السیاسة روسیا متعددة الأوجه فی أفغانستان

یعتبر السلام والأمن فی أفغانستان أحد أهم قضایا الأمن الدولی التی شارکت فیها العدید من البلدان، بما فی ذلک جیرانها فی آسیا الوسطى. إن القرب الجغرافی لأفغانستان وحدودها المشترکة مع طاجیکستان وأوزبکستان وترکمانستان فی آسیا الوسطى، والتی تُعرف وفقًا لاستراتیجیة الأمن السیاسی الروسی باسم الحدود الخارجیة القریبة والمناطق ذات المصالح الحیویة، أعطت أفغانستان مکانًا مهمًا فی السیاسة الخارجیة والأمنیة لروسیا.
17 جمادى الثانية 1442
رویت 2351
علي أكبر جوكار

 یعتبر السلام والأمن فی أفغانستان أحد أهم قضایا الأمن الدولی التی شارکت فیها العدید من البلدان، بما فی ذلک جیرانها فی آسیا الوسطى. إن القرب الجغرافی لأفغانستان وحدودها المشترکة مع طاجیکستان وأوزبکستان وترکمانستان فی آسیا الوسطى، والتی تُعرف وفقًا لاستراتیجیة الأمن السیاسی الروسی باسم الحدود الخارجیة القریبة والمناطق ذات المصالح الحیویة، أعطت أفغانستان مکانًا مهمًا فی السیاسة الخارجیة والأمنیة لروسیا.  وبناءً على ذلک، فإنّ أهم أولویات روسیا فی العلاقات مع أفغانستان هی بشکل عام قضیة الأمن، والتی لها بالطبع إرتباط کبیر بالنهج الجیوسیاسی الروسی فی المنطقة والعالم. ضاعف الأمن والجغرافیا السیاسیة، إلى جانب التعاون الإقتصادی، لا سیما فی مجالات التعدین تحت الأرض، والطاقة، والنقل، والأسلحة، من أهمیة أفغانستان فی السیاسة الخارجیة لروسیا، مما دفعها إلى مراقبة التطورات فی أفغانستان عن کثب ومحاولة لعب دور کواحد من اللاعبین الرئیسیین فی هذا المجال.

 

أهمیة أفغانستان بالنسبة لروسیا

أصبحت أفغانستان على وجه التحدید جزءًا من التنافس الجیوسیاسی بین روسیا القیصریة والإمبراطوریة البریطانیة فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر، واستمر هذا التنافس بین روسیا والولایات المتحدة فی النصف الثانی من القرن العشرین. الإحتلال العسکری السوفیاتی لأفغانستان فی أوائل الثمانینیات وانسحابهم الفاشل فی عام 1988، والذی سرعان ما أعقب انهیار الإتحاد السوفیتی، أدّى إلى حالة من انعدام الأمن فی أفغانستان مما أثّر حتمًیا على محیط روسیا، وخاصة دول آسیا الوسطى المستقلة حدیثًا.

بالإضافة إلى القضایا الأمنیة، فإن المسألتین الإقتصادیتین والجیوسیاسیتین فی أفغانستان لهما أهمیة کبیرة بالنسبة لروسیا. أفغانستان بلد غنی بالموارد المعدنیة، ووفقًا للإستکشاف الجیولوجی خلال الحقبة السوفیتیة، فإنّ احتیاطیاتها المعدنیة غیر المستغلة، بما فی ذلک الموارد النادرة، قد تصل إلى أکثر من تریلیون دولار.  من ناحیة أخرى، قد زادت قدرة الدولة فی مجالات أخرى، وخاصة فی مجال النقل، من أهمیة هذه الموارد. یعد التنافس الجیوسیاسی أیضًا أحد أهم القضایا التی تؤثر على نهج روسیا تجاه أفغانستان، على الرغم من تعاون روسیا الأولی مع الولایات المتحدة وحلف شمال الأطلسی، والذی سیتم مناقشته أدناه.

