فی الأسبوعین الماضیین، کان هناک الکثیر من النقاش حول برجام ومستقبله، الأمر الذی یحتاج إلى مزید من التفکیر والتأمل. من بینها مواقف الولایات المتحدة وفرنسا فی هذا الصدد. بناءً على التجربة السابقة، سعت إیران إلى التزام الولایات المتحدة بعدم الإنسحاب من الإتفاق النووی (برجام). تعتبر الولایات المتحدة أنه من المستحیل ومن الغیر قانونی أن تقدم الحکومة مثل هذا الالتزام. هذا یعنی أن الاتفاقیة السابقة وکذلک الاتفاقیة الحالیة مع الحزب الحاکم صالحة وأی طرف یصل إلى السلطة فی الولایات المتحدة له الحق فی أن یقرر، کما یشاء، ما إذا کان سیستمر أو یعلق تنفیذ برجام.

لنفترض أن حجة الجانب الأمریکی هذه صحیحة بناءً على التجربة السابقة (انسحاب ترامب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) فی نظام صنع القرار السیاسی الأمریکی. والسؤال هنا هو ما إذا کانت الولایات المتحدة تمنح هذا الحق لأطراف أخرى فی مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما فی ذلک جمهوریة إیران الإسلامیة. إذا أعطینا إیران نفس الحق، فإن الحکومة الإیرانیة الحالیة لها کل الحق فی تجاهل الاتفاقات السابقة والمطالبة باتفاق جدید أو تعدیلات على بنود الاتفاقیة السابقة.

وفی هذه الحالة، فإن اعتراضات الجانبین الأمریکی والأوروبی على مقترحات إیران الجدیدة لا أساس لها من حیث منطقهم. ومع ذلک، لم تکن الإصلاحات التی اقترحتها إیران تتعلق بمبدأ اتفاق برجام، بل تتعلق مسودة الإتفاق التی لم یتم الانتهاء منها.

لکن مشکلة التفکیر الأمریکی لا تنتهی عند هذا الحد. إذا اختزلنا برجم إلى اتفاق سیاسی على مستوى الأحزاب الحاکمة والحکومات، فمن الطبیعی أن نتوقع انتهاک هذه الاتفاقیة بأی انتخابات على أی من الجانبین. هناک سبع دول أعضاء فی المجلس، ولیس من المستبعد أن نشهد انتخابات أو تغییرًا سیاسیًا وانتقالًا للسلطة بین الأحزاب الحاکمة فی أحد أطراف المفاوضات کل عام. هذه الحجة من الجانب الأمریکی تجعل الاتفاق النووی مهزوزاً، وقیمته التفاوضیة موضع شک، وأهم مطلب إیران، وهو رفع العقوبات الاقتصادیة، لن یلبى بمثل هذا الاتفاق.

مع تجادل الإدارة الأمریکیة الحالیة، من الأفضل التعامل بجدیة مع تهدید السناتور الجمهوری توم کوتون بتمزیق الصفقة مرة أخرى إذا فاز الجمهوریون فی عام 2024. یذکر هذا التهدید والحجة جمیع الأطراف بالتفکیر فی طرق لتحقیق الاستقرار فی الاتفاق النووی بدلاً من التسرع فی التوصل إلى اتفاق. لیس من مصلحة أی من جانبی الإتفاق النووی ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النوویة أن تُبنى الاتفاقات النوویة على أساس ضعیف. من الممکن أن تتحقق توقعات السید کوتون، لکن المفاوضات القادمة التی ستجرى حتماً بین الطرفین لن تکون حول عدد أجهزة الطرد المرکزی ونسبة التخصیب. هذه لیست لعبة لإیران تقع فی صدارة اللعبة فی کل مرة یتم ضربها.

من أجل التوصل إلى اتفاق دائم على الصعیدین الإقلیمی والدولی، قد نحتاج إلى التفکیر أکثر فی اقتراح الرئیس الفرنسی. ودعا ماکرون إلى مشارکة بعض دول الشرق الأوسط، بما فی ذلک المملکة العربیة السعودیة، فی المحادثات النوویة.  على الرغم من أنه یبدو أن التصریحات التی  أُدلی بها فقط لإسعاد المسؤولین السعودیین، فلنفترض أن بعض دول الشرق الأوسط، بما فی ذلک المملکة العربیة السعودیة وترکیا وإسرائیل، ترید الانضمام إلى المحادثات النوویة.  فی هذه الحالة، یجب أن یکونوا على استعداد مثل إیران لجعل أنشطتهم النوویة شفافة قدر الإمکان، ولإخضاع برنامجهم النووی للسیطرة الکاملة للوکالة الدولیة للطاقة الذریة. یعنی هذا الإقتراح ربط الإتفاق مع إیران بشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النوویة لم یحرز أی تقدم حتى الآن، والعقبة الأکثر أهمیة هی الولایات المتحدة وحلیفتها الرئیسیة.

من بواعث القلق التی أثارها الجانبان الغربی والأمریکی بشأن برنامج إیران النووی القلق من الانتشار النووی. إن ربط هذا القلق ببرنامج إیران النووی لا أساس له على الإطلاق. برنامج إسرائیل النووی له تاریخ أطول من برنامج إیران النووی، وقد طورت المملکة العربیة السعودیة برنامجها النووی عندما أوقفت إیران العدید من أنشطتها النوویة بعد أکثر من عقد من الثورة. إذا کانت فرنسا ترید شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النوویة ولا تقلق بشأن الانتشار النووی، فمن الأفضل تشجیع حلفائها وأصدقائها على المشارکة بنشاط أکبر فی عملیة منع انتشار الأسلحة النوویة الکبرى، بدلاً من الإنضمام إلى المحادثات النوویة مع إیران. مثلما یسهم التقدم فی المحادثات النوویة الإیرانیة الحالیة فی النقاش حول منطقة الشرق الأوسط الخالیة من الأسلحة النوویة، کذلک یمکن للتقدم فی عملیة الشرق الأوسط الخالیة من الأسلحة النوویة أن یسهم فی زیادة استقرار الوکالة الدولیة للطاقة الذریة.

یُظهر الجو السیاسی والإعلامی أن الأطراف الأوروبیة والولایات المتحدة فی عجلة من أمرهم للتوصل إلى اتفاق نووی، ولهذا الغرض، فإنهم یضخمون التهدید النووی الإیرانی، الذی هو أساسًا غیر موجود وغیر موجود. وأکد ستة عشر تقریرا من تقاریر الوکالة الدولیة للطاقة الذریة نوایا إیران السلمیة فی أعقاب اتفاق برجام. الولایات المتحدة هی الآن التی اتهمت بالتصرف من قبل الإدارة السابقة ولم یُسمح لها حتى بالدخول فی المفاوضات. تحتاج أوروبا والولایات المتحدة إلى إثبات نوایاهما السلمیة بسبب أفعالهما ضد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فی السنوات الأخیرة. إذا کانت الجولة الجدیدة من المحادثات ستؤدی إلى اتفاق دائم وقابل للتحقق، فمن الضروری التحکم فی سلوک الأشخاص المتقلبین مثل ترامب والحد منه، الذین للأسف لیسوا قلیلین فی العدد، بقدر ما یحدون من برنامج إیران النووی.

 نبی سنبلی، 

          "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"