قضت المحکمة الدستوریة البولندیة الأسبوع الماضی بأنها طعنت فی بعض مواد معاهدات الاتحاد الأوروبی وأحد المبادئ الرئیسیة للتکامل الأوروبی الذی یتعارض مع دستور البلاد. وقالت جولیا بیرزیلبسکا، رئیسة المحکمة الدستوریة البولندیة: "المؤسسات الأوروبیة تتجاوز سلطتها" وأدانت تورط محکمة العدل الأوروبیة فی القضاء البولندی واستشهدت بعدد من المواد فی معاهدات الاتحاد الأوروبی التی یقول القضاة البولندیون انها تنتهک الدستور البولندی. أدى الصراع الواضح بین المجر وبولندا مع بروکسل فی محکمة العدل الأوروبیة (CJEU) إلى تحویل آلیة جدیدة تجعل صرف الأموال الأوروبیة مشروطًا بسیادة القانون وتحرمها منها فی تحد جدید، مما أدى إلى إصدار حکم محکمة مثیر للجدل. کما تم تشدید الدستور البولندی. فی عدة قضایا ، رفعت محاکم لوکسمبورغ وبودابست ووارسو طعونًا ضد مؤسسات أوروبیة.
یعتزم الاتحاد الأوروبی استخدام منح مکافحة کورونا کوسیلة لإقناع الأعضاء باتباع أحکام محکمة العدل. وعمل أعلى سلطة قضائیة فی بولندا (المقربة من حزب القانون والعدالة الحزب المحافظین والحاکم) لإعلان الحرب على أسبقیة القانون الأوروبی والاختصاص القضائی لمحکمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبی؛ یجعل بروکسل أکثر تصمیماً على تعلیق أو تقلیل دفع الأموال الأوروبیة إلى الحکومة فی حالة انتهاک سیادة القانون، بما فی ذلک عدم کفایة تضارب المصالح، وانتهاک استقلال القضاء، والإضرار بالموارد المالیة للاتحاد الأوروبی، وبالتالی آلیة التکییف التی أدت إلى حل وسط صعب فی الموافقة على میزانیة الاتحاد الأوروبی طویلة الأجل فی نهایة عام 2020؛ یتم تنفیذها.
لیس هناک شک، بالطبع، فی أن وارسو وبودابست قد تتعرضان للتهدید فی هذه العملیة بسبب التحدی المتمثل فی انتهاک شروط التقارب مع الاتحاد الأوروبی. فی الوقت نفسه، تم إصدار تحذیرات إلى البلدین فی مارس 2020، ووافقت الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی لاحقًا فی دیسمبر على تنفیذ قرار المفوضیة الأوروبیة؛ انتظر رأی CJEU. ومع ذلک، أدان بعض أعضاء البرلمان الأوروبی التأجیل وهددوا بالسعی الجاد لتعلیق المساعدة أو قطع الموارد الأوروبیة فی الأسابیع المقبلة إذا لم تنفذ المفوضیة الأوروبیة القرار متعدد الخطوات قبل أن تتم الموافقة على العقوبات المحتملة من قبل الأغلبیة المؤهلة من الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی. بالطبع، قرار المفوضیة الأوروبیة بشأن الاستئناف البولندی المجری، والذی بدأ فی اجتماع استمر یومین هذا الأسبوع؛ سیصدر فی غضون بضعة أشهر.
لیس هناک شک فی أن أعضاء البرلمان الأوروبی، بعد صدمة الانسحاب البریطانی، قلقون من أن القرار التاریخی البولندی سوف یؤجج الزجاج الزجاجی، ودعوا بروکسل مرة أخرى إلى اتخاذ إجراءات انتقامیة ضد الحکم غیر المسبوق للمحکمة الدستوریة البولندیة؛ أبدی فعل. ومع ذلک، دفع حکم صدر فی وارسو عشرات الآلاف من البولندیین إلى دعم استمرار عضویة بلادهم فی الاتحاد الأوروبی. فی الواقع، أکدت المحکمة البولندیة على احترام الاستقلال القضائی للبلد، بحجة أن التهدید والعقوبات یمثلان تغییرًا حقیقیًا فی المعاهدات ولا یتضمنان الضمانات الضروریة للموضوعیة والحیاد. فی الوقت نفسه، تعتقد المجر أن بعض السلوکیات والمواقف التی یمکن المعاقبة علیها لم یتم تحدیدها بدقة وتخلق حالة من عدم الیقین القانونی. وفی هذا الصدد، یتهم رئیس وزراء المجر مؤسسات الاتحاد الأوروبی بنشر إساءة استخدام السلطة على حساب الدول الأعضاء؛ فی بیان لدعم بولندا، صرح فیکتور أوربان أن بروکسل تحاول إقناع الدول التی لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبی بالقیام بذلک دون مراجعة معاهدات الاتحاد الأوروبی؛ حرمان أنفسهم من السیادة، ویجب أن تنطبق أولویة القانون الأوروبی فقط فی الحالات التی تتمتع فیها بروکسل بالسلطة القضائیة، وقد تم تحدید إطار عمل ذلک فی المعاهدات الأساسیة للاتحاد الأوروبی. وکتبت وزیرة العدل المجریة جودیث فارجا على تویتر: "إن عضویة الاتحاد الأوروبی لا تعنی أن محکمة العدل الأوروبیة یمکنها تجاهل الدستور الوطنی أو أن بولندا قد تنازلت عن کل سیادتها إلى الاتحاد الأوروبی. ونحن نتفهم تمامًا رد بولندا على الممارسات السیئة مؤسسات الاتحاد الأوروبی، وبالتالی یجب وقف الطموحات الملکیة لبروکسل.