 

نهج روسیا تجاه أفغانستان قبل وبعد عام 2001

یمکن النظر إلى صعود طالبان واستیلاء الجماعة على کابول فی عام 1996 على أنه نقطة انطلاق لترکیز روسی جدید على أفغانستان. وتجذّر هذا الموضوع فی قلق الروس من انتشار الإسلام الرادیکالی بین مسلمی هذا البلد وآسیا الوسطى، وبالتالی انتشار التهدیدات الأمنیة داخل حدود هذا البلد. دفع هذا القلق روسیا إلى دعم معارضة طالبان فی أفغانستان، وفی عام 2001، عندما غزت الولایات المتحدة وحلفاؤها أفغانستان، انحازت إلى جانب الولایات المتحدة بکل ما لدیها من قدرات استخباراتیة ودعم لمساعدة عملیاتها العسکریة فی أفغانستان. کانت أهمیة هزیمة طالبان بالنسبة للروس کبیرة لدرجة أنها سمحت للولایات المتحدة بإنشاء قواعد عسکریة فی قیرغیزستان وأوزبکستان.

مع تشکیل الحکومة المرکزیة فی أفغانستان برئاسة السید حامد کرزای فی عام 2002، کانت سیاسة روسیا هی دعم هذه الحکومة. السیاسة التی استمرت فی الولایة الأولى للرئیس أشرف غنی بطریقة مختلفة نسبیًا. وکان أهم مؤشر على السیاسة الخارجیة لروسیا خلال هذه الفترة تنسیقها مع الغرب لمواجهة طالبان رغم بعض الخلافات منها توسع الناتو شرقا واندلاع الثورات الملونة فی القوقاز وآسیا الوسطى. من عام 2009 إلى عام 2011، وفقًا لشبکة NDN، تم إرسال جزء کبیر من وقود إیساف والمواد المدنیة إلى أفغانستان عبر روسیا. وخلال هذه الفترة أیضًا، أدّت إعادة فتح المجال الجوی الروسی وآسیا الوسطى أمام الطائرات العسکریة الأمریکیة وحلف شمال الأطلسی إلى إرسال کمیة کبیرة من معدات وقوات إیساف إلى أفغانستان عبر هذا الطریق، لکن هذا التعاون لم یضعف حرکة طالبان فحسب، ولکن مع استمرار هیمنتها على المنطقة الأوسع من أفغانستان، بدأت مراحل جدیدة فی تغییر نهج السیاسة الخارجیة لروسیا تجاه أفغانستان.

یمکن اعتبار انتصارات حرکة طالبان فی أجزاء مختلفة من أفغانستان وعدم قدرة الحکومة المرکزیة على منع تقدمهم من العوامل لتغییر النهج الروسی فی أفغانستان. على وجه الخصوص، منذ وجود قوات التحالف فی أفغانستان فی عام 2001، زاد إنتاج المخدرات، المصدر الرئیسی لتمویل طالبان، بمقدار أربعین ضعفًا بحلول عام 2017. تجری روسیا اتصالات رسمیة مع طالبان منذ عام 2015، رغم أن مصادر غربیة مثل رویترز تزعم أن الإتصالات تعود إلى عام 2007. ومع ذلک، وفقًا للمسؤولین الروس، فقد تمّت هذه الإتصالات منذ عام 2015، وأکّد السید زامیر کابولوف، المبعوث الروسی الخاص إلى أفغانستان، فی دیسمبر 2015، أن الجانب الروسی لدیه قناة اتصال مع طالبان وأنه یجری تبادل المعلومات بین الجانبین.

