الهند والشرق الأوسط؛ تقارب القوى ضد باکستان

منذ عام ۲۰۱۴ تزامناً مع صعود حزب بهاراتیا جاناتا (Bharatiya Janata Party - BJP) بقیادة مودی فی الهند، إتخذت البلاد نهجًا جدیدًا فی الشرق الأوسط.
18 جمادى الأولى 1442
رویت 3263
مائدة کریمی قهرودى

 منذ عام 2014 تزامناً مع صعود حزب بهاراتیا جاناتا (Bharatiya Janata Party - BJP)   بقیادة مودی فی الهند، إتخذت البلاد نهجًا جدیدًا فی الشرق الأوسط. بتعبیر آخر، السیاسة الخارجیة للهند تجاه الشرق الأوسط، والتی تغیرت من سیاسة تقوم على مبدأ عدم الإنحیاز إلى البراغماتیة الإقتصادیة کضرورة لظهور قوة إقتصادیة ناشئة بعد الحرب الباردة، فی عهد رئیس الوزراء مودی، أصبح الشرق الأوسط شریکًا استراتیجیًا، وعلیه فإن سیاسة الهند الخارجیة تجاه الشرق الأوسط ترکز على المنطقتین المحتلتین من جهة ودول الخلیج الفارسی من جهة أخرى.

إذا نظرنا إلى التاریخ، فقد اعترفت الهند بعد الإعلان الرسمی عن الاستقلال الفلسطینی فی 18 تشرین الثانی (نوفمبر) 1988، بهذا البلد. على الرغم من إقامة العلاقات الدبلوماسیة بین الهند والنظام الصهیونی منذ أواخر عام 1992 ،  بالنظر إلى نضال الهند ضد الاستعمار البریطانی، تبنی سیاسة عدم الانحیاز، دعم حرکات التحریر المناهضة للاستعمار  وعدد کبیر من المسلمین فی البلاد، حاول مسؤولون الهنود تحقیق توازن بین العلاقات مع الکیان الصهیونی وفلسطین. لکن منذ عام 2014 ، أصبحت العلاقات بین دلهی وتل أبیب أقرب بکثیر. خلال حقبة مودی، ولأول مرة منذ استقلال الهند، یسافر رئیس وزراء هندی إلى الأراضی المحتلة، وبعد ستة أشهر یغادر نتنیاهو إلى دلهی. وسیفتح البلدان فصلا جدیدا فی علاقاتهما من خلال توقیع اتفاقیات ومذکرات تفاهم فی مختلف المجالات الاقتصادیة والأمنیة والعسکریة. وتجدر الإشارة إلى أن مودی یرفض السفر إلى فلسطین والالتقاء بمحمود عباس خلال هذه الرحلة ، خلافًا للأسالیب المعتادة فی الدول.

من ناحیة أخرى، نشهد أحداثاً فی العلاقات بین الهند ودول الخلیج الفارسی وخاصة الإمارات العربیة المتحدة. تمت الزیارة الأولى لرئیس الوزراء الهندی مودی إلى الدول العربیة فی منطقة الخلیج الفارسی بعد ما یقرب من ثلاثة عقود فی عام 2015 إلى الإمارات العربیة المتحدة. بعد ذلک، خلال زیارة ولی عهد أبوظبی فی ینایر 2017 لحضور احتفال عید الإستقلال الهندی کضیف خاص، أصبحت العلاقات الودیة بین البلدین شراکة استراتیجیة وتمّ توقیع 16 وثیقة تعاون. بینما کانت آخر زیارة لشخصیة بارزة من دول الخلیج الفارسی کضیف شرف فی عام 2006 بحضور العاهل السعودی السابق عبد الله بن عبد العزیز.

الإمارات العربیة المتحدة هی ثالث أکبر شریک تجاری ومصدر لموارد الطاقة ووجهة لتوظیف 2.5 ملیون هندی - ما یعادل 30٪ من سکان الإمارات العربیة المتحدة - وشریک استثماری للهند. تعد دولة الإمارات من أهم المستثمرین الأجانب فی الهند، ومع الإتفاقیات الأخیرة ستزید نسبة استثماراتها فی الهند بشکل کبیر. تمت زیارة مودی التالیة إلى الإمارات فی فبرایر 2017 ثم فی أغسطس 2019، وحصل على أعلى وسام مدنی فی دولة الإمارات العربیة المتحدة. کما تمّت دعوة وزیر الخارجیة الهندی کضیف خاص فی إجتماع منظمة التعاون الإسلامی لعام 2019 فی أبو ظبی.

