العلاقات الهندیة الصینیة، التسامح والحد الأدنى من التفاهم

على الرغم من التفاوت الواضح فی القدرات العسکریة للهند والصین، لا یُتوقع من الجارتین المسلحتین نوویًا أن تعربا عن رغبتهما فی تصعید التوترات والإحتکاکات، نظرًا للعواقب الوخیمة والمخاطر الناجمة من أزمة لا یمکن السیطرة علیها.
22 جمادى الأولى 1442
رویت 2719
حسین ابراهیم‏ خانی

 على الرغم من التفاوت الواضح فی القدرات العسکریة للهند والصین، لا یُتوقع من الجارتین المسلحتین نوویًا أن تعربا عن رغبتهما فی تصعید التوترات والإحتکاکات، نظرًا للعواقب الوخیمة والمخاطر الناجمة من أزمة لا یمکن السیطرة علیها. وبناءً على ذلک، من المتوقع أن یتفق کلا الفاعلین على تقلیل التوترات، وبذلک سیواصلون تحقیق أهدافهما الاستراتیجیة باستخدام الأدوات والوسائل غیر المسلحة المتاحة لهم والعودة إلى فترة أخرى من الحفاظ على الوضع الراهن على الحدود حتى تسویة الخلافات بشکل نهائی.

الحقائق التاریخیة تظهر الصداقة طویلة الأمد وحسن النیة بین الهند الحدیثة والصین القدیمة. ساعد فرع من طریق الحریر، بصرف النظر عن توفیر طریق تجاری رئیسی، فی انتشار البوذیة فی الصین وما وراءها بین القرنین الأول والثانی قبل المیلاد. إنطلق الراهب الصینی الشهیر شوان زانغ فی رحلة مدتها 16 عامًا إلى الهند عام 629م، وعند عودته إلى الهند، أسس المدرسة الهندیة للبوذیة التی جذبت الکثیر من الأتباع فی الصین. فی وقت إنشاء کل من الهند الحالیة فی عام 1947 والصین الشیوعیة فی عام 1949، سادت النوایا الحسنة فی العلاقات الثنائیة. کانت الهند ثانی دولة غیر إشتراکیة تعترف بالصین وکانت من أبرز المدافعین عن عضویة الصین فی الأمم المتحدة. من وجهة نظر نهرو، أول رئیس وزراء للهند، کانت الصین والهند حضارتین قدیمتین نشأتا فی شکل دول حدیثة، وکانتا رائدتین فی نظام عالمی أکثر عدلاً.

فی عام 1950، عرضت الولایات المتحدة التنازل عن مقعد الصین فی مجلس الأمن الدولی للهند. بعد خمس سنوات، قدم الإتحاد السوفیتی اقتراحًا مشابهًا. تجنب نهرو قبول کلا الإقتراحین من أجل تجنب الإساءة إلى الصین. فی عام 1954، وقع نهرو وتشوان لای على میثاق "بانجشیل" الذی یتألف من خمسة مبادئ للتعایش السلمی. فی عام 1955، أیّدت الهند فکرة مشارکة الصین فی مؤتمر باندونغ، مما أدّى إلى تشکیل حرکة عدم الإنحیاز. وهکذا أنهى عقد من العلاقات الجیدة فی عام 1959 فیما یتعلق بالمطالبات الإقلیمیة والنزاعات الحدودیة الناشئة عن الضم التدریجی للتبت إلى الصین. فی الأساس، یمکن تلخیص التوتر بین القوتین الآسیویتین فی حقیقة واحدة بسیطة: أرادت الهند الحفاظ على حدود الهند البریطانیة، فی حین سعت الصین إلى إحیاء حدود سلالة تشینغ.

فی عام 1954، نشرت الهند خرائط جعلت منطقة أکسای الصینیة الواقعة شرق لاداخ جزءًا من الأراضی الهندیة وأقامت خط الحدود البریطانی المحدد باعتباره الحدود الشمالیة الغربیة مع الصین. من ناحیة أخرى، کانت منطقة تونج أروناتشال برادیش جزءًا آخر من النزاع الإقلیمی الذی تعتبره الصین جزءًا من "منطقة التبت ذاتیة الحکم". إن بناء البنیة التحتیة العسکریة من قبل کلا البلدین، واستکمال الطریق الذی یربط شینجیانغ بالتبت من قبل الصینیین عبر أکسای الصینیة، وانتفاضة التبت عام 1959، ورحلة الدالای لاما إلى الهند، جعلت مواقف الجانبین أکثر تشددًا وأدت إلى أول اشتباکات حدودیة فی أغسطس 1959.