بصرف النظر عن التطورات المهمة التی حدثت هذا العام، لا یمکن تحلیل الإعلان الواضح عن العلاقات بین روسیا وطالبان فی عام 2015. الأزمة فی أوکرانیا وضم شبه جزیرة القرم لروسیا، وصعود تنظیم الدولة الإسلامیة فی العراق وسوریا، وانتشار القوات الروسیة فی سوریا لمواجهة داعش والجماعات الإرهابیة، کانت أحداثًا زادت من حدة الخلافات الروسیة مع الغرب، وأدّت إلى عقوبات إقتصادیة شدیدة فرضتها الولایات المتحدة وأوروبا على البلاد. من ناحیة أخرى بعض التطورات فی أفغانستان، مثل تقدم حرکة طالبان فی مناطق متفرقة من البلاد، وتنشیط تنظیم الدولة الإسلامیة، وانتشار انعدام الأمن وزیادة الإنتاج وتهریب المخدرات، تشیر إلى حقیقة أن قوات التحالف بقیادة الولایات المتحدة إما غیر قادرة على مواجهة هذه التطورات، أو لم تأخذها على محمل الجد.

ومع ذلک، أصبح التغییر فی موقف روسیا تجاه أفغانستان، خاصة فی المحادثات مع طالبان من 2016 إلى 2020، أکثر وضوحًا. فی ینایر 2016، زامیر کابولوف، مبعوث بوتین الخاص إلى أفغانستان، أقرّ صراحةً بأنّ مصالح طالبان تتماشى بشکل موضوعی مع مصالح بلاده. وقال إن "حرکة طالبان الأفغانیة والباکستانیة قالتا إنهما لا تعترفان بداعش ولا تقبلان زعیم داعش البغدادی خلیفة، وهذا مهم للغایة. لدینا قنوات اتصال لتبادل المعلومات مع طالبان".

 

الإجراءات الروسیة بالتزامن مع الحرکات الأمریکیة

منذ عام 2016، وضعت روسیا فی الوقت نفسه إطارین للحوار الرسمی وغیر الرسمی‌بشأن أفغانستان على جدول أعمالها. فی الجزء الرسمی من المحادثات الثلاثیة مع الصین والولایات المتحدة، المحادثات الرباعیة مع الصین وباکستان والولایات المتحدة، والمحادثات السداسیة مع الصین وإیران والهند وباکستان وأفغانستان، بالإضافة إلى قمة 6 + 2 (جیران أفغانستان بالإضافة إلى روسیا والولایات المتحدة) ومحادثات إضافیة بما فی ذلک تصمیم وتنفیذ جمیع دول آسیا الوسطى. فی ذات الوقت، کانت المحادثات الأفغانیة من أهم الإجراءات التی قامت بها روسیا، ویعتبر عقد اجتماع نوفمبر 2018 بحضور ممثلین عن طالبان نقطة تحول. لم یکن ذلک محل إعجاب الجانب الأمریکی، ولم تکن الحکومة الأفغانیة حاضرة رسمیًا، رغم وجود بعض أعضاء المجلس الأعلى للسلام.

 

هناک عدة أسباب لسیاسة روسیا فی أفغانستان، ومنها ما یلی:

  • تفعیل تنظیم الداعش فی أفغانستان والقلق من التهدیدات الأمنیة لهذه المجموعة فی آسیا الوسطى وبالتالی فی روسیا.
  • بدء محادثات السلام الأمریکیة مع طالبان فی عام 2018 فی الدوحة بهدف سحب القوات الغربیة تدریجیاً من البلاد فی حین اشتد انعدام الأمن فی أفغانستان.
  • المشاورات الأمریکیة مع الصین وباکستان فی البدایة وتجاهل روسیا فی محادثات السلام، وهو ما قد یعنی عدم الإعتراف بروسیا کقوة إقلیمیة حتى.
  • تکثیف الخصومات الجیوسیاسیة بین روسیا والغرب فی أوکرانیا وسوریا، وجهود روسیا لإبقاء الولایات المتحدة متورطة فی أفغانستان من أجل إدارة مناطق المنافسة الأخرى بشکل أفضل.

