بعد زیارة أبی أحمد التاریخیة لإریتریا فی عام 2018 والحرکة الناشئة من أجل السلام فی القرن الأفریقی، اقترح قادة إثیوبیا وإریتریا والصومال فی اجتماعهم الثلاثی الثالث فی ینایر من هذا العام أن تعمل الدول الثلاث معًا لتشکیل کتلة تعاون إقلیمیة جدیدة، والتی عُرفت فیما بعد باسم القرن الأفریقی. کشف تشکیل هذه الکتلة الجدیدة من التعاون حتى الآن عن الفرص والتهدیدات المتناقضة فی التعاون الإقلیمی فی منطقة القرن الأفریقی وجیرانها فی البحر الأحمر وشرق أفریقیا.

العلاقات فی القرن الأفریقی  معقّدة ومتشابکة للغایة. وقد یکون إنشاء کتلة إقتصادیة وسیاسیة وسیلة لتحقیق السلام وتعزیز التجارة ، لکن هناک خطر فی أنّ هذا الأمر قد یؤدی إلى عدم الثّقة فی دول شرق إفریقیا الأخرى والمؤسسات الإقلیمیة مثل منظمة إیقاد  (IGAD)Intergovernmental Authority on Development .

ویتزاید هذا الخطر بسبب التنافس العمیق بین إریتریا وإثیوبیا والصومال فی منطقة متوترة من القرن الأفریقی، المنطقة التی کانت متورطة فی عقود من الحرب الأهلیة والصراع وضعف التنمیة الإقتصادیة.

الصومال هو المثال الأکثر وضوحاً للحکومات الأکثر هشاشة فی العالم لإدراجها فی الکتب المدرسیة. تفککت الحکومة إبان الحرب الأهلیة فی التسعینیات إلى درجة انهارت رکائزها الأساسیة وتعطّلت الظروف والمسؤولیات الأساسیة للحکومة فی هذا البلد.

إریتریا وإثیوبیا  کانتا فی حالة حرب لسنوات عدیدة. کما شهدت إثیوبیا والصومال مواجهات تاریخیة طویلة وعنیفة. مثال على ذلک الصراع المستمر للسیطرة على منطقة أوغادین (Ogaadeen). لکن عندما قام رئیس الوزراء الإثیوبی آبی احمد (Abiy Ahmed) برحلته التاریخیة إلى اریتره فی عام 2018، إنتهى الصراع بین البلدین. بعد ذلک حصل آبی أحمد على جائزة نوبل للسلام عن هذه الخطوة.

إتفاقیة السلام خلقت دینامیکیة فی منطقة القرن الأفریقی وما حولها، لدرجة أنّ الإنتفاضة الشعبیة فی السودان، والتی أعقبتها إتفاقیة السلام السودانیة الأخیرة، یمکن أن تنسب إلیها. وبعد هذه الإتفاقیة عقد قادة إثیوبیا وإریتریا والصومال إجتماعهم الثلاثی الثالث فی 27 ینایر 2020. وفی ذلک الإجتماع، إقترحوا أن تعمل الدول الثلاث معًا لتشکیل کتلة إقلیمیة جدیدة، عُرفت فیما بعد باسم القرن الأفریقی.

وبحسب المنظمات الإقلیمیة القائمة، یجب أن یکون للدول الأعضاء فی الکتلة عضویة إضافیة، بالإضافة إلى عضویتها فی الإتحاد الأفریقی، کما ستقبل عضویتها  فی السوق المشترکة لشرق وجنوب إفریقیا وقوات الرد السریع فی شرق إفریقیا والمنظمة الحکومیة الدولیة فی منطقة القرن وشرق إفریقیا، وتداخل عضویاتهم والتزاماتهم والشروط الجدیدة یجب أن تدار بشکل جدی وهو أمر صعب للغایة.

قد یؤدی إنشاء کتلة جدیدة إلى تباعد دول شرق إفریقیا الأخرى عن القرن الأفریقی ، حیث یمکن أن تضعف الکتلة الجدیدة الجهود الأمنیة للمنظمات الإقلیمیة الأخرى ، مثل منظمة التنمیة الحکومیة الدولیة ، والإتحاد الأفریقی ، وقوّة الرد السریع فی شرق أفریقیا. لذلک من الواضح أنّ الفرص والتهدیدات لهذه الکتلة الجدیدة یمکن أن تؤثّر على الهیکل الإقلیمی، لیس فقط فی القرن الأفریقی ولکن أیضًا فی القرن الأفریقی الأکبر، بما فی ذلک السودان ومصر من جهة وشرق إفریقیا من جهة أخرى. وتسبب توترات سیاسیة وأمنیة جدیدة ومعقّدة بین الجیران والدول والمنظمات الإقلیمیة. على الرغم من هذه التهدیدات، التی لا تبدو بعیدة عن أعین قادة الدول الثلاث ، یجب إلقاء نظرة فاحصة على ما أدّى إلى اقتراح الکتلة الإقلیمیة.

بالإجمال، على ما یبدو أنّه بالإضافة إلى التحدیات الأمنیة فی القرن الأفریقی والمخاوف الداخلیة لکل دولة، فإنّ أهداف وتدخّلات القوى الإقلیمیة والدولیة، بما فی ذلک الأهداف الرئیسیة للولایات المتّحدة فی تحقیق صفقة القرن، إنشاء منطقة جدیدة لتقلیل أهمیة الخلیج الفارسی، وتفکّک القوة وتوحید الإتحاد الأفریقی، والحضور المتزاید فی منطقة باب المندب الحساسة والبحر الأحمر کطریق تجاری عالمی لمواجهة الصین وخلق سوق إقتصادی جدید، فیما یتعلق بثروات المنطقة وکثرة سکانها والعدید من الأهداف الصغیرة والکبیرة لقوى إقلیمیة مثل ترکیا والسعودیة والإمارات للمشارکة فی تشکیل هذه الکتلة الجدیدة. ومع ذلک، عند النظر إلیها من منظور الدول المقترحة، یبدو أنّ التحدیات الأمنیة فی القرن الأفریقی والمخاوف الداخلیة لکل من الدول الثلاث هی الدوافع الرئیسیة لهذا التعاون.

من الواضح أنّ التعاون الإقلیمی یشمل بعض القضایا الرئیسیة، بما فی ذلک التجارة والبیئة المستدامة، کما أنّه عنصر أساسی فی معالجة التهدیدات الأمنیة. ویمکن أن تساعد هیئة إقلیمیة للتعامل مع قضایا السلام والأمن فی حل النزاعات بین الدول الثلاث فی القرن الأفریقی ویمکن أن یساعدها أیضًا فی إدارة التهدیدات الأمنیة الداخلیة.

من وجهة نظر إقتصادیة، لیس جلیاً  کیف یمکن لهذه البلدان الثلاثة تعزیز علاقاتهم الإقتصادیة؛ وذلک لأن حجماً کبیرًا من التجارة فی بلدان هذه المنطقة یتم على نطاق محلی صغیر وبشکل غیر رسمی وأحیانًا غیر قانونی.

فیما یخص التجارة الرسمیة ، یوجد العدید من القیود بین الدول الثلاث. ترغب إثیوبیا باعتبارها الدولة غیر الساحلیة الأکثر تقدمًا فی الکