رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی (SAARC)، بعد 35 عامًا من تأسیسها

تم طرح فکرة إنشاء إطار رسمی للتعاون الإقلیمی بین دول جنوب آسیا لأول مرة من قبل الرئیس البنغلادیشی السابق الراحل ضیاء الرحمن فی رسالة فی مایو ۱۹۸۰ إلى الحکومات الأخرى فی المنطقة.
28 شعبان 1442
رویت 2445
حسین ابراهیم‏ خانی

 تم طرح فکرة إنشاء إطار رسمی للتعاون الإقلیمی‌بین دول جنوب آسیا لأول مرة من قبل الرئیس البنغلادیشی السابق الراحل ضیاء الرحمن فی رسالة فی مایو 1980 إلى الحکومات الأخرى فی المنطقة. وقال ضیاء إن "الوضع الحالی فی جنوب آسیا والمناطق المجاورة یبدو أنه یتطلب تشاورًا وثیقًا وتبادل الأفکار ووجهات النظر"، مضیفًا أن "هناک حاجة ملحة للتعاون بین دول المنطقة للحفاظ على السلام والإستقرار". فی حین أن الهند وباکستان، وهما أکبر دولتین وأکثرهما منافسة فی المنطقة، اتبعتا فی البدایة نهجًا متشائمًا تجاه الإقتراح، واصفین إیاه بتصمیم الجانب الآخر الذی یهدف إلى الهیمنة، وافقت الدول الأصغر (سریلانکا ونیبال وجزر المالدیف وبوتان) على الفور على فکرة. من أجل إزالة هذه العقبة، وضعت بنغلادیش مشروعًا، مع مراعاة مخاوف البلدین الرئیسیین، تجنب أی إشارة إلى القضایا الأمنیة المثیرة للجدل وأوصى فقط بالقضایا غیر السیاسیة وغیر المثیرة للجدل. هذه المبادرة، المعدلة والمختلفة عن الرؤیة الأصلیة للرئیس ضیاء الرحمن، تم تبنیها أخیرًا وعززت الأسس الأساسیة للتنظیم الإقلیمی فی تاریخ شبه القارة الهندیة. عُقدت القمة الأولى لرؤساء دول أو حکومات جنوب آسیا فی دکا فی 7-8 دیسمبر 1985، وتم الإعلان رسمیا عن تشکیل رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی (SAARC) مع ثلاثة مجالات رئیسیة للتعاون الاقتصادی والاجتماعی والفنی.

ولم یکن مطلوباً من هذه الجمعیة الحدیثة سوى الترکیز على تدابیر السلام وبناء الثقة بین سکان البلدان الأعضاء فیها. وفی وقت لاحق، تم إنشاء مراکز إقلیمیة متخصصة فی سارک فی مجالات الزراعة ومکافحة السل والتوثیق وبحوث الأرصاد الجویة وتنمیة الموارد البشریة فی عواصم البلدان الأعضاء فی الرابطة. تم التوقیع على اتفاقیة التجارة التفضیلیة لرابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی فی عام 1993 کترتیب طوعی غیر ملزم لخفض التعریفات ودخل حیز التنفیذ بعد ذلک بعامین. فی دیسمبر 1995 ، من أجل تشجیع التجارة بین الدول الأعضاء، اعتمدت رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی "مناطق التجارة الحرة لجنوب آسیا" بهدف تخفیض الرسوم الجمرکیة على جمیع السلع المتبادلة إلى الصفر بحلول عام 2016. فی أعقاب قرار قمة عام 2007 ، تم إنشاء بنک طعام رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی‌کاحتیاطی للطوارئ فی أوقات الأزمات الغذائیة أو الکوارث الوطنیة. فی عام 2010 ، اعترف أعضاء السارک بصندوق تنمیة السارک على أنه "یعزز رفاهیة شعوب منطقة جنوب آسیا ویحسن نوعیة حیاتهم ویسرع النمو الاقتصادی والتنمیة الاجتماعیة والتخفیف من حدة الفقر." تأسس مجلس التحکیم فی رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی فی عام 2005 کهیئة متخصصة أخرى فی رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی‌بمهمة إنشاء الجمعیة القانونیة لدول جنوب آسیا لحل النزاعات داخل المنطقة. تأسست منظمة المعاییر الإقلیمیة لجنوب آسیا فی عام 2011 بهدف تغطیة معاییر التجارة والتنسیق الأوسع لهذه المعاییر لتعزیز نمو تجارة دول السارک للتعاون الإقلیمی فی جنوب آسیا وحول العالم. تأسست جامعة جنوب آسیا فی عام 2010 وتوفر الفرصة للدراسة للحصول على درجتی الماجستیر والدکتوراه فی مختلف المجالات. کما أتاحت رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی فرصاً لرؤساء الدول والحکومات لإجراء مناقشات عاجلة بشأن القضایا ذات الإهتمام خارج إطار عمل الرابطة. فیما یتعلق بالمسائل الأمنیة، تعبر الإتفاقیة الإقلیمیة لرابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی لعام 1987 بشأن قمع الإرهاب عن تصمیم الدول الأعضاء على "اتخاذ تدابیر فعالة لمنع مرتکبی الأعمال الإرهابیة من الإفلات من المقاضاة والعقاب من خلال توفیر التسلیم أو المحاکمة".

