العلاقات الأمریکیة الأوروبیة خلال فترة بایدن وأثرها على العلاقات الأوروبیة مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة

العلاقات الأمریکیة الأوروبیة فی عهد بایدن ستعود إلى طبیعتها. تحتاج الولایات المتحدة إلى تعاون أوروبی لتعزیز موقعها الاستراتیجی ومصداقیتها السابقة فی العالم ولمواجهة التحدیات والتهدیدات الجیوسیاسیة التی تشکّلها القوى الکبرى الأخرى. تبحث أوروبا أیضًا عن فرصة انتصار بایدن لتنشیط دورها ولعب دورها ککتلة قویة فی القضایا الإقلیمیة والدولیة المهمة.
27 جمادى الثانية 1442
رویت 555
جواد کچوئیان

 العلاقات الأمریکیة الأوروبیة فی عهد بایدن ستعود إلى طبیعتها. تحتاج الولایات المتحدة إلى تعاون أوروبی لتعزیز موقعها الاستراتیجی ومصداقیتها السابقة فی العالم ولمواجهة التحدیات والتهدیدات الجیوسیاسیة التی تشکّلها القوى الکبرى الأخرى. تبحث أوروبا أیضًا عن فرصة انتصار بایدن لتنشیط دورها ولعب دورها ککتلة قویة فی القضایا الإقلیمیة والدولیة المهمة.

سلوک وأداء أوروبا تجاه بلدنا لن یختلف خلال عهد جو بایدن کثیرًا عن عهد ترامب من حیث النهج، وسیستمر دعم أوروبا للسیاسات والإجراءات الأمریکیة تجاه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. عودة إیران إلى التزامات اتفاقیة برجام خاضعة للرفع العملی لجمیع العقوبات الأمریکیة. فی حال حدث هذا وتم اتفاق محتمل بین إیران والولایات المتحدة فی إطار اتفاقیة برجام، فلن یکون أمام أوروبا خیار سوى قبول هذه الإتفاقیة. من المهم أیضًا ملاحظة أن أوروبا لعبت أیضًا دورًا تنسیقیًا ولیس دورًا حاسمًا خلال اتفاقیة برجام.

لطالما کانت علاقة الولایات المتحدة بأوروبا استراتیجیة وهامة، خاصة بعد الحرب العالمیة الثانیة.  بردت علاقتهما فقط خلال رئاسة دونالد ترامب. سعى ترامب إلى تفکیک أوروبا من خلال تقسیم أوروبا إلى أوروبا الجدیدة والقدیمة ، وإقامة علاقات خاصة مع بعض الدول الأوروبیة ، وخاصة دول أوروبا الشرقیة، ودعم خروج بریطانیا مؤخراً من الإتحاد الأوروبی. لم یکن ترامب ینظر إلى أوروبا على أنها حلیفة بل باعتبارها منافسًا جادًا لمصالح أمریکا العالمیة، فسعى فی مناسبات عدة إلى إضعاف أوروبا وإهانتها وجعلها غیر قادرة على التعامل مع مختلف القضایا السیاسیة والإقتصادیة فی الساحتین الإقلیمیة والدولیة.

نظراً لدستور الولایات المتحدة وهیکلها السیاسی، وحقیقة أن أی تغییرات داخلیة فی هیکل سلطتها لها آثار عالمیة، والمقاربات المختلفة للأحزاب الجمهوریة والدیمقراطیة تجاه القضایا السیاسیة والإقلیمیة والدولیة الهامة. لذلک، فإن انتخاب جو بایدن من الحزب الدیمقراطی بصفته الرئیس السادس والأربعین للولایات المتحدة الأمریکیة سیؤثر على التطورات المحلیة والعلاقات السیاسیة والدولیة وتعاون الولایات المتحدة الأمریکیة مع دول ومناطق جغرافیة مختلفة، بما فی ذلک أوروبا والمنظمات الدولیة.

على الرغم من تقویض التماسک الأوروبی بسبب انسحاب بریطانیا من الاتحاد الأوروبی، لکن مع انتخاب جو بایدن رئیسًا جدیدًا للولایات المتحدة وسیاساته ومواقفه مع الحزب الدیمقراطی ، ستعود العلاقات الأمریکیة الأوروبیة مرة أخرى إلى الماضی. تحتاج الولایات المتحدة إلى التعاون مع أوروبا، وخاصة قوتها الناعمة، لتعزیز موقعها الاستراتیجی ومصداقیتها السابقة فی العالم، لمواجهة التحدیات والتهدیدات الجیوسیاسیة التی تشکّلها القوى العظمى الأخرى، واحتواء القوة المتنامیة للصین.

تبحث أوروبا أیضًا عن فرصة انتصار بایدن لتنشیط ولعب دورها ککتلة قویة فی القضایا الإقلیمیة والدولیة المهمة.