على الرغم من أن براغماتیة مودی ونمو الهند الإقتصادی مواجهة للصین هو أحد أهداف قرب مودی من الشرق الأوسط، لا ینبغی إهمال أهدافه السیاسیة والأمنیة، کما اتّخذت الدول العربیة فی الخلیج الفارسی مواقف ومقاربات جدیدة تتماشى مع الهند فی القضایا السیاسیة والأمنیة والعسکریة المهمة. المثال الأول یعود إلى حضور الهند قمّة منظمة التعاون الإسلامی. فی حین أن أحد البنود الأخیرة للقمة کان دائمًا بشأن کشمیر وإدانة تصرفات الهند فی المنطقة، فإن دعوة الهند، فی الواقع، استبعدت إثارة قضیة کشمیر بناءً على طلب باکستان. نشأت منظمة التعاون الإسلامی‌بهدف متابعة القضایا الهامة للعالم الإسلامی مثل کشمیر. وأعقبت الدعوة للهند احتجاجات من باکستان وغیابها عن الإجتماع.

الحالة الثانیة هی إلغاء الهند للحکم الذاتی الخاص لمنطقة کشمیر وإقرار الأحکام العرفیة فی البلاد فی أغسطس 2019. على الرغم من تاریخ دعم دول الخلیج الفارسی لباکستان فی قضیة کشمیر، فی هذا الوقت، اعتبرت الإمارات الأمر داخلیًا ووصفت تحرک الهند بأنه مصدر سلام واستقرار أکبر، ولم تتخذ السعودیة موقفًا محددًا. ولم یعیق ذلک الهند فی ظل وجود قرارات مجلس الأمن ورغبة الدول فی حل القضیة عبر المفاوضات والمنظمات الدولیة.

تعود الحالة الثالثة إلى بضع سنوات سابقة فی عام 2015. إثر قرار برلمانی باکستان بشأن عدم التدخل بشکل مباشر فی حرب الیمن وعلى الرغم من التزام باکستان بحمایة الحرمین الشریفین والدفاع عنه فی حال تعرضهما لأی اعتداء، وجهت الإمارات أقوى احتجاج لباکستان، معلنة أن باکستان ستدفع ثمناً باهظاً لحیادها تجاه الحرب الیمنیة.

الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسیة بین الإمارات والنظام الصهیونی فی سبتمبر 2020 أکمل مثلث العلاقات الهندیة الصهیونیة الإماراتیة وخلق جبهة جدیدة للقوة بمزیج من مودی هندوسی ونتنیاهو یهودی وبن زاید بن زاید مسلم یسمى "الهند والشرق الأوسط" وصدمت باکستان لأن إقامة العلاقات الدبلوماسیة مع الإمارات ومن ثم البحرین، وکذلک الصمت والمواقف السلبیة للدول العربیة مثل السعودیة من جهة، وعدم قوة وقدرة دول مثل بنغلادیش ضد الهند من جهة أخرى، تشیر إلى بیئة أمنیة غیر مواتیة حول باکستان وابتعاد أصدقاء وحلفاء إسلام آباد القدامى والمسلمین. فی هذه الحالة، من الهند إلى الشرق الأوسط لا یوجد أصدقاء لباکستان سوى  إیران.

مما لا شک فیه أن هدف التحالف المتمرکز حول الهند بقیادة رئیس الوزراء مودی باعتباره متطرفًا هندوسیًا هو تقیید باکستان - باعتبارها دولة مسلمة وجارة جیدة لإیران والصین وروسیا - والضغط على مسؤولی إسلام أباد بشأن کشمیر. حکومة مودی تحاول ممارسة أقصى قدر من الضغط على باکستان لمنع إسلام أباد من المواقف العدائیة أو التخریبیة والإرهابیة فی الهند وکشمیر وأفغانستان. من أجل تشدید الحصار على باکستان، حاولت الهند دفع الدول الصدیقة لباکستان عن طریق الإندماج مع إسلام أباد من جهة، ومن جهة أخرى، بسبب عدم إقامة العلاقات الدبلوماسیة الباکستانیة مع الکیان الصهیونی، مع  تزاید الوجود الصهیونی فی جنوب آسیا، ستواجه السیادة الباکستانیة المزید من الصعوبات.

فی مثل هذه الحالة، باکستان بحاجة إلى دفع مبالغ إضافیة لإدارة شؤونها الحیویة مثل کشمیر، ومسألة السلام مع طالبان، والحفاظ على العلاقات مع العرب، وإدارة العلاقات مع النظام الصهیونی والولایات المتحدة، فی ظل الإقتصاد المضطرب، والتحدیات الإقلیمیة، والتوترات الحزبیة والعرقیة الداخلیة تجعل هذا صعبًا للغایة. فی حین أن باکستان التی تحتاج إلى مساعدات خارجیة لتسییر شؤونها، بما فی ذلک العالم العربی، تواجه حالیًا أزمة فی أحد أهم مصادر تمویلها، وهو الشرق الأوسط، وبالتالی ستتأثر القضایا العسکریة والدفاعیة الباکستانیة.

وهکذا، فی علاقات الهند مع باکستان، لا یوجد فقط إتجاه إیجابی فی حل تحدیات أکثر من 70 عامًا للبلدین، ولکن الهند تسعى لإضعاف باکستان وفرض شروط جدیدة علیها، تؤثر بشکل مباشر على باکستان وتؤثر بشکل غیر مباشر على إیران والصین والمنطقة.

 مائدة کریمی قهرودى، خبیر فی وزارة الخارجیة

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است