على الرغم من کل الإنجازات التی حققتها رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی على الطریق الصعب للتقارب، إلا أن بعض التحدیات وأوجه القصور حالت دون وصول المنظمة إلى وجهتها المرجوة وتحقیق الهدف النهائی المتمثل فی تکامل إقلیمی ملموس أکثر للدول الأعضاء. فشل أعضاء السارک الثمانیة (بعد انضمام أفغانستان فی عام 2007) فی تشکیل کتلة اقتصادیة، على الرغم من الروابط التاریخیة والإجتماعیة والإقتصادیة والثقافیة القائمة، وبینما تمثل التجارة بین الدول الأعضاء حوالی 5 ٪ فقط من إجمالی تجارتها. على مدى السنوات الخمس والثلاثین الماضیة، أدت الخلافات السیاسیة والصراعات والظروف الإقتصادیة غیر المواتیة إلى إبطاء وتیرة التعاون الإقلیمی لبعض الدول الأعضاء. یؤکد میثاق رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی على أن القرارات على جمیع المستویات تقتصر على القضایا متعددة الأطراف، وأنه لا یمکن وضع هذه القضایا إلا على جدول أعمال اجتماعات القمة إلا على أساس مبدأ التوافق، وأن القضایا الثنائیة والمثیرة للجدل ستحذف بطبیعة الحال من المناقشات والاجتماعات.

أثرت التوترات والتنافس بین الهند وباکستان بشکل سلبی على التعاون فی جنوب آسیا. فشلت رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی فی عقد القمة السنویة الثامنة عشرة لأسباب سیاسیة على المستویین الثنائی أو المحلی. کان من المقرر عقد قمة السارک التاسعة عشرة فی إسلام أباد فی نوفمبر 2016 ، لکن الهند رفضت الحضور، متهمة باکستان بالتورط فی هجوم إرهابی، مما دفع الدول الأعضاء الأخرى إلى الانسحاب من القمة. على الرغم من مرور 5 سنوات، إلا أن المنظمة لم تتمکن بعد من عقد القمة التاسعة عشرة بسبب "الافتقار إلى الظروف المناسبة اللازمة لضمان مشارکة جمیع الدول الأعضاء".

حتى وقت قریب، أظهرت الهند، بصفتها أکبر وأقوى عضو فی رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی (SAARC)، اهتمامًا أقل بالإتحاد الإقلیمی مقارنة بالأعضاء المتحمسین الآخرین. یعتقد بعض السیاسیین فی الهند بقوة أن رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی (SAARC) تقدم فرصًا غیر عادلة للأعضاء الأصغر، بحجة أن هذه الدول تستخدم الرابطة کأداة لتشکیل جبهة موحدة ضد الهند والإقتراب من الصین.  من ناحیة أخرى، ظهرت الصین، مع عضویتها فی السارک کمراقب وتوسیع نفوذها فی منطقة المحیطین الهندی والهادئ، کحقیقة جدیدة لأعضاء السارک، وسیتم تقسیم هذه الدول فی الطریقة التی یعاملون بها الصین فی المستقبل. تتطلب مبادرة الحزام والطریق الصینیة مشارکة نشطة من أعضاء السارک، والتی تصاحبها جهود الصین لتوسیع نفوذها فی الدول الأصغر الأعضاء فی الرابطة من خلال استثمارات کبیرة، مما یؤدی إلى مزید من الإحباط بالنسبة للهند.

تواجه جنوب آسیا أیضًا العدید من النزاعات الحدودیة والبحریة التی لم یتم حلها. هذه الصراعات، إلى جانب مشاکل الإرهاب والاتجار وتهریب المخدرات وأزمة اللاجئین لا تزال تعطل التعاون. حتى الآن، على الرغم من اعتماد وتصمیم العدید من الإستراتیجیات وترتیبات التنفیذ على المستویین الثنائی والمتعدد الأطراف، لم تنجح رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی فی اتخاذ نهج شامل لمکافحة الإرهاب. لقد أثبتت النزعة الإقلیمیة نفسها الآن کقضیة مهمة فی السیاسة والإقتصاد العالمیین، وبالطبع لا یمکن لجنوب آسیا، بحاجتها الملحة إلى الإستقرار والتنمیة الداخلیة، أن تتجاهل سارک کمکان للتعاون المنهجی الذی یعزز التقارب الإقلیمی. على الرغم من أن معدل نجاح سارک لیس مشجعًا مثل معدل نجاح المنظمات الإقلیمیة الدینامیکیة الأخرى مثل الإتحاد الأوروبی، إلا أن استمرار حیاة وعمل هذه المنظمة فی جنوب آسیا، على الرغم من کل العقبات والصعوبات، جدیرة بالثناء. تفتقر رابطة جنوب آسیا للتعاون الإقلیمی (SAARC) إلى القدرة على حل النزاعات الثنائیة بین الدول الأعضاء ولم یتم إنشاؤها لهذا الغرض، لکن نجاح المنظمة فی تحقیق رؤیتها الأولیة یخلق الإرادة السیاسیة والمساحة اللازمة للتفاعل الإیجابی والمضی قدمًا نحو تسویة سلمیة للنزاعات المزمنة القائمة.

 حسین ابراهیم خانی، خبیر أول فی دراسات آسیا والمحیط الهادئ

         "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است