تعاون غیر ودی بین روسیا والاتحاد الأوروبی

فی ۲۰ أبریل، أعلنت الحکومة الروسیة فی بیان أنها فرضت عقوبات على دیفید ساسولی، رئیس البرلمان الأوروبی، وسبعة من کبار مسؤولی الاتحاد الأوروبی، ومنعتهم من دخول روسیا. وجاءت هذه الخطوة ردا على مقاطعة الاتحاد الأوروبی لأربعة مسؤولین روس فی مارس.
24 شوال 1442
رویت 1474
علي أكبر جوكار

 فی 20 أبریل، أعلنت الحکومة الروسیة فی بیان أنها فرضت عقوبات على دیفید ساسولی، رئیس البرلمان الأوروبی، وسبعة من کبار مسؤولی الاتحاد الأوروبی، ومنعتهم من دخول روسیا. وجاءت هذه الخطوة ردا على مقاطعة الاتحاد الأوروبی لأربعة مسؤولین روس فی مارس. فی 17 أبریل أیضًا، بدأت موجة جدیدة من التوترات الدبلوماسیة بین الاتحاد الأوروبی وروسیا ، بعد طرد الحکومة التشیکیة 18 دبلوماسیًا روسیًا بذریعة دور قوات الأمن الروسیة فی تفجیر 2014 لمستودع ذخیرة فی فربیتیس. کما أعربت دول البلطیق وسلوفاکیا وبولندا عن تضامنها مع الحکومة التشیکیة بطرد عدد من الدبلوماسیین الروس. کما ردت الحکومة الروسیة بالمثل على طرد الدبلوماسیین من تلک الدول، وفرضت أنظمة دبلوماسیة أکثر صرامة على بعض سفارات الدول غیر الصدیقة. على الرغم من أن العقوبات المتبادلة وطرد الدبلوماسیین الروس من قبل الولایات المتحدة وأوروبا لیست قضایا جدیدة وقد أصبحت شائعة فی السنوات الأخیرة، فإن السؤال الرئیسی هو ما نتیجة تصعید الأزمة فی العلاقات الأوروبیة الروسیة؟ وما هی الرؤیة المستقبلیة للعلاقات الثنائیة؟

 

العلاقات بین روسیا والإتحاد الأوروبی بمرور الوقت

منذ عام 1991، استندت علاقات روسیا مع دول الإتحاد الأوروبی إلى أهداف وتطلعات مختلفة. کان الروس یخططون لأوروبا أکبر من لشبونة إلى فلادیفوستوک وفی أوروبا کان هناک حدیث عن روسیا الأوروبیة. لکن ما دار فی أذهان کلا الجانبین من الخطط المذکورة أعلاه کان مختلفًا تمامًا. بینما کانت أولویة روسیا فی التعاون مع أوروبا هی إعادة بناء اقتصادها وتطویره، والحفاظ على قوتها العسکریة والأمنیة، والحفاظ على مکانتها کقوة عالمیة؛ سعى الإتحاد الأوروبی إلى دمج روسیا فی القیم الأوروبیة ومعالجة المخاوف الأمنیة خلال الحرب الباردة. وبناءً على ذلک، أقام الجانبان العلاقات ووقعا اتفاقیة شراکة وتعاون (PCA). الإتفاق ساری المفعول لمدة 10 سنوات منذ عام 1997 ویتم تجدیده سنویًا منذ عام 2007. وفرت هذه الإتفاقیة الإطار القانونی اللازم للتعاون بین الجانبین فی مختلف المجالات السیاسیة والإقتصادیة والعلمیة والثقافیة والطاقة وغیرها، والتی تم استکمالها بالتوقیع على وثائق أخرى. وکانت نتیجة هذه العملیة توسیع التعاون بین الجانبین، خاصة فی القطاعین الإقتصادی والأمنی ، الذی اتخذ شکلاً جدیدًا بعد 11 سبتمبر. کان التعاون الإستخباری الروسی الواسع ودعم قوات التحالف وقوات الناتو فی غزو أفغانستان أهم مؤشر على التعاون الأمنی بین الجانبین منذ عام 2001. وفی المجال الإقتصادی، تم توقیع اتفاقیات مهمة بین البلدین، کان من أهمها تصدیر النفط والغاز إلى أوروبا والإستثمار فی روسیا. کانت استراتیجیة روسیا فی ذلک الوقت هی أن تصبح أهم منتج للنفط والغاز فی العالم ومورد للغاز فی أوروبا.

