ذکرى القصف الکیمیائی لسردشت

فی التاریخ المعاصر، تعد مدن هیروشیما وناغازاکی وساردشت الثلاث رموزًا ملموسة لاستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنیین والمناطق السکنیة. إذا عُرفت مدینتا هیروشیما وناغازاکی کرموز لمدن قصفت بالأسلحة النوویة، فإن مدینة سردشت هی أیضًا رمز للقصف بالأسلحة الکیماویة.
18 ذو القعدة 1442
رویت 1601
سید مهدی بارسائی

فی التاریخ المعاصر، تعد مدن هیروشیما وناغازاکی وساردشت الثلاث رموزًا ملموسة لاستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنیین والمناطق السکنیة. إذا عُرفت مدینتا هیروشیما وناغازاکی کرموز لمدن قصفت بالأسلحة النوویة، فإن مدینة سردشت هی أیضًا رمز للقصف بالأسلحة الکیماویة. أربعة وثلاثون عاما مرت على مأساة استخدام غاز الخردل کسلاح کیماوی من قبل مقاتلین بعثیین عراقیین ضد أهالی سردشت. على الرغم من أن هذه المأساة الإنسانیة المریرة کانت أحد العوامل الرئیسیة فی تسریع المفاوضات بشأن اتفاقیة الأسلحة الکیمیائیة، إلا أن مدینة سردشت لم تجد أبدًا موقفًا دولیًا یضاهی موقف هیروشیما وناغازاکی، ولم یتم تضمین أسباب ذلک فی هذه المقالة.

وبحسب کاتب هذا المقال، وبغض النظر عن الألم الجسدی لضحایا الحرب الکیماویة الإیرانیة، وأوجه القصور فی الآلیات الوطنیة والدولیة لملاحقة ضحایا القصف الکیماوی، وانعدام الإرادة السیاسیة لمرتکبی الأسلحة الکیماویة ومساعدیها فی تحمل المسؤولیة، الأمر الذی یسبب الإحباط والاستیاء المزدوج الذی یشعر به الضحایا الکیماویون لجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من جانب المجتمع الدولی هو الإفتقار إلى الإهتمام الدولی الضروری بالضحایا الأعزاء. خاصة وأننا نعیش فی عصر تکون فیه العواطف عالمیة. ومع ذلک، لم یشعر المجتمع الدولی بما یکفی بشأن ضحایا الحرب الکیماویة فی إیران، وهذا الشعور بالنسیان مؤلم للغایة لضحایا الحرب الکیماویة. تضاعف الألم فی ضوء الإجراءات القسریة أحادیة الجانب وغیر الإنسانیة من قبل بعض البلدان لمنع ضحایا الحرب الکیمیائیة من الحصول على الأدویة والمعدات الطبیة ، خاصة خلال وباء کوید 19.

السیاسة المبدئیة لجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، باعتبارها أکبر ضحیة للأسلحة الکیمیائیة فی الفترة المعاصرة، فی مجال نزع السلاح وإخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل، بما فی ذلک الأسلحة النوویة والبیولوجیة والکیمیائیة. إن العضویة فی الوثائق والإتفاقیات التی تحکم حظر أسلحة الدمار الشامل تدعم هذا النهج المبدئی لإیران. تم تحدید ذکرى هجوم صدام حسین الکیماوی على مدینة سردشت فی 28 یونیو 1987، فی التقویم الرسمی للبلاد باعتباره یوم مکافحة الأسلحة الکیماویة والمیکروبیة.

الغرض من هذه المقالة هو استعراض موجز لأهم الإجراءات السیاسیة والدبلوماسیة والقانونیة التی اتخذتها حکومة جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فیما یتعلق بمأساة سردشت والمنظور المرتقب ودور جمعیات ضحایا المواد الکیمیائیة فی تغییر الأجواء الراکدة على المستوى الدولی.

کان من أولى الإجراءات التی اتخذها بلدنا بشأن الهجمات الکیمیائیة إبلاغ الأمم المتحدة باستخدام الأسلحة الکیمیائیة وطلب إجراء التحقیق المناسب من جانب المنظمة. فی 1984 و 1986 و 1987 ، زارت ثلاث لجان تفتیش تابعة للأمم المتحدة مواقع الهجمات بالأسلحة الکیمیائیة فی بلدنا وأکدت استخدام الأسلحة الکیمیائیة. نتیجة لعملیات التفتیش والملاحقات الدبلوماسیة التی قامت بها بلادنا، صدر قرارا مجلس الأمن رقم 612 و 620 فی عام 1988، حیث تمت الموافقة على استخدام الأسلحة الکیماویة ضد إیران.