تشوان لای فی رسالة إلى نهرو بتاریخ 8 سبتمبر 1959، من أجل الحد من التوترات، أکّد أن: "الحدود الحالیة کانت نتیجة العدوان الإمبریالی البریطانی" ، واصفا إیاها بأنّها "غیر شرعیة". کما اقترح على نظیره الهندی الحفاظ على الوضع الراهن واتّخاذ خطوات لحل المشکلات خطوة بخطوة بمرور الوقت. سمیت هذه الحدود المتنازع علیها فیما بعد " خط السیطرة الفعلیة". من الواضح أنّ الحفاظ على الوضع الراهن الذی ذکره تشوان لای یعنی التوصل إلى حل وسط، بما فی ذلک سحب مطالبات الطرفین الإقلیمیة بشأن أکسای وأروناتشال برادیش الصینیة، والقبول النهائی لخط السیطرة الفعلیة باعتباره الحدود المشترکة للبلدین. هذه الفکرة لم تجذب نهرو.  وتبنت "سیاسة تقدمیة" تستند إلى تقییمات استخباراتیة غیر صحیحة أکّدت له أن الصینیین لن یتصرفوا بجدیة.  وبموجب ذلک واصل الجیش بناء قواعد عسکریة فی المناطق التی تطالب بها الصین.

فی 15 نوفمبر 1962، هاجم الجیش الصینی جمیع القوات الهندیة المنظمة فی نقاط رئیسیة فی المناطق المتنازع علیها على جبهة طولها 3000 کیلومتر واحتلّت أروناتشال برادیش. بعد أسبوع واحد، أعلنت بکین وقف إطلاق النار من جانب واحد بناءً على نفس الشروط المقترحة فی عام 1959، وسحبت قواتها من أروناتشال برادیش. فی عام 1963، تنازلت باکستان عن السیطرة على کشمیر للصین لتسویة نزاعها الحدودی مع بکین فی "شاکسغام". وأقامت علاقات تعززت بمرور الوقت وأصبحت رافعة فعالة لاحتواء منافس مشترک.  إشتبکت القوات الهندیة والصینیة مرة أخرى فی عام 1967 عند معبرین لمنطقة محمیة "سیکیم" والتبت.  فی عام 1975، ضمت الهند سیکیم کمقاطعة هندیة. یمثّل الحادث بدایة جولة جدیدة من الإشتباکات الحدودیة، مما أدّى إلى مقتل أربعة جنود هنود، وهی آخر ضحایا من جانبی الصراع على مدار 45 عامًا قادمة. قررت نیودلهی وبکین الترکیز على مشاکلهما الأکثر خطورة بدلاً من الوقوع فی مواجهة عسکریة.

بعد 15 عامًا، أعادت الهند والصین فتح مکتبان للتمثیل السیاسی فی کلتا العاصمتین عام 1976. خفت التوترات فی العلاقات بشکل کبیر مع زیارة رئیس الوزراء الهندی راجیف غاندی إلى الصین فی عام 1988. تحسنت العلاقات بین نیودلهی وبکین أکثر مع انهیار الإتحاد السوفیتی. وفی عام 1993، وقّعت البلاد إتفاقیة السلام الحدودی ولمدة عقدین، بعد ذلک رفضوا أی مواجهة عسکریة. ومع تحسن العلاقات، إتفق الجانبان عام 1996 على "الإمتناع عن تنفیذ عملیات تفجیریة أو استخدام الأسلحة الناریة والمتفجرات فی نطاق کیلومترین من" خط السیطرة الفعلیة". فی عام 2003، وبعد التقدم المحرز واستعداد البلدین لحل نزاعاتهما الإقلیمیة والحدودیة، إعترفت الصین رسمیًا بسیادة الهند على سیکیم.

