فی السنوات الأخیرة، وخاصة هذا العام، لقد تحدى مجلس الأمن بشدة بسبب الإجراءات الأحادیة الجانب والمطالب غیر القانونیة لحکومة الولایات المتحدة بصفتها عضوا دائما فی مجلس الأمن. هذه ظاهرة غیر مسبوقة على الإطلاق. محاولات بعض الأعضاء لإساءة استخدام هذه الهیئة الدولیة لتعزیز أهداف سیاستهم الخارجیة قد ألحقت ضررا کبیرا بمجلس الأمن. لقد تم تهدید وهدم تعددیة الأطراف باعتبارها أحد أسس النظام الدولی الحالی. هذه الأحداث جعلت من الصعب على أعضاء المجتمع الدولی، وخاصة أعضاء مجلس الأمن، إعادة الأمور إلى مسارها الصحیح وتمکین مجلس الأمن من الوفاء بمسؤولیته الأساسیة المتمثلة فی صون السلم والأمن الدولیین.
مجلس الأمن بصفته أقوى مؤسسة فی الأمم المتحدة، یتحمل المسؤولیة الأساسیة عن صون السلم والأمن الدولیین. لذا سعى واضعو میثاق الأمم المتحدة إلى إنشاء آلیة یمکنها منع حرب عالمیة أخرى، لذلک، عند صیاغة هذه الوثیقة الهامة للغایة، ومن أجل الحفاظ على السلم والأمن الدولیین، تمّ إنشاء مجلس الأمن وأعطیت له سلطة واسعة. مُنح مجلس الأمن سلطة إصدار تصاریح عقوبات فی حالة حدوث أزمة أو نزاع دولی، بما فی ذلک سلطة فرض عقوبات سیاسیة واقتصادیة وحتى استخدام القوة العسکریة.
یُفترض أنّ الحرب واستخدام القوة العسکریة ضدّ دولة أو عدد من الدول لها شرعیة عندما یأذن بها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من المیثاق. ویرد استثناء هذا الافتراض فی المادة 51 من المیثاق، التی تؤکد على الحق الطبیعی فی الدفاع عن النفس وتنطبق "فی حالة وقوع هجوم مسلح على عضو من أعضاء الأمم المتحدة طالما أن مجلس الأمن یتخذ التدابیر اللازمة للحفاظ على السلم والأمن الدولیین". فی الوقت نفسه، "یجب على الأعضاء إبلاغ مجلس الأمن فوراً بالإجراءات التی یتخذونها لممارسة حقهم فی الدفاع عن النفس". کما أنّ أی عمل دفاعی مشروع "لن یؤثر بأی حال من الأحوال على سلطات ومسؤولیات مجلس الأمن بموجب المیثاق، والذی بموجبه سیتخذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على السلم والأمن الدولیین واستعادتهم کلما رأى ذلک ضروریًا".
المادة 25 من میثاق الأمم المتحدة تلزم أعضاء المنظمة بقبول وتنفیذ قرارات مجلس الأمن وفقاً لمیثاق المنظمة. هناک نقطة مهمة فی هذا الإلتزام، وهی أن المجلس، فی الإطّلاع على مسؤولیاته، یجب أن یتقید بالقانون الدولی ومبادئ میثاق الأمم المتحدة. بالنظر إلى تاریخ مجلس الأمن وأدائه، کان هناک الکثیر من الإنتقادات لعملیة صنع القرار فی مجلس الأمن من حیث التقیّد بالقانون الدولی ومبادئ المیثاق. بالإضافة إلى ذلک، لطالما تعرّضت البنیة المنغلقة وغیر الدیمقراطیة للمجلس لانتقادات من قبل مجموعات فی العدید من البلدان. وانتقد مجلس الأمن حق النقض (الفیتو) الذی یمارسه خمسة أعضاء دائمین فی مجلس الأمن. ومع ذلک، یجادل المدافعون عن حق النقض بأنّ هذا الحق، على الرغم من کونه تمییزیًا، کان من الجید العمل به ووجوده ساعد فی الحفاظ على الأمن والسلم الدولیین أکثر من غیابه.
هناک اعتراض على أن المجلس تصرف بطریقة تتجاوز القانون الدولی ومبادئ المیثاق، فی کثیر من الحالات. یقوم أعضاء الأمم المتحدة حالیاً باتخاذ عدة خطوات لإصلاح مجلس الأمن. کما أنّ هناک وجهات نظر متباینة بین الدول التی تسعى لإصلاح مجلس الأمن. الجهات الفاعلة البارزة التی تسعى إلى إصلاح هیکل مجلس الأمن، بدلا من القلق بشأن عیوب مجلس الأمن، فإنهم یسعون إلى الحصول على منصب أعلى فی مجلس الأمن وإذا لم تلب هذه الإصلاحات مطالبهم ، فلن تکون موضع ترحیب کبیر.
