نظرًا للأهمیة الاستراتیجیة والجغرافیة الاقتصادیة للخلیج الفارسی فی استراتیجیة القوى العظمى، یسعى هذا المقال إلى مراجعة دور الولایات المتحدة فی النمط الأمنی للخلیج الفارسی على أساس الترتیب الزمنی و آراء الرؤساء الأمریکیین منذ عام 1969.
أ) 1974-1969: عقیدة نیکسون
بعد الانسحاب البریطانی من شرق السویس فی عام 1968، أثیرت قضیة استبدال الولایات المتحدة کمزود أمنی للخلیج الفارسی. ولکن بسبب الصراع فی حرب فیتنام واستحالة الوجود المباشر فی الخلیج الفارسی، اتبعت الولایات المتحدة سیاسة رکیزتین، بالاعتماد على حلیفتیها، إیران والمملکة العربیة السعودیة، کرکائز عسکریة واقتصادیة، تحت حکم ریتشارد نیکسون. بعبارة أخرى، نظرًا لأن نیکسون وکیسنجر کانا یعتقدان أن تعزیز إیران عسکریًا سیؤدی إلى استقرار الشرق الأوسط، فقد اختار نیکسون إیران کمدافع حیوی للولایات المتحدة فی الخلیج الفارسی فی السبعینیات.
ب) 1977-1974: عقیدة فورد
السیاسة الخارجیة لفورد هی استمرار لعقیدة نیکسون لأن کان کیسنجر مصمم السیاسة الخارجیة لکلیهما. واصل سیاساته فی خفض التصعید مع الاتحاد السوفیتی، وتحسین العلاقات مع الصین ودعم الولایات المتحدة لفیتنام الجنوبیة. لقد حافظ على تعمیق العلاقات العسکریة مع إیران وعمقها، وکان هدفه الرئیسی فی الشرق الأوسط هو دعم الحلفاء فی مواجهة التهدیدات السوفیتیة.
ج) 1981-1977: عقیدة کارتر
فی أعقاب الغزو السوفیتی لأفغانستان فی کانون الأول (دیسمبر) 1979، ألقى کارتر خطابًا فی کانون الثانی (ینایر) 1980 قال فیه إن أی محاولة للسیطرة على منطقة الخلیج الفارسی ستُعتبر هجومًا على المصالح الحیویة للولایات المتحدة وبأی شکل ممکن. بما فی ذلک استخدام القوة العسکریة سوف یصدها. یمثل الإعلان تغییرًا جذریًا فی السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة. کان للخلیج الفارسی أهمیة استراتیجیة فی عقیدة کارتر، ولعبت الولایات المتحدة دورًا مباشرًا فی الدفاع عن الشرق الأوسط من أجل منع الهیمنة السوفیتیة على المنطقة. أدت عقیدة کارتر إلى تشکیل قوى رد فعل سریع فی المنطقة. فی الواقع، استجاب کارتر للأزمة بتبنی صیغة بریجنسکی بأن الشرق الأوسط وجنوب آسیا کانا عرضة للمغامرات السوفیتیة.
د) 1989-1981: عقیدة ریغان
خلال فترة وجوده، واجهت الولایات المتحدة أزمتین فی الخلیج الفارسی. صفقة السلاح السریة (إیران - کونترا) و "حرب الناقلات" التی دخلت فیها الناقلات الکویتیة برعایة أمریکیة. بعبارة أخرى، واصل ریغان عقیدة کارتر، الذی کان یقضی بتعزیز الأمن الإقلیمی والسعی وراء الأهداف العسکریة. خلال رئاسة ریغان، أصبحت السیاسة الأمریکیة أکثر عدوانیة واستعدادًا لتحدی أی نظام أو منظمة تهدد الولایات المتحدة أو مواطنیها. کما زاد نقل الأسلحة إلى المنطقة، وخاصة إلى السعودیة. کذلک خلال الحرب العراقیة الإیرانیة، وبسبب التهدید الذی تتعرض له المصالح الأمریکیة، استندت سیاسة ریغان إلى ثلاثة مبادئ: 1) ممارسة ضغوط دولیة لإنهاء الحرب ومنع انتشارها. 2) مساعدة الأصدقاء على الدفاع عن أنفسهم ضد التهدیدات الإیرانیة. 3) التعاون مع دول مجلس التعاون الخلیج الفارسی وحلفاء آخرین ضد إیران لحمایة السفن التی ترفع العلم الأمریکی التی تعبر الخلیج الفارسی.
هـ) 1993-1989: عقیدة بوش الأب
مع سقوط العدید من الأنظمة الشیوعیة و الإتحاد السوفییتی فی أوائل التسعینیات، تأثّرت سیاسات بوش فی الشرق الأوسط أیضًا بهذا النظام العالمی الجدید. وکانت القضیة الوحیدة التی یمکن أن تتحدى الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط هی النفط. لذلک، کانت أولویات الولایات المتحدة هی عملیة السلام الإسرائیلیة الفلسطینیة واستمرار الوصول إلى نفط الخلیج الفارسی. وللحفاظ على الوصول إلى النفط، واصلت سیاسة التوازن بین العراق وإیران. وفی حدیثه عن الأجندة الأمریکیة فی الشرق الأوسط، قال بوش: " سنواصل تواجد قواتنا فی المنطقة ، ونوسع الترتیبات الأمنیة الثنائیة، والمواد والمعدات الأساسیة، ونجری تدریبات مشترکة للدفاع عن سیادة واستقلال ووحدة أراضی شرکائنا فی المنطقة. نقطتان مهمتان فی فترة رئاسته کانتا قربه من غورباتشوف وحرب فی الخلیج الفارسی. وکثف بوش القوات الأمریکیة فی الخلیج الفارسی بهدف القضاء على العراق وإفساد میزان القوى فی الخلیج الفارسی لصالح إیران، ونفذ عملیة تحریر الکویت وهزیمة العراق فی الحرب فکان هذا الإنتصار نقطة مهمة خلال فترة رئاسته.
و) 2001-1993: عقیدة کلینتون
یتم تفسیر السنة الأولى من رئاسة کلینتون على أنها رفع القیود على الساحة الدولیة، وهی الفترة التی یوجد فیها لاعبون جدد، وقدرات وتشکیلات جدیدة، ولکن لا توجد حتى الآن قواعد جدیدة. وعن استراتیجیته للأمن القومی قال: "للولایات المتحدة مصلحة دائمة فی الشرق الأوسط". وعلى وجه الخصوص، تحقیق السلام فی الشرق الأوسط وضمان أمن إسرائیل وأصدقائها العرب والحفاظ على التدفق الحر للنفط وبأسعار مناسبة. استندت الکثیر من استراتیجیته فی الخلیج الفارسی على الاحتواء الثنائی بهدف السیطرة على حکومتی إیران والعراق کدولتین سلبیتین. کان الترکیز الرئیسی لإدارة کلینتون فی الخلیج الفارسی هو "تقلیل فرص" أی تهدید لدول مجلس التعاون الخلیج الفارسی ومساعدتهم فی الحفاظ على دفاعهم الجماعی.
ز) 2009-2001: عقیدة ابن بوش
بعد هجمات الحادی عشر من سبتمبر، اتسع نطاق قضایا السیاسة الخارجیة، وأعلن بوش لیلة الحادی عشر من سبتمبر أن الولایات المتحدة ستعاقب المسؤولین عن هذه الأعمال اللاإنسانیة. بعبارة أخرى، رکزت الولایات المتحدة صراحةً على العقول المدبرة للهجمات، القاعدة وزعیمها بن لادن. تصاعدت الحرب على الإرهاب فی 17 سبتمبر 2001، وصرح بوش، "الترکیز الآن على أسامة بن لادن ... وتنظیمه. لکن هناک إرهابیون آخرون فی العالم. هناک أناس یکرهون الحریة. "هذا نضال من أجل الحریة". وکانت هذه ذریعة غزو العراق. مع مرور الوقت، سعت الولایات المتحدة، کقوة محتلة، إلى نقل السلطة إلى الحکومة العراقیة الجدیدة وقدمت تدریبات مثل مکافحة التمرد، ومکافحة الإرهاب، والشؤون المدنیة والإنسانیة... وهذا فی حد ذاته یتطلب وجودًا عسکریًا کبیرًا التی تتطلب وجودًا کبیرًا. خلال فترة ولایته، کانت الولایات المتحدة تهدف إلى إنهاء الإرهاب من خلال الترکیز على القانون والنظام الدولیین.
ح) 2017-2009: عقیدة أوباما
فی نهایة عام 2011، غادرت جمیع الوحدات العسکریة الأمریکیة الرئیسیة العراق لأسباب متنوعة، بما فی ذلک انخفاض التکالیف الاقتصادیة من الحرب. ووصف أوباما الإنسحاب العسکری من العراق فی السیاسة الکبرى لإدارته عام 2008 بأنه تحول إلى آسیا. فی الواقع، تم النظر فیه خلال السنوات العشر من الحرب ضد الإرهاب. أدّت قوة الصین المتنامیة، وطموحات الهند العالمیة، والنزاع الذی لم یتم حله بین کوریا الشمالیة والجنوبیة، والحاجة إلى طمأنة الحلفاء الاستراتیجیین التاریخیین مثل الیابان وأسترالیا، إلى تحرک واشنطن نحو المحیط الهادئ منذ عام 2011. ومع ذلک، وفقًا لوزارة الدفاع الأمریکیة فی عام 2014، ستستمر الولایات المتحدة فی التواجد العسکری فی الخلیج الفارسی، لأسباب مثل الحفاظ على أمن الحلفاء وکبح تهدید الحکومات السلبیة، والحفاظ على الأمن فی المضیق الهرمز. أیضًا، بعد 22 شهرًا من المفاوضات الرسمیة والمکثفة بین إیران والاتحاد الأوروبی ودول 5 + 1، تم التوقیع على خطة العمل الشاملة المشترکة فی 14 یولیو 2015 وتم تنفیذها فی 16 ینایر 2016.
ط) 2021-2017: عقیدة ترامب
فی عهد دونالد ترامب، أصبحت المملکة العربیة السعودیة الدعامة الأساسیة لنهج الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط. کانت أول رحلة دولیة لترامب إلى المملکة العربیة السعودیة فی مایو 2017. فی استراتیجیته للدفاع الوطنی لعام 2018، اتبع نفس منطق أوباما، واعتبر التحدی الرئیسی لأمن الولایات المتحدة قادم من القوى المراجعة، روسیا والصین. عملیاً، سحبت بعض القوات الأمریکیة من سوریا والعراق. انسحبت من الاتفاق النووی الإیرانی، وفرض عقوبات اقتصادیة قاسیة على إیران، قال محللون إن الانسحاب أحادی الجانب من الاتفاق النووی الإیرانی هو أحد أکبر الأخطاء الاستراتیجیة الأمریکیة فی الشرق الأوسط منذ الحرب مع العراق عام 2003 وستکون له عواقب لسنوات قادمة. فی سبتمبر 2020، تماشیاً مع نهج الضغط الأقصى على إیران، تم توقیع اتفاقیة تطبیع بین البحرین والإمارات مع إسرائیل فی البیت الأبیض، ووصفها ترامب بـ "الفجر الجدید للشرق الأوسط". وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من ترکیزها على الصین وروسیا، إلا أن الولایات المتحدة تظل القوة المهیمنة فی الشرق الأوسط والضامن لأمن إسرائیل ودول الخلیج الفارسی. وفقًا لمحللین مثل أنتونی کوردزمان من معهد البحوث الاستراتیجیة، أدت سیاسة ترامب الخارجیة التی استمرت أربع سنوات إلى زعزعة استقرار أمن الخلیج الفارسی، ویجب على بایدن العمل على إنشاء هیکل جدید مقید قائم على الردع والدفاع. والنجاح فی هذا المجال یعتمد على حل قضایا مثل الجماعات المتطرفة مثل داعش، وقضیة البرنامج النووی الإیرانی، وحل الصراع الفلسطینی الإسرائیلی، وإعادة بناء شراکاتها الأمنیة مع الدول العربیة فی المنطقة.
ص) 2021 حتى الآن: عقیدة بایدن
بعد أقل من عام على إدارة جو بایدن، فإن التقییم العام لسیاسته الخارجیة تجاه الخلیج الفارسی غیر واضح، ولکن یمکن القول بأن سیاسته الخارجیة، من حیث الأسلوب والنبرة، هی نوع من العودة والاستمرار لسیاسة أوباما. خلال حملته، اتخذ مقاربة انتقادیة للمملکة العربیة السعودیة، الشریک القدیم فی الخلیج الفارسی، ودعا إلى إنهاء الدعم السعودی للحرب الیمنیة، وألقى باللوم على محمد بن سلمان فی اغتیال الصحفی السعودی خاشجی. فی حالة الیمن، یسعى للحصول على مساعدات إنسانیة للاجئین أکثر من الفترة السابقة. فی حالة إسرائیل، قد تساعد إعادة دعم السلطة الفلسطینیة فی تعزیز بعض الاتفاقات الجدیدة بین إسرائیل وجیرانها. أما بالنسبة للعراق، فقد کان بایدن أحد أعضاء مجلس الشیوخ عام 2003 الذین أیدوا غزو جورج دبلیو بوش للعراق. لکن فی عام 2007، عارض زیادة القوات الأمریکیة وتصعید الهجمات، وهو مؤید لاستراتیجیة مکافحة الإرهاب التی تمَ تشکیلها خلال إدارة أوباما لمحاربة الجماعات الجهادیة والعسکریة فی جمیع أنحاء العالم. المحور الأکبر للتغییر فی سیاسة بایدن الخارجیة فی الشرق الأوسط ومنطقة الخلیج الفارسی هو الترکیز على إیران، وهی محاولة العودة إلى محور الدبلوماسیة والإتفاق النووی.
فاطمة محمدی، خبیرة فی مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"