فی السنوات الأخیرة، کان من أهم اهتمامات البلدان العالم فی مجال تولید الکهرباء وإمدادات الطاقة، ومواجهة المخاطر البیئیة مثل تلوث الهواء وتغیر المناخ. فی مثل هذه الحالات، یتمتع استخدام محطات الطاقة النوویة بظروف أفضل مقارنة بخیارات إمدادات الطاقة الأخرى بسبب توفیر الإستقرار المتزامن والسعر المعقول وفی نفس الوقت انخفاض التلوث.
من خلال تسجیل رقم قیاسی جدید فی العالم الیوم، تولد أکثر من 440 محطة للطاقة النوویة فی 30 دولة ما یقارب من 370.000 میغاواط من الکهرباء وکل یوم تعلن دول جدیدة عزمها على بناء محطات طاقة جدیدة وعلى التوالی تمتلک کل من الصین والهند وروسیا والإمارات العربیة المتحدة وکوریا الجنوبیة والعدید من الدول الأخرى، مثل بنغلادیش وأوکرانیا وبیلاروسیا والولایات المتحدة وباکستان وسلوفاکیا والیابان، محطتین للطاقة النوویة قید الإنشاء، مما یزید من عدد الدول التی تستخدم الطاقة النوویة. فی حین أن استمرار معارضة الأنشطة السلمیة للبرنامج النووی الإیرانی والضغط المزدوج تحت ذرائع مختلفة، یظهر السیاسة المزدوجة للدول الغربیة فی التعامل مع قضیة البرنامج النووی الإیرانی.
أدى الاتجاه المتزاید لاستهلاک الطاقة إلى قیام دول مختلفة فی العالم بتخصیص حصة أکبر من الطاقة النوویة فی توفیر الکهرباء المطلوبة. فی السنوات الـ 12 الماضیة، تم تشغیل ست محطات طاقة جدیدة فقط فی أوروبا، على الرغم من إغلاق العدید منها فی بلغاریا ولیتوانیا وألمانیا وإسبانیا والسوید والمملکة المتحدة بسبب التقادم.
من حیث نسبة استهلاک الطاقة النوویة فی العالم، حالیًا الولایات المتحدة بنسبة 30٪ ، فرنسا 15٪، الصین 13٪، روسیا 7.5٪، کوریا الجنوبیة 5.5٪، کندا وأوکرانیا وألمانیا والسوید والیابان وإسبانیا من 4 إلى 2٪. فی أوروبا أیضًا، المنافسة على الطاقة النوویة مستمرة، ومنذ عام 2010، دعت المفوضیة الأوروبیة الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی إلى بدء دراسات حول الاستخدام الأوسع للطاقة النوویة، وبالتالی تقلیل اعتمادها المتزاید على الغاز والنفط وضمان أمن الطاقة. کما تحذر المفوضیة الأوروبیة فی توصیتها من أن الطاقة النوویة البدیلة جیدة لمکافحة الاحتباس الحراری.
من المثیر للاهتمام، فی أوروبا، بعد الوکالة والمفوضیة، أن البرلمان دخل أیضًا فی القضیة ودعت الدول الأعضاء إلى العمل على توسیع بناء محطات طاقة نوویة جدیدة، وتم اعتماد قرار متخصص بأغلبیة الأصوات، خاصة من قبل الأعضاء الألمان فی البرلمان الأوروبی. بشکل عام، الوضع على وشک التغییر، ویرى العدید من السیاسیین أن الطاقة النوویة فرصة ذهبیة؛ وفی هذا الصدد، یقول سانتیاغو سان أنطونیو، المدیر العام للوکالة الأوروبیة للطاقة الذریة، FORATOM: "نحن نشهد عودة وتنشیط الطاقة النوویة".
أصبحت حدود الحرب الباردة السابقة فی أوروبا الشرقیة ساحة معرکة لمحطات الطاقة النوویة التی تبلغ قیمتها عشرات الملیارات من الدولارات. بعد أربعة أشهر من رفع الحظر المفروض على تمویل معاملات الطاقة النوویة فی الخارج، تجد الولایات المتحدة فرصة لشرکات مثل شرکة جنرال إلکتریک (General Electric Co) وستنجهاوس (Westinghouse) ومجموعة بکتل (Bechtel Group Inc).
فی هذا الصدد، فی السنوات الأخیرة، أبرمت الشرکات النوویة الأمریکیة الاتفاقیات التالیة مع أوروبا الشرقیة:
أ: أوکرانیا: استخدام بدیل للوقود النووی الأمریکی بدلاً من الوقود الروسی
ب: بلغاریا؛ الاستفادة من التکنولوجیا الأمریکیة لبناء محطة کهرباء جدیدة
ج: رومانیا؛ استخدام التسهیلات المصرفیة لبنک اکسیم لبناء محطة طاقة جدیدة بقدرة 1000 میجاوات
د: بولندا؛ الاستفادة من الاعتمادات المالیة والمعرفة الفنیة لبناء أول محطة طاقة مشترکة
من الجانب، وقعت الولایات المتحدة مذکرة تفاهم لتمویل مفاعل جدید واتفاقیات أخرى مع رومانیا وبولندا وبلغاریا الذی یعتزم إحیاء مشروع المفاعل القدیم وتعد زیادة فرص الحصول على التمویل والتکالیف التنافسیة میزة رئیسیة للجانب الأمریکی. الشیء الذی یتعارض مع مصالح روسیا والصین فی المنطقة. ومن ناحیة أخرى، دول أوروبا الشرقیة التی یعتمدون على الوقود الأحفوری الروسی واحتیاطیاتهم من الفحم، لدیهم الدافع لمتابعة الخیارات النوویة اکثر من الاخرین. وهذا الاتجاه، إلى جانب التغییرات التنظیمیة، سیسمح للولایات المتحدة بالمنافسة للحصول على المزید من الحصة فی هذا السوق، والتی یتراوح قیمته بین 500 ملیار دولار و 700 ملیار دولار على مدى السنوات العشر القادمة.