فی السنوات الأخیرة، وخاصة هذا العام، لقد تحدى مجلس الأمن بشدة بسبب الإجراءات الأحادیة الجانب والمطالب غیر القانونیة لحکومة الولایات المتحدة بصفتها عضوا دائما فی مجلس الأمن. هذه ظاهرة غیر مسبوقة على الإطلاق. کما أن انسحاب الولایات المتحدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى انتهاک التزاماتها بموجب الاتفاقیة ، ینتهک أیضًا قرار مجلس الأمن رقم 2231 (20 یولیو 2015). إنها المرة الأولى فی تاریخ مجلس الأمن التی یتجاهل فیها عضو دائم جمیع المبادئ الأساسیة لمجلس الأمن، وینتهک قرارًا ملزمًا، بالإضافة إلى معاقبة دول أخرى على الوفاء بالتزاماتها بموجب القرار. لقد وضع سلوک الولایات المتحدة مرارًا وتکرارًا مجلس الأمن وأعضائه، ومن منظور أوسع، المجتمع الدولی بأسره فی موقف حرج.
فی أغسطس من هذا العام، اقترحت الولایات المتحدة قرارًا بحظر دائم للأسلحة المفروض على إیران. ومع ذلک، لا یوجد دلیل مثبت على أنّ إیران شکّلت تهدیدًا للسلم والأمن الدولیین. فشل مشروع القرار بسبب التصرف المسؤول لأعضاء آخرین فی مجلس الأمن. واستجاب بلدین فقط، بشکل إیجابی لمشروع القرار، الولایات المتحدة نفسها والجمهوریة الدومینیکیة.
بعد هذه الهزیمة بوقت قصیر، أطلقت الولایات المتحدة عملیة غیر قانونیة لإطلاق ما یسمى Snapback وإعادة قرارات مجلس الأمن السابقة والعقوبات ضد إیران. هذه المرة أیضاً على مستوى مجلس الأمن وفی أعقاب هذه السلسلة من الأعمال الاستفزازیة والخطیرة، کان رد فعل أعضاء مجلس الأمن السلبی على الإستفزازات الأمریکیة واضحاً وحاسماً. رئیسا مجلس الأمن، إندونیسیا والنیجر، الواحد تلو الآخر، رفضا حجج ومطالب الحکومة الأمریکیة. کانت هذه التصرفات الأمریکیة مثالاً واضحًا على محاولة أحد الأعضاء الدائمین فی مجلس الأمن إساءة استخدام هذه الهیئة المهمة جدًا فی الأمم المتحدة، والتی بالطبع فشلت، ولم تکن مدعومة من قبل أعضاء آخرین.
من الواضح أن مجلس الأمن عانى کثیراَ من محاولات بعض الأعضاء لإساءة استخدام هذه الهیئة الدولیة لتعزیز أهداف سیاستهم الخارجیة. لقد تمّ تهدید وهدم تعددیة الأطراف باعتبارها أحد أسس النظام الدولی الحالی. هذه الأحداث جعلت من الصعب على أعضاء المجتمع الدولی، وخاصة أعضاء مجلس الأمن، إعادة الأمور إلى مسارها الصحیح وتمکین مجلس الأمن من الوفاء بمسؤولیته الأساسیة المتمثلة فی صون الأمن والسلم الدولیین. المجتمع الدولی بحاجة إلى منع مجلس الأمن من أن یصبح أداة فی صندوق أدوات السیاسة الخارجیة لبلدان معینة. إنّ للنهج الإحتکاریة وتجاوزات مجلس الأمن آثارا مدمرة، على مجلس الأمن نفسه أولاً وقبل کل شیء، ثمّ على الأمن والسلم الدولیین.