إن الثورة المخملیة فی جورجیا عام 2003 وما تلاها من تطورات مدعومة من الغرب فی أوکرانیا وقیرغیزستان، فضلاً عن خطة الناتو للتوسع شرقاً، تلقی بظلال من الشک تدریجیاً على التفاؤل المحیط بالعلاقات الروسیة الأوروبیة. أدت العملیة العسکریة الروسیة فی جورجیا عام 2008 وضم شبه جزیرة القرم لروسیا عام 2014 والعقوبات الأوروبیة والأمریکیة ضد روسیا إلى توتر العلاقات بین الجانبین. تکثف هذا الإتجاه فی السنوات التالیة مع اتهامات لروسیا بالتدخل فی الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة لعام 2016، وتسمیم الجاسوس الروسی السابق سیرغی سکریبال والمعارض الروسی ألکسی نافالنی، والعملیات فی أوروبا والولایات المتحدة، مما أدى إلى تعلیق تنفیذ العدید من اتفاقیات التعاون وخلق توترات دبلوماسیة بین الجانبین والمزید من التباعد بینهما.

 

عوامل التباعد بین روسیا والإتحاد الأوروبی

انتقلت العلاقات الروسیة الأوروبیة ، بعد قضاء شهر العسل فی أوائل التسعینیات، تدریجیاً نحو التعاون والمنافسة، ومنذ عام 2014 نحو "التعاون والمنافسة فی جو غیر ودی". بمعنى آخر، تحولت عملیة التعاون بین روسیا والإتحاد الأوروبی تدریجیاً من الثقة المتبادلة إلى الشک المتبادل. بإلقاء نظرة سریعة على تطور العلاقات الروسیة الأوروبیة على مدى الثلاثین عامًا الماضیة، فیما یلی بعض مواقف الإتحاد الأوروبی تجاه روسیا والتی انتقدتها موسکو ویمکن الإستشهاد بها على أنها الأسباب الرئیسیة للتباعد من وجهة النظر الروسیة:

  • دعم طیف معین من الغربیین داخل روسیا
  • المعاملة مذلة لروسیا وعدم قبولها کقوة عالمیة
  • خطة توسع الناتو شرقا
  • حدوث ثورات ملونة فی دول ما بعد الإتحاد السوفیتی، بما فی ذلک أوکرانیا وجورجیا وبیلاروسیا
  • تنفیذ برنامج الجوار الشرقی من قبل الإتحاد الأوروبی مع ثلاث دول فی جنوب القوقاز بالإضافة إلى أوکرانیا ومولدوفا وبیلاروسیا بهدف دمجها مع الإتحاد الأوروبی
  • دعم المعارضة الروسیة بإثارة قضایا حقوق الإنسان وفرض عقوبات بشأنها
  • فرض عقوبات اقتصادیة شدیدة بعد الأزمة الأوکرانیة وضم شبه جزیرة القرم لروسیا
  • خلق توترات دبلوماسیة وطرد الدبلوماسیین الروس

ونتیجة لذلک، فإن روسیا، التی فتحت بعد انهیار الإتحاد السوفیتی حساباً خاصاً لتطورها الإقتصادی بمساعدة الغرب، وخاصة أوروبا، توصلت تدریجیاً إلى قبول حقیقة أن الغرب ینتهج سیاسة لا ترقى إلى مستوى توقعاته. وبناءً على ذلک، اتخذت موسکو بعض الإجراءات التالیة لمواجهة السیاسة الأمریکیة الأوروبیة، مما أدى فی النهایة إلى تکثیف الخلاف بینهما.