ومع ذلک، یقول مسؤول حکومی قریب من الصناعة النوویة الروسیة إن بلاده لا ترى فی الاتفاق النووی الأمریکی الحالی فی أوروبا تهدیدًا لریادة روسیا فی هذا المجال؛ لان لم یعد لدى الشرکات الأمریکیة عرض النطاق الترددی لبناء محطات طاقة جدیدة، ومن المرجح أن تقتصر المشاریع الأمریکیة فی أوروبا على اتفاقیات الخدمة.
إن حاجة رومانیا لتحدیث مفاعل حالی یجعلها مرشحًا محتملاً لاستخدام التمویل الأمریکی أو بدء العمل مع الولایات المتحدة وکندا وفرنسا. تتزاید الشکوک حول الضغوط الاقتصادیة والإرادة السیاسیة بشأن القضیة النوویة التی أعلنتها بولندا وبلغاریا. بالنسبة للبعض، تظل روسیا الشریک الرئیسی فی التکنولوجیا والتمویل. کما أن المجر فی المراحل النهائیة من صفقة تطویر نووی بقیمة 10 ملیارات یورو (12 ملیار دولار) مع روسیا. على الرغم من أنه من المتوقع أن یتم توفیر التوربینات اللازمة من قبل شرکة جنرال إلکتریک، لذلک فی حالة المجر، لا توجد مسألة منافسة؛ لأن التکنولوجیا والمصداقیة الروسیة کانتا مفضلة لتطویر محطة الطاقة النوویة.
فی جمهوریة التشیک، تحولت المنافسة على بناء مفاعل نووی جدید إلى صراع جیوسیاسی بین الولایات المتحدة وروسیا والصین بعد سنوات من التوقف. وعلى الصعید السیاسی، تتأرجح جمهوریة التشیک بین القوى العظمى الثلاث. کما تعاونت شرکة روسیة مع شرکة فرنسیة وأمریکیة للفوز بصفقة لبناء محطتین للطاقة النوویة البلغاریة، وبشکل عام، أصبحت المجر وبلغاریا الآن حلیفین تقلیدیین لموسکو. أعلنت بولندا مؤخرًا عن بدء ثورة فی الطاقة یتم فیها استبدال الفحم بالطاقة الخضراء وإنشاء أول محطة للطاقة النوویة فی البلاد.
من سیوفر التکنولوجیا النوویة؟ فی أکبر اقتصاد فی أوروبا الشرقیة، أعلنت الحکومة عن تسریع مشروع بقیمة 40 ملیار دولار لبناء أول محطة للطاقة النوویة فی البلاد. أحد الأهداف هو تقلیل الاعتماد على الطاقة على الفحم، والذی یمثل حالیًا ما یقرب من 75 ٪. من المتوقع أن یبدأ تشغیل أول مفاعل نووی فی عام 2033. طلبت حکومة براتیسلافا مؤخرًا من شرکة Slovenske Elektrarne إجراء تقییم للأثر البیئی کشرط مسبق للترخیص. ترغب الشرکة فی بناء الوحدتین 3 و 4 من محطة Mochovce للطاقة بسعة 440 میغاواط، لکن فی مرحلة استلام الاعتمادات وتراخیص التصنیع، فإنها تواجه عملیة صعبة.
بشکل عام، على الرغم من أن دول البلقان لم تطلق بعد أی مشاریع نوویة جدیدة، لکن دول أوروبا الشرقیة، الدول الأعضاء فی الاتحاد الأوروبی والدول غیر الأعضاء، إنهم ملتزمون بالحصول على المزید من الکهرباء من مصادر متجددة فی العقود القادمة، ولتحقیق هذا الهدف، لا تحتاج کل دولة إلى تطویر البنیة التحتیة للطاقة الموجودة فحسب، بل تحتاج أیضًا إلى تحدیث المخططات التنظیمیة والأسواق التقلیدیة، ویعتمد نجاح هذه الجهود على التعاون الإقلیمی والاستثمار الأجنبی.
فیما یتعلق بالتعاون الإقلیمی، اتخذت بلدان أوروبا الشرقیة العدید من المبادرات المشترکة لتلبیة حاجتها إلى بنیة تحتیة أفضل وتحقیق المساواة مع أوروبا الغربیة، مما مهد الطریق لتکثیف المنافسة من المثلث القوی لمحطات الطاقة النوویة، أی الولایات المتحدة؛ الصین وروسیا فی المنطقة.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"