فی مطلع القرن، عززت العلاقات الثنائیة بین الصین بقیادة "هو جینتاو" والهند بقیادة رئیس الوزراء "مان موهان سینغ". أیدت الصین محاولة الهند الحصول على عضویة دائمة فی مجلس الأمن الدولی، أجرى الجیشان فی البلدین تدریبات عسکریة مشترکة واتّخذا مواقف مماثلة بشأن بعض القضایا الرئیسیة فی محادثات منظمة التجارة العالمیة. إنضمّ البلدان إلى روسیا والبرازیل وجنوب إفریقیا لاحقًا، على الرغم من الهوامش العدیدة المرتبطة بتشکیل البریکس، الذی کان یُنظر إلیه على أنّه کتلة إقتصادیة جدیدة تأمل فی السیطرة على النمو والإقتصاد العالمی، ومواجهة تفوق الولایات المتحدة وحلفائها الغربیین. فی عام 2004 ، انضمت الهند إلى منظمة شنغهای للتعاون کعضو مراقب ، وفی عام 2017 أصبحت عضوًا کامل العضویة فی المنظمة. بمرور الوقت، کان هناک تعاون ثنائی أکثر فاعلیة فی التجارة، والإستثمار، والتبادلات الفنیة. أصبحت الصین تدریجیاً ثانی أکبر شریک تجاری للهند بعد الولایات المتحدة. تحافظ الهند على مسافة آمنة من الأعضاء الآخرین، الولایات المتحدة والیابان وأسترالیا، وواصلت تعزیز العلاقات مع الصین على الرغم من وجودها الرئیسی فی المحادثات الأمنیة الرباعیة التی عقدت فی عام 2007 ردًا على القوة العسکریة المتنامیة للصین.

تغییر القیادة فی الصین والهند عامی 2012 و 2014 على التوالی رافق زیادة فی القومیة "الهان" والهندوسیة. إتّخذت الصین موقفًا أکثر عدوانیة على الساحة الدولیة منذ وصول شی جین بینغ إلى السلطة، کما تبنّت الهند طابعاً قومیاً أکثر تشددًا فی عهد مودی، على الأقل محلیًا. ومع ذلک، فإن الطبیعة الواعدة للعلاقات الثنائیة کانت لا تزال بارزة فی الإجتماعات الـ 18 بین شی جین بینغ وناریندرا مودی بین عامی 2014 و 2019. أدى الصعود التدریجی للقوة العسکریة للصین، إلى جانب التحرکات القویة فی بحر الصین الجنوبی، ونفوذ بکین المتزاید فی الجوار المباشر، وخصوصیة الهنود فی المحیط الهندی إلى وضع نیودلهی فی موقف صعب. إضطرت حکومة رئیس الوزراء مودی إلى تحقیق توازن بین الولایات المتحدة والصین وروسیا فی نفس الوقت الذی تسعى فیه إلى السیاسة الأکثر أمانًا لکسب الدعم الخارجی فی مواجهة تقدم الصین دون زیادة تأجیج بکین. حتى الآن، کانت نیودلهی مترددة فی الإقتراب أکثر من اللازم من واشنطن خوفًا من الإساءة إلى الصین.

على الرغم من کل المبادرات المحسوبة من الجانبین فی السنوات الأخیرة، تتصاعد الإشتباکات بین القوات الصینیة والهندیة فی المناطق المتنازع علیها. الجدل والفوضى ورشق الحجارة کانت الأحداث السائدة بین مجموعات حرس الحدود. قام الجانبان ببناء الطرق والأنفاق والخنادق على طول خط التحکم الفعلی. على الرغم من یقظة نیودلهی وبکین لتفادی تصعید الأعمال العدائیة، فإنّ أول إشتباک ممیت منذ عام 1975 وقع فی منطقتی لاداک وأکسای فی الصین یونیو الماضی، مما أسفر عن مقتل 20 جندیًا هندیًا وعددًا غیر معروف من الجنود الصینیین. إندلعت المشاعر المناهضة للصین فی الهند بعد الحادث، مع دعوات لمقاطعة البضائع الصینیة واتخاذ تدابیر رسمیة للحد من الإستثمار الصینی، والإعلان عن تجمع "کواد" الرباعی، وفرض حظر على البرامج الصینیة، واستبعاد هواوی من البنیة التحتیة للجیل الخامس. إلتقى وزیرا الدفاع الصینی والهندی واتّفقا فی 6 سبتمبر على هامش إجتماع منظمة شنغهای للتعاون فی موسکو للحد من التوترات: "تجنّب القیام بأی عمل من شأنه أن یعقّد الوضع أو یزید التوترات فی المناطق الحدودیة".