  • التعامل مع معارضی الحکومة، وخاصة الأولیغارشیة الموالیة للغرب، الذین سعوا للسیطرة على أعلى المؤسسات السیاسیة من خلال السیطرة على المراکز الرئیسیة لإنتاج الثروة فی روسیا والتغلغل فی مراکز القوة المختلفة ، بما فی ذلک الکرملین.
  • التخطیط لتغییر الوضع فی أوکرانیا وجورجیا وقیرغیزستان التی تحولت سیاسیًا بفعل الثورات الملونة.
  • عملیة عسکریة فی جورجیا بدعم من انفصالیی أبخازیا وأوسیتیا الجنوبیة، حسب خطة عضویة جورجیا فی الناتو فی قمة لشبونة عام 2008.
  • انضمام شبه جزیرة القرم إلى روسیا عام 2014 ودعم الإنفصالیین فی شرق أوکرانیا فی منطقة دینباس.
  • تنفیذ عملیات سیبرانیة فی الولایات المتحدة وأوروبا خاصة أثناء الإنتخابات (بحسب الجانب الغربی)
  • إنشاء وتعزیز المنظمات الإقلیمیة التی تتخذ من روسیا مقراً لها، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعی، والإتحاد الإقتصادی الأوراسی، ومنظمة شنغهای للتعاون فی آسیا الوسطى والقوقاز، وتنسیق المواقف مع الصین.
  • دخول منطقة الشرق الأوسط من خلال الدعم السیاسی والعسکری للحکومة السوریة الشرعیة
  • استخدام أدوات الطاقة وخاصة الغاز فی التعامل مع أوروبا

لکن بالإضافة إلى الخصائص السلوکیة المذکورة أعلاه، والتی یتبناها الطرفان عمومًا وأدت إلى زیادة عدم الثقة المتبادلة بینهما، لا یمکن تجاهل تأثیر العوامل الداخلیة والخارجیة للإتحاد فی تصعید الخلافات والتباعد بین موسکو وبروکسل. هناک مناهج مختلفة للتعاون مع روسیا بین دول الإتحاد الأوروبی. دول البلطیق، وبولندا ورومانیا، على سبیل المثال، اتخذت موقفًا أکثر صرامة بشأن التعاون مع روسیا من الأعضاء الآخرین فی الإتحاد. ووصفت موسکو جمهوریة التشیک بأنها دولة غیر ودیة بطرد الدبلوماسیین الروس. ونتیجة لذلک، لا یمکن تجاهل التأثیر السلبی لهذه المجموعة من الدول على قرارات الإتحاد الأوروبی بعدم التعاون مع روسیا، على الرغم من المقاربات المختلفة لدول مثل ألمانیا وفرنسا وإیطالیا والمجر، والتی ترید مزیدًا من التفاعل مع روسیا.

عامل مؤثر آخر فی العلاقات بین روسیا والاتحاد الأوروبی هو دور الولایات المتحدة، وإلى حد ما، المملکة المتحدة. کانت العلاقات بین البلدین وموسکو شدیدة البرودة منذ عام 2014 ، وهذا الإتجاه فی حالة المملکة المتحدة، وفقًا لوزیر الخارجیة الروسی، فی حالة جمود تام. فی مقابلة مع مرکز أبحاث روسی فی مارس، وصف وزیر الخارجیة الروسی لافروف علاقات بلاده مع المملکة المتحدة على النحو التالی: "بغض النظر عن عضویتهم فی الإتحاد الأوروبی، فقد استخدم المسؤولون البریطانیون مرارًا وتکرارًا خطابًا قاسیًا مناهضًا لروسیا فی العلن. إنهم ینفذون هجمات لا مبرر لها على الإطلاق. ونتیجة لذلک، انتهت التفاعلات الثنائیة إلى حد کبیر، وتآکلت الثقة، ووصلت درجة العلاقات إلى نقطة التجمد".

کما شهدت العلاقات الروسیة الأمریکیة فتورًا حادًا منذ عام 2014، مما أدى إلى طرد متبادل للدبلوماسیین من البلدین على عدة مراحل، کان آخرها فی أبریل من هذا العام. أدت أزمة أوکرانیا فی عام 2014 واتهام روسیا بالتدخل فی الإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة لعام 2016 وإجراء عملیات السیبرانیة إلى تکثیف عملیة العقوبات الأمریکیة، وبالتالی الأوروبیة، ضد روسیا. أدت مقاطعة الولایات المتحدة لمشروع خط أنابیب نورد ستریم 2 للغاز إلى تأخیر تنفیذه، فی حین أن استکمال المشروع له أهمیة کبیرة لألمانیا. فی الوقت الحالی، العلاقات بین الولایات المتحدة وروسیا فی أسوأ حالة، وقد وضعت روسیا الولایات المتحدة على قائمة الدول غیر الصدیقة. بشکل عام، على الرغم من جمیع الإختلافات بین الإتحاد الأوروبی والولایات المتحدة خلال رئاسة ترامب، لا یزال الجانبان لدیهما مصالح مشترکة فی عدد من المجالات، لا سیما اللیبرالیة وسیاسات القوة. وهکذا لعبت الولایات المتحدة دورًا فی علاقات الاتحاد الأوروبی مع روسیا کمتغیر فعال، وبالطبع سلبی. وصرح بذلک الجانب الروسی فی مقابلة مشترکة مع وزیر الخارجیة الروسی سیرجی لافروف ورئیس دائرة العمل الخارجی الأوروبی جوزیب بوریل، فی فبرایر من هذا العام، وقال إن "الإتحاد الأوروبی یتصرف أکثر فأکثر مثل الولایات المتحدة کل یوم"، مشیرًا إلى الاتحاد الأوروبی کشریک غیر موثوق به.