بالنظر إلى العدد الکبیر من ضحایا المواد الکیمیائیة فی إیران والنهج الإنسانی لإیران، فإن أحکام اتفاقیة الأسلحة الکیمیائیة، وخاصة المادة العاشرة، لها أهمیة کبیرة لجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. المادتان العاشرة والحادیة عشرة من الإتفاقیة هما نتیجة جهود البلدان النامیة وأدت، بطریقة ما، إلى توازن نسبی فی الحقوق فیما یتعلق بالتزامات الأعضاء. تشرف المادة العاشرة على تعاون الدول الأعضاء فی الحرب ضد الأسلحة الکیمیائیة وتحدد حقوق والتزامات الدول الأعضاء وکذلک منظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة للحمایة والمساعدة ضد الأسلحة الکیمیائیة. تتناول المادة الحادیة عشرة أیضًا تعاون الدول الأعضاء فی مجال التنمیة الإقتصادیة والتکنولوجیا، والتعاون الدولی فی إطار الأنشطة غیر المقیدة، والحاجة إلى ضمان عدم تعارض القوانین الدولیة والوطنیة مع الاستخدامات السلمیة للکیمیاء وتجارة المواد الکیمیائیة.

أحکام المادة العاشرة هی محور اتفاقیة المساعدة الإنسانیة فی حمایة المجتمعات وحمایتها فی حالات التهدید بالأسلحة الکیمیائیة أو استخدامها. بسبب التجربة المریرة للتعرض للأسلحة الکیماویة خلال الحرب المفروضة، اکتسبت إیران خبرات وقدرات فریدة فی مجال علاج ضحایا المواد الکیماویة وعقدت عدة دورات فی طهران حتى الآن، بما فی ذلک ست دورات حول "المساعدة والحمایة" - "ضد الأسلحة الکیمیائیة" بمشارکة دول المنطقة الآسیویة وعشر دورات دولیة متقدمة "الأبعاد الطبیة للحمایة والإغاثة من استخدام الأسلحة الکیمیائیة" بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة وبحضور الأطباء والطاقم الطبی الأجنبی. کما أن إیران، بسبب القدرات المذکورة، هی أول دولة طرف فی الاتفاقیة، والتی من خلال إبرام عقد مع المنظمة المذکورة، أعلنت عن استعدادها لإرسال فریق إغاثة وحمایة إلى مکان استخدام الأسلحة الکیماویة. حتى الآن، أبرمت حکومة واحدة فقط غیر إیران مثل هذا الإتفاق مع المنظمة.

عقب متابعة بلدنا فی منظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة، أنشأ المؤتمر السادس عشر للدول الأطراف فی اتفاقیة الأسلحة الکیمیائیة فی عام 2011 "الشبکة الدولیة لحمایة ضحایا الأسلحة الکیمیائیة" و "صندوق التبرعات لضحایا الأسلحة الکیمیائیة ". مع الأسف، فإن المساهمات الطوعیة للدول الأعضاء، وخاصة الحکومات المتقدمة والغنیة بالأموال، صغیرة جدًا لدرجة أنها لا تقدم مساعدة جادة فی تخفیف معاناة ضحایا الأسلحة الکیمیائیة. إن الافتقار إلى الإرادة السیاسیة من جانب البلدان التی تطالب باتخاذ إجراءات جادة للتخفیف من معاناة ضحایا الأسلحة الکیمیائیة یمثل تحدیا خطیرا لتحقیق أهداف الاتفاقیة، بما فی ذلک التنفیذ غیر التمییزی والفعال والکامل لهذه الاتفاقیة.

وطبقا لقرار المؤتمر العاشر للدول الاطراف فان یوم 29 ابریل سیکون یوما لذکرى جمیع ضحایا الاسلحة الکیماویة. أیضًا، بناءً على طلب جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وبموافقة المجلس التنفیذی للمنظمة من أجل تعزیز الوعی الدولی بکارثة سردشت، منذ عام 2012 ، أصدر المدیر العام لمنظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة رسالة تعزیة باسم المنظمة بمناسبة الذکرى المریرة للهجوم الکیماوی على مدینة سردشت. نصب تمثال تبرعت به إیران فی مقر المنظمة فی لاهای عام 2012 هو إجراء رمزی آخر للحفاظ على ذکرى ضحایا الهجمات الکیماویة فی إیران وقمعهم.