السیاسة الخارجیة للهند بطبیعتها غالبًا ما کانت مستقلة، لکن المواجهة الأخیرة مع الصین، إن لم تتحول إلى قوة دافعة للتوجه الإستراتیجی طویل الأمد للبلاد تجاه الولایات المتحدة، ستقوی توجه نیودلهی إلى الولایات المتحدة والیابان وأسترالیا وجنوب شرق آسیا. فی أواخر تشرین الأول (أکتوبر)، قام وزیر الخارجیة ووزیر الدفاع الأمریکیین بزیارة الهند ووقّعا إتفاقیة ثنائیة لتوسیع شراکة الإستخبارات العسکریة عبر الأقمار الصناعیة، مع الترکیز على التعاون الإستراتیجی بین الولایات المتحدة والهند. کما أحیا ذکرى الجنود الهنود الذین قتلوا فی حادث حدودی وقع مؤخراً مع الصین. وقال بومبیو بصراحة فی إشارة إلى الصین: "ستقف الولایات المتحدة إلى جانب شعب الهند الآن بعد أن أصبح مهددًا بالحریة والسیادة". وفی تطور آخر، أطلق علیه اسم حجر الأساس للإعتراف النهائی لتحالف کواد، إنضّمت أسترالیا بدعوة من نیودلهی إلى مناورات مالابار البحریة السنویة لأول مرة منذ عام 2007 والتی أقیمت فی خلیج البنغال فی نوفمبر 2020 .

لطالما رکّزت الهند على توسیع العلاقات مع الآسیان. فی عام 2017، احتفلت الهند بالذکرى السنویة الخامسة والعشرین لشراکة حوار الآسیان، و 15 عامًا فی قیادة الآسیان و 5 سنوات من الشراکة الاستراتیجیة معهم. من وجهة نظر الهند، حتى الآن رکّزت هذه العلاقات على التعاون الإقتصادی حتى لا تثیر الإستیاء والشک. لکن النزاعات الإقلیمیة المزمنة فی بحر الصین الجنوبی والمخاوف الأمنیة المشترکة للهند وبعض الدول الأعضاء فی الآسیان حول هذه القضیة، بالإضافة إلى المواجهة الحدودیة بین الهند والصین، یمکن أن تؤدی إلى تحالفات مختلفة بین الهند والآسیان.

التوترات الأخیرة فی علاقات الهند مع الصین دفعت نیودلهی إلى الترکیز أکثر على فرصة الإستفادة من فکرة منطقة المحیطین الهندی والهادئ، التی أصبحت مرکزًا عالمیًا للتجارة وإمدادات الطاقة. على الرغم من انتقادات بکین الصریحة، لقیت فکرة المحیطین الهندی والهادئ إشادة دولیة کبیرة، کما کشفت بعض البلدان عن استراتیجیتها فی المحیطین الهندی والهادئ، والتی تعتبر ألمانیا مثالاً حدیثًا لها.

على الرغم من التفاوت الواضح فی القدرات العسکریة للهند والصین، لا یُتوقع من الجارتین المسلحتین نوویًا أن تعربا عن رغبتهما فی تصعید التوترات والإحتکاکات، نظرًا للعواقب الوخیمة والمخاطر الناجمة عن أزمة لا یمکن السیطرة علیها. وبناءً على ذلک، من المتوقع أن یتفق کلا الفاعلین على تقلیل التوترات، لتحقیق أهدافهما الاستراتیجیة باستخدام الأدوات ومن خلال الوسائل غیر المسلحة والعودة إلى فترة أخرى من الحفاظ على الوضع الراهن على الحدود حتى تسویة الخلافات بشکل نهائی.

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است