من جهة أخرى، أدرکت روسیا قدرات جیران أفغانستان، وأن أی مفاوضات لن تنجح بدون وجودهم، وأشرکتهم فی الخطوات التالیة کما هو مخطط لها. ومن بین هذه الخطوات، إنشاء إطار تفاوضی مع الصین وباکستان فی المراحل الأولى وتجاهل الحکومة الأفغانیة ودولتین‌هامتین من الدول المجاورة، إیران والهند، والتی تمّ بالطبع تعدیلها واستکمالها فی مراحل لاحقة. وکانت المحاولة الأخرى لروسیا هی المشارکة فی محادثات الدوحة وإشراک الولایات المتحدة فی المبادرات الروسیة. ولا یبدو أنها أقنعت الولایات المتحدة بمنح روسیا مکانًا مهمًا فی محادثات الدوحة للسلام مع طالبان.

 

إستنتاج:

التطورات فی أفغانستان، التی کانت فی حالة حرب مع قوات الإحتلال الأجنبیة والحروب الأهلیة لأکثر من أربعة عقود، ذات أهمیة کبیرة لجیران البلاد. أدّى انعدام الأمن والتطرف وإنتاج المخدرات والإتجار بها والهجرة غیر الشرعیة، إلى جانب وجود القوات الأمریکیة وحلف شمال الأطلسی، إلى زیادة حساسیة الدول تجاه التطورات فی أفغانستان. على الرغم من أنّ الأولویة الأمنیة أدّت إلى تعاون روسی مکثّف مع قوات التحالف والولایات المتحدة فی العقد الأول من الألفیة الجدیدة، إلا أنّ تنافسها الجیوسیاسی مع الولایات المتحدة أصبح أکثر أهمیة فی العقد الثانی، وخاصة فی عام 2015. بالإضافة إلى ذلک، شعرت روسیا أنه مع تقویة حرکة طالبان ووجود تنظیم الداعش فی أفغانستان، بخلاف الإجراءات الظاهرة للولایات المتحدة وقوات التحالف، کانت هناک نوایا لإزعاج البلدان المحیطة بأفغانستان.

فی هذا الصدد، فإنّ روسیا، کدولة أثّرت على التطورات فی أفغانستان على مدى عقود، أن تلعب دورًا فاعلاً فی تشکیل التطورات فی أفغانستان فی مواجهة السلوک الأحادی لقوة منافسة، وهی الولایات المتحدة والناتو. کان خلق مساحة للحوار بین الجماعات الأفغانیة مع طالبان فی موسکو وإجراء محادثات رسمیة مع الحکومة الأفغانیة والدول المجاورة من بین أهم الخطوات التی اتخذتها البلاد بالتوازی مع محادثات السلام التی تقودها الولایات المتحدة مع طالبان. ومع ذلک، تمّ توقیع اتفاق الدوحة للسلام النهائی مع الولایات المتحدة. وقد أدّى ذلک إلى اتّخاذ المتحدث باسم الخارجیة الروسیة موقفًا مختلفًا فی 3 دیسمبر 2021. وقالت ماریا زاخاروفا (Maria Zakharova):  مشیرة إلى أن الولایات المتحدة وقواتها غیر متواجدة فی أفغانستان حسب تقدیرها الخاص وتعمل تحت رعایة مجلس الأمن. "نرید أن نعرف ماذا فعلوا خلال سنوات من تواجدهم فی أفغانستان، ودون سخریة أرید أن أقول: ما هی النجاحات حققوها؟ لأن الوضع فی ذلک البلد صعب للغایة وهناک العدید من الضحایا البشریة بین العسکریین والمدنیین، التی حدثت أثناء وجود القوات الغربیة فی أفغانستان وهی مخفیة عن الرأی العام، یجب أن یأتوا ویقدموا تقاریر عن أفعالهم، ویجب استشارة مجلس الأمن، والمجتمع الدولی، المفوض بالعمل فی أفغانستان، لهم الحق فی معرفة  ماذا جرى فی أفغانستان".

 

علی أکبر جوکار: خبیر أول فی دراسات آسیا الوسطى وقوقاز

      "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است