نظرًا لاحتیاجات أوروبا للولایات المتحدة، والتی منعتها من لعب دور مستقل، فضلاً عن اعتماد أوروبا على الولایات المتحدة، لا سیما تبعیاتها الدفاعیة والأمنیة، فضلاً عن العلاقات الإقتصادیة القویة بینهما، مع 1.3 تریلیون دولار فی التجارة الخدمات والسلع سنویًا وحجم استثمار 6 تریلیون دولار بین الطرفین، لطالما تأثرت طبیعة علاقات الولایات المتحدة مع أوروبا ، وبالتالی علاقات أوروبا مع الدول الأخرى، بالتطورات الداخلیة للولایات المتحدة. على سبیل المثال، خلال فترة ولایة ترامب التی امتدت لأربع سنوات، تراجع موقف الإتحاد الأوروبی ککتلة تسعى للسلطة، وأصبحت أوروبا تدرک بشکل متزاید عدم قدرتها على اتخاذ أی إجراء إقلیمی أو دولی دون مشارکة الولایات المتحدة.

على الرغم من أن أوروبا تتماشى إلى حد کبیر مع نهج الدیمقراطیین فی ممارسة السلطة السیاسیة فی الشؤون السیاسیة والدولیة، لکن بسبب اعتماد أوروبا على الولایات المتحدة، اضطرت للتنسیق مع الجمهوریین فی عهد ترامب لتنظیم علاقاتها مع باقی دول العالم.

تعکس تجربة السنوات الأربعین الماضیة من العلاقات والتعاون بین أوروبا والجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة حقیقة أن علاقات أوروبا مع إیران قد تأثرت أیضًا بالإنتخابات الرئاسیة الأمریکیة والحزب الفائز، أی بعبارة أخرى العلاقات الأمریکیة مع أوروبا. تعکس الاستطلاعات والتحلیلات التی أجرتها مراکز الفکر الأوروبیة أیضًا حقیقة أن حاجة أوروبا للولایات المتحدة منعتها من لعب دور مستقل فی القضایا الإقلیمیة والعالمیة المهمة.

لم تکن معاملة أوروبا للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی عهد ترامب أکثر من کلمات جوفاء وأحیانًا تصریحات جوفاء. لن یختلف سلوک وأداء أوروبا تجاه بلدنا فی عهد بایدن کثیرًا من حیث النهج. سوف یستمر دعم السیاسات والإجراءات الأمریکیة تجاه إیران، وهذا لن یؤدی إلا إلى استغلال الولایات المتحدة لأوروبا ضد بلدنا. عودة إیران إلى التزامات اتفاقیة برجام خاضعة للرفع العملی لجمیع العقوبات الأمریکیة. إذا حدث هذا وتم إتفاق محتمل بین إیران والولایات المتحدة فی إطار برجام، فلن یکون أمام أوروبا خیار سوى قبول هذه الإتفاقیة، لکنها، کما فی الماضی، قد تخلق عقبات واعتراضات فی سعیها لتحقیق مصالحها الخاصة ومن أجل إرضاء الدول المعارضة لبرجام، مثل النظام الصهیونی والسعودیة والإمارات والبحرین. من المهم أیضًا ملاحظة أن أوروبا لعبت أیضًا دورًا تنسیقیًا ولیس دورًا حاسمًا خلال اتفاقیة برجام.

تعتبر المقارنة بین سلوک وأداء أوروبا تجاه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة خلال فترة الدیمقراطیین والرئیس باراک أوباما وأثناء الجمهوریین والرئیس دونالد ترامب مثالًا واضحًا على التزام أوروبا بالولایات المتحدة تجاه إیران. فی عهد أوباما، تصرفت أوروبا بالتنسیق مع إیران بما یتماشى مع النهج الأمریکی. فی عهد ترامب أیضًا، على الرغم من أنه انتقد سیاساته ظاهریًا فی بعض الأحیان، إلا أنّه تصرف وفقًا لنهج وسیاسات ترامب تجاه إیران تحت الضغط وبسبب اعتماد أوروبا على الولایات المتحدة.

ویمکن تحلیل التحرکات والمواقف الأخیرة للإتحاد الأوروبی وتصریحات مسؤولی ألمانیا وفرنسا وبریطانیا تجاه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی هذا الصدد. على الرغم من ترحیب أوروبا بعودة الولایات المتحدة إلى اتفاقیة برجام، إلا أنها ستتخذ موقفًا أکثر صرامة بشأن القضایا المتنازع علیها مع إیران. بشکل عام، لن یختلف کثیرًا السلوک السیاسی لأوروبا تجاه إیران فی عهد بایدن عن عهد ترامب من حیث النهج.

تتابع أوروبا، ولا سیما الدول الثلاث، بریطانیا وفرنسا وألمانیا، وتسعى إلى عدم إحراز تقدم فی برنامج إیران النووی السلمی، وکبح برنامجها الصاروخی وتقلیص نفوذ إیران الإقلیمی.

الدرس المهم الذی تعلمنا من برجام هو أن اللغة الوحیدة التی یفهمها الغرب وأوروبا هی اللغة التی یتحدثون بها للآخرین، وهی لغة القوة، وأی تلیین أو تقصیر فی مواجهة المطالب غیر المشروعة للغرب وأوروبا یجعلهم أکثر جرأة فی تحقیق رغباتهم.

هذا لا یعنی عدم الحوار والتفاوض مع الغرب وأوروبا، ولکن أی حوار وتفاوض یجب أن یکون مخططًا وهادفًا وذکیًا ومن منطلق الکرامة والإستقلالیة وضمن مصالح  الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وبمعرفة دقیقة بقدرات الأطراف الأخرى.

 جواد کتشوئیان، خبیر أول فی الدراسات الأوروبیة

        "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است