فی السنوات الأخیرة، انتقدت بروکسل مرارًا المجر وبولندا، بقیادة حکومات محافظة، لانتهاکهما سیادة القانون والقیم الأوروبیة من خلال تقیید حقوق الإنسان أو الإصلاح القضائی أو رفض قبول المهاجرین. اتهمت بودابست ووارسو المفوضیة الأوروبیة ومحکمة العدل بازدواجیة المعاییر. والحقیقة هی أنه فی بعض الحالات تم الطعن فی قرار المؤسسات الأوروبیة من قبل دول الاتحاد الأوروبی المهمة، مثل ألمانیا بحکم المحکمة الدستوریة، تحدى البنک المرکزی الأوروبی هذا العام، والذی کان خارج سیطرته على أصول القطاع العام. بینما قضى القضاة الدستوریون الألمان بأن حکم محکمة العدل لیس له أی أثر قانونی فی ألمانیا، ومن الجدیر بالذکر أن قرار المحکمة الدستوریة الألمانیة قد رحب به رئیس الوزراء البولندی ماتیو موراویکی باعتباره أحد أهم القرارات فی تاریخ الاتحاد الأوروبی.
فی السیاق الحالی، تم حظر المساعدة من أجل الانتعاش الاقتصادی ومکافحة مرض کوفید 19 فی بولندا والمجر بسبب قضایا مماثلة لسیادة الاتحاد. دولتان لدیهما 23.9 ملیار یورو فی شکل إعانات و 12.1 ملیار یورو فی شکل قروض. ومع ذلک، فی أعقاب حکم المحکمة الدستوریة البولندیة، قال رئیس المفوضیة الأوروبیة إنه سینفذ المبادئ الأساسیة للاتحاد الأوروبی وأن جمیع أحکام محکمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبی ستنطبق على جمیع السلطات، بما فی ذلک السلطات الوطنیة. لأن قوانین ولوائح الاتحاد لها الأسبقیة على القوانین الوطنیة، بما فی ذلک الدستور، وهذا التزام أوفت به جمیع الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی عند الانضمام إلى الاتحاد الأوروبی. فی بیان مشترک، دعا وزیرا خارجیة فرنسا وألمانیا، هایکو موس وجان إیف لودریان، بولندا إلى التقید الصارم بالقانون الأوروبی وأحکام CJEU، حیث أن عضویة الاتحاد الأوروبی لها التزام کامل وغیر محدود للقیم والقوانین المشترکة.
فی الختام، یمکن الاعتراف بأنه بعد البریکسیت وغیرها من التحدیات الداخلیة وعبر المحیط الأطلسی فی الاتحاد الأوروبی؛ قرارات بودابست ووارسو هی فی الوقت نفسه تناقض بین رکیزتی المشارکة الدیمقراطیة وفرض وجهات نظر بروکسل؛ من خلال خلق تحد جدید فی التآزر الأوروبی، فقد أضر بآفاق الاتحاد الأوروبی الواعدة، مما سیؤدی بلا شک إلى تأخیر وتعطیل عملیة توسع الاتحاد الأوروبی شرقًا، وخاصة انضمام دول غرب البلقان. بالطبع، استخدم الاتحاد الأوروبی، فی علاقاته الخارجیة، مرارًا وتکرارًا نهج المعیار المزدوج ولم یصل بعد إلى مرحلة الحکم الذاتی الکامل والاستقلال.
دکتر علی بمان اقبالی زارتش، خبیر الآول فی الدراسات الأوروبیة
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"