خلال السنوات الأربع من حکم دونالد ترامب فی البیت الأبیض، لم تتضرر المنظمات والأعراف والآلیات الدولیة فحسب، بل اشتدت حدة الأزمات الإقلیمیة. فی غضون ذلک، تعانی منطقة الشرق الأوسط من أزمة أکثر من أی منطقة أخرى. إنّ مجلس الأمن بحاجة إلى اتّخاذ إجراءات جادة لإیجاد حل عادل ومنصف لهذه الأزمات. لقد أغرقت الحرب الطویلة والممیتة فی الیمن هذا البلد الفقیر فیهاویة الدمار. یجب بذل الجهود لإنهاء هذه الحرب فی أسرع وقت ممکن وتمهید الطریق لحل عادل قائم على الإرادة الحرة للشعب الیمنی وإرادته. إیران قدّمت خطتها لإنهاء هذه الأزمة، وهی مسجلة أیضا لدى مجلس الأمن. ترتکز رکائز الخطة على وقف فوری لإطلاق النار، وتوفیر المساعدات الإنسانیة الدولیة، والحوار بین الیمنیین، وتشکیل حکومة وطنیة واسعة. لا تزال خطة إیران هی الخطة الأکثر جدوى لإنهاء هذه الحرب المدمرة.
لا تزال الأزمة المستمرة فی فلسطین المحتلة تشکل تهدیداً مستمراً فی منطقتنا. ورغم کل الجهود المبذولة لتهمیش هذه القضیة، تظل الأزمة الفلسطینیة أهم أزمة فی المنطقة. إن حل القضیة الفلسطینیة لا یمکن أن یتحقق بدون نهج عادل تجاه الحقوق غیر القابلة للتصرف واحترام سیادة الشعب وسکان هذه الأرض. الإستخدام الواسع النطاق للقوة والعنف من قبل نظام الاحتلال والسیاسة المتحیزة للولایات المتحدة وإنکار الحقوق الأساسیة للفلسطینیین أدّى إلى تفاقم الوضع. الاعتراف بالقدس عاصمة للنظام الصهیونی، ونقل السفارة الأمریکیة إلى هذا المکان، الاعتراف بسیادة الکیان الصهیونی على الجولان المحتل وخطة صفقة القرن، لقد أغضب وأحبط الفلسطینیین أکثر من أی وقت مضى.
کما أن تطبیع علاقات الکیان الصهیونی مع بعض الدول العربیة، والتی غالبًا ما کانت متواطئة فی إطلاق النار من بعید، یهدف أیضًا إلى تهمیش قضیة فلسطین. لا یمکن اعتبار هذه المشکلة إلا کإجراء قصیر المدى. طالما تمّ تجاهل الفلسطینیین الذین هم الأطراف الرئیسیة فی هذه القضیة، وحرموا من سیادتهم، هذه الجهود لن تذهب إلى أی مکان وهی تقع على عاتق مجلس الأمن وعلیه مسؤولیة واسعة فی إنهاء البؤس والمعاناة الطویلة الأمد للشعب الفلسطینی، لکنه حتى الآن فشل فی لعب دور فعال.
إستنتاج وخلاصة:
- بالإضافة إلى المناقشات والخلافات التی دارت فی الماضی حول عمل مجلس الأمن، فقد عانى المجلس فی السنوات الأخیرة مزیداً من الضرر الذی عرقل عمله ومصداقیته. إن الأضرار التی لحقت بمجلس الأمن جراء الأعمال الاستفزازیة وغیر المسؤولة لإدارة دونالد ترامب تتطلب تصحیحًا عاجلاً وتغییر الاتجاهات الموجودة. والآن یحتاج مجلس الأمن إلى إعادة بناء مصداقیته أولاً وقبل کل شیء.
- خلال رئاسة دونالد ترامب ومجموعته فی البیت الأبیض، تعرّضت التعددیة لتهدیدات شدیدة. من الضروری إحیاء التعددیة وإیجاد حلول مشترکة للمشاکل الإقلیمیة والعالمیة من أجل وقف هذه العملیة وإعادة الأمور إلى مسارها الصحیح.
- لا ینبغی أن تؤدی معالجة القضایا الناشئة لمجلس الأمن نتیجة تصرفات إدارة دونالد ترامب فی الولایات المتحدة إلى نسیان مخاوف مجلس الأمن السابقة. یجب متابعة عملیة الإصلاح فی مجلس الأمن بکل جدیة وفی ضوء واقع المجتمع الدولی الیوم، وزیادة شمولیة هیکل مجلس الأمن وقبوله. هذا المجلس فی العقد الثالث من القرن الحادی والعشرین بحاجة إلى إصلاح جذری لتلبیة احتیاجات العصر.
- إذا تمکّن مجلس الأمن من تمثیل المجتمع الدولی بشکل أفضل سوف یکون أکثر خضوعا للمساءلة، وأکثر فعالیة فی الحفاظ على الأمن الدولی والإقلیمی.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"