الدعم المادی والمعنوی لمشارکة المنظمات غیر الحکومیة الإیرانیة فی الإجتماعات السنویة الرسمیة لمنظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة هو إجراء حکومی آخر لدعم ضحایا الحرب الکیمیائیة. تحضر المنظمات غیر الحکومیة الإیرانیة المؤتمر الإستعراضی لإتفاقیة الأسلحة الکیمیائیة منذ عام 2003 وتواصل إبلاغ الرأی العام العالمی من خلال إقامة معرض للوثائق المتعلقة بضحایا الأسلحة الکیمیائیة. من خلال إقامة المعارض واستخدام لغة الفن، تعکس هذه المنظمات غیر الحکومیة قمع ضحایا الکیماویات الأعزاء فی البلاد. الجمعیات الإیرانیة من خلال إقامة معرض سنوی فی لاهای فی هولندا، والتنسیق مع جمعیات ضحایا أسلحة الدمار الشامل فی البلدان الأخرى، وإنشاء متحف سلام یرکز على آثار الأسلحة الکیمیائیة، والعضویة فی الشبکة الدولیة لمتاحف السلام، والمشارکة فی ذکرى هیروشیما وناغازاکی فی الیابان، وما إلى ذلک، تلعب دورًا رئیسیًا فی تعزیز الحظر المفروض على الأسلحة الکیمیائیة وکذلک تعکس اضطهاد ضحایا الکیماویات الإیرانیین. ومع ذلک، فإن القدرات العالیة للمنظمات غیر الحکومیة الإیرانیة على المستویین الوطنی والدولی لم یتم استغلالها بشکل کافٍ، لذلک مع عدم إعمال حقوق ضحایا المواد الکیمیائیة فی إیران، یجب أن تکون هذه الجمعیات نشطة على مستوى أعلى.

من التدابیر المهمة الأخرى فی مجال ضحایا المواد الکیمیائیة عقد ندوات واجتماعات وطنیة ودولیة. الندوة الدولیة حول عواقب استخدام الأسلحة الکیماویة ضد إیران، والتی عقدت فی الفترة من 22 إلى 23 أکتوبر 2007 فی طهران، هی واحدة من الاجتماعات البارزة. عقدت هذه الندوة الدولیة بمناسبة الذکرى العشرین للقصف الکیمیائی لسردشت والذکرى العاشرة لبدء نفاذ اتفاقیة الأسلحة الکیمیائیة.

بالنظر إلى اقتراب موعد التدمیر الکامل للأسلحة الکیمیائیة فی عام 2023 وإثارة القضایا المتعلقة بالمهمة المستقبلیة لمنظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة، من الضروری أن تعمل جمهوریة إیران الإسلامیة فی مجال العمل الدبلوماسی أکثر من ذی قبل داخل إطار عمل محسوب تعزیز المادة العاشرة من الاتفاقیة وبعدها الإنسانی فی المناقشات المستقبلیة للمنظمة والتخطیط لاستعادة حقوق الضحایا الأعزاء. من الضروری أیضًا تحدید جزء کبیر من مهمة المنظمة فی هذا الإطار من خلال التأکید على قضایا المادة الحادیة عشرة المتعلقة بالتعاون الدولی وعلاقته باحتیاجات ضحایا الحرب الکیمیائیة.

مع الأسف، تطورت المنظمة فی السنوات الأخیرة بحیث تضاءلت الرکائز الأساسیة للإتفاقیة، وهی تدمیر الترسانات الکیمیائیة، والتعاون الدولی، والمساعدة والحمایة من الأسلحة الکیمیائیة. ومع ذلک، أکدت إیران، بعد نظرها عند الإنضمام إلى الإتفاقیة، فی بیان تفسیری الحاجة إلى التنفیذ الکامل وغیر المشروط وغیر التمییزی لجمیع أحکام الإتفاقیة. فی غضون ذلک، من الضروری أن تتحرک جمعیات ضحایا المواد الکیمیائیة، من خلال کونها واقعیة وتفاعلها النشط مع الروابط الکیمیائیة والبیولوجیة والنوویة فی بلدان أخرى من العالم، ومن خلال التبسیط والتآزر، على نقل موقفها من مراقبة تطورات الإتفاقیة لمکان المطالبة. تعزیز تفاعل رابطات ضحایا المواد الکیمیائیة مع الآلیات الدولیة ذات الصلة بالقانون الإنسانی الدولی والمشارکة النشطة، بما فی ذلک على هامش اجتماعات الإتفاقیات الأخرى بشأن حظر أسلحة الدمار الشامل، وکذلک منظمة الصحة العالمیة ومؤتمرات الصلیب الأحمر الدولیة وجمعیات الهلال الأحمر وکذلک مجلس حقوق الإنسان، یمکن أن یساعد بشکل کبیر فی تعزیز مکانة جمعیات ضحایا المواد الکیمیائیة فی منظمة حظر الأسلحة الکیمیائیة.

