانات الکبیرة لهذا الحدث فی ربط الدول.

یحتل نوروز، باعتباره عید قدیم، مکانة خاصة فی تاریخ وثقافة دول المنطقة، وقد أقامت دول منطقة النوروز علاقات تاریخیة وقدیمة مع بعضها البعض فی مختلف المجالات لسنوات عدیدة. وعلى الرغم من أن علاقاتهم شهدت تقلبات مختلفة فی السنوات الأخیرة، إلا أن النوروز لا یزال ذریعة لتقویة الصداقات وتوسیع العلاقات بین الدول والدول فی المنطقة. یعد النوروز بهذه الرسالة الإنسانیة بأنه إلى جانب الطبیعة، یمکن وضع کل البرودة والعداء والمشاکل جانبًا ویمکن إعادة بناء کل شیء. یمکن للمرء أن یکون لطیفا مثل الطبیعة ویمکن المطالبة بالسخاء والتنمیة والازدهار لیس فقط لمنطقة وشعوب محددة، ولکن لجمیع البشر والمخلوقات.

إن إعطاء أهمیة لهذه القیم الأخلاقیة والإنسانیة فی العلاقات الدولیة یمکن أن یکون دائمًا أساس السلام والاستقرار؛ لأنه من خلال إعطاء الأولویة لهذه الطقوس المشترکة إلى جانب الأهداف والمصالح الجماعیة، یمکن تقلیل الأنانیة ومنع الانقسامات؛ یمکن للدول التی تحتفل بعید النوروز، بالاعتماد على الطقوس المشترکة لهذا العید القدیم، أن تتحرک نحو اتفاقیات التعاون والسلام والصداقة بین بعضها البعض والبلدان الأخرى فی المنطقة وأن تصبح نموذجًا للتقارب. بالإضافة إلى ذلک، یمکن أن یکون تطویر سیاحة النوروز فعالاً فی تعزیز اقتصادات البلدان فی هذا المجال.

وعلیه، یمکن لدول منطقة النوروز أن تتجه نحو الإقلیمیة بسبب فهمها للهویة المشترکة، وهذا سیؤدی إلى زیادة التبادلات فی جمیع المجالات. على عکس الإقلیمیة ذات الأهداف السیاسیة والأمنیة، فإن هذا النوع من الإقلیمیة یتمتع بقوة أکبر وقواعد القیم الثقافیة تمنحه حیاة أطول وأکثر استقرارًا. ونتیجة لذلک، فإن مجال حضارة النوروز لدیه الکثیر من الإمکانات للتعاون وتشکیل الثقافة العالمیة، والتی یجب أن یتم تفعیلها من قبل قادة هذه البلدان.

لذلک، فإن النظر إلى النوروز لا ینبغی ولا یمکن أن یکون نظرة محدودة ومغلقة ووطنیة؛ بالنسبة لجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، التی تدعی أنها متحضرة وسعت دائمًا إلى تشکیل نظام إقلیمی محلی ومنطوی (دون تدخل قوى أجنبیة)؛ هذه الطقوس القدیمة هی بدایة حرکة نشطة من أجل لعب الأدوار وإنتاج الثقافة وتوحید المعاییر فی الساحتین الإقلیمیة والعالمیة. وهذا بالطبع لا یمکن أن یتحقق إلا بالشعارات والخطب، ویتطلب تفکیرًا استراتیجیًا وتخطیطًا استراتیجیًا وتنمیة هادفة للتعاون والعلاقات مع دول المنطقة.

 الدکتور محمد مهدی مظاهری، أستاذ جامعی

    "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است