 

مستقبل علاقات روسیا مع الإتحاد الأوروبی

على الرغم من کل الخلافات والمشاکل بین روسیا والاتحاد الأوروبی، فإن العلاقات الإقتصادیة والمخاوف الأمنیة والقدرة السیاسیة للجانبین متشابکة لدرجة أنها أجبرت الجانبین على مواصلة تعاونهما فی مختلف المجالات. یتعاون الجانبان منذ سنوات عدیدة فی القضایا الدولیة الهامة، مثل تغیر المناخ، والهجرة، وتهریب المخدرات، والإتجار بالبشر، والجریمة المنظمة، ومکافحة الإرهاب، وعدم الإنتشار، وعملیة السلام فی الشرق الأوسط، وحمایة حقوق الإنسان. انتهى. فیما یتعلق بالتعاون الثنائی، یعد الإتحاد الأوروبی حالیًا أکبر شریک تجاری لروسیا. فی عام 2020، بلغ حجم التجارة بین البلدین 174 ملیار یورو، وهو ما یمثل حوالی 40 ٪ من التجارة الخارجیة لروسیا. یعد الإتحاد الأوروبی أیضًا أکبر مستثمر أجنبی لروسیا. وصلت حصة الإستثمار الأجنبی المباشر للإتحاد الأوروبی فی روسیا بحلول عام 2018 إلى 277 ملیار یورو، ووصلت حصة روسیا فی الإتحاد الأوروبی إلى 89 ملیار یورو. فی قطاع الطاقة، تعد روسیا أکبر مصدر للنفط والغاز والیورانیوم والفحم إلى الاتحاد الأوروبی.

توضح المؤشرات المذکورة أعلاه حقیقة أن الإعتماد المتبادل بین روسیا والإتحاد الأوروبی کبیر لدرجة أنه لا یسمح بقطع سلسلة التعاون بین الجانبین بسهولة. ومع ذلک، فإن العامل الأمریکی مهم جدًا فی تنظیم العلاقات بین روسیا والإتحاد الأوروبی، ویمکن لسلوکها أن یکون فعالًا للغایة فی تغییر الوضع الراهن. إن إعطاء الأولویة للمنافسة مع الصین فی استراتیجیة الإدارة الأمریکیة الجدیدة یمنح روسیا الأمل فی أنه من خلال تعزیز التعاون مع الجانب الصینی، ستزید من ثقلها فی العلاقات مع الغرب. من ناحیة أخرى، تسعى روسیا إلى أن تکون طرفًا فی الحوار الغربی حول القضایا الدولیة والإقلیمیة، إلى جانب تصاعد الخلافات مع الغرب، والتی تتعلق عمومًا بشؤونها الداخلیة وبیئتها المحیطة.

الإتحاد الأوروبی، الذی یعتمد بشکل کبیر على روسیا فی الطاقة، وهو ضعیف أمام روسیا عسکریًا وأمنیًا، ویأمل أنه باستخدام نقاط ضعف روسیا فی القطاع الإقتصادی، وکذلک استخدام قوتها الناعمة، مع استمرار التعاون مع هذا البلد، ستکون قادرة على تحقیق أهدافها ببطء. إن أولویة الإتحاد الأوروبی فی هذا الصدد هی تعزیز دوره المؤسسی تجاه روسیا. بشکل عام، على الرغم من عدم وجود احتمال لتطبیع العلاقات الروسیة الأوروبیة فی المستقبل القریب، ومن المرجح أن تستمر الأجواء غیر الودیة التی تم تکثیفها مؤخرًا بین الجانبین، فمن المرجح أن یستمر التعاون بین الجانبین.

 علی أکبر جوکار. خبیر أول فی دراسات آسیا الوسطى والقوقاز

          "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است