بالإضافة إلى الحکومة، وافق مجلس الشورى الإسلامی أیضًا على "قانون یطالب الحکومة بمتابعة حقوق ضحایا الحرب الکیماویة ضد جمهوریة الإسلامیة الإیرانیة" و "قانون تحدید وحمایة ضحایا الکیماویة" وبهذه الطریقة، قدم الأسس القانونیة المناسبة لإعمال حقوق ضحایا المواد الکیمیائیة الأعزاء على المستویین المحلی والدولی. ومن المتوقع أیضًا أن یوفر مجلس الشورى الإسلامی الموارد المالیة اللازمة للملاحقة القانونیة والدولیة من قبل فریق من ذوی الخبرة والمهنیة.

یعد تنظیم قاعدة بیانات للإحصاءات والمعلومات المتعلقة بعدد الإصابات الکیماویة وجمع المستندات والوثائق والوثائق الخاصة بالهجمات الکیماویة ضد بلدنا أحد أهم الإجراءات المتخذة على المستوى المحلی وحالیاً مئات الآلاف من الوثائق والوثائق الموثوقة من أجل إعمال حقوق الضحایا المواد الکیمیائیة للبلاد موجودة فی المجالین القضائی والقانونی. إن المشارکة النشطة لبلدنا فی التحقیق فی قضیة فان أنرات، رجل الأعمال الهولندی الذی باع آلاف الأطنان من المواد الکیمیائیة السامة لصدام حسین والتأثیر على الحکم النهائی للمحکمة الهولندیة هی تدابیر مفیدة أخرى لبلدنا. أیضًا، تم بحث جوانب مختلفة لکیفیة رفع دعاوى قضائیة ضد الأفراد والشرکات المتورطة فی استخدام الأسلحة الکیمیائیة ضد إیران ودراسات الجدوى. وکأن العمل اللازم قد تم تقسیمه بین المؤسسات الخمس عشرة المکلفة بمتابعة حقوق ضحایا الکیماویات فی البلاد، ولا سیما مؤسسة الشهید ومرکز الشؤون القانونیة والدولیة لرئیس الجمهوریة مع دور التسهیل من وزارة الخارجیة.

على الرغم من هذه الجهود، وبالنظر إلى القیود القانونیة على المستوى الدولی وانعدام الإرادة السیاسیة اللازمة من جانب الدول المعنیة، یبدو أنه اتخاذ إجراءات على مستوى المجتمع المدنی، بما فی ذلک رابطات ضحایا المواد الکیمیائیة، وکذلک المساعی الدبلوماسیة یمکن أن یوفر مساحة أفضل فی هذا الوقت لإعمال حقوق ضحایا الحرب الکیمیائیة.

یتطلب تعزیز البعد الدولی لمدینة سردشت والجمعیات الکیمیائیة فی البلاد نهجین متوازیین فی الداخل والخارج. على الصعید الداخلی، ینبغی للمؤسسات المحلیة ذات الصلة، بما فی ذلک وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی، ووزارة التراث الثقافی، والوکالات الأخرى، فی أقرب وقت ممکن، أن تبذل قصارى جهدها لتسلیط الضوء على مدینة سردشت والضحایا الکیماویین الإیرانیین. فی البعد الدولی، اقتراح محدد لتعزیز الصورة الدولیة لسرداشت کرمز عالمی لضحایا الأسلحة الکیمیائیة، إنشاء وعقد مؤتمر دولی سنوی بعنوان "مؤتمر سردشت الدولی" بمشارکة المنظمات غیر الحکومیة من مختلف البلدان على المستوى الإقلیمی وعلى الصعید الدولی، وکذلک مشارکة مسؤولین حکومیین أجانب فی ذکرى القصف الکیماوی على سردشت.

سید مهدی بارسائی، باحث نزع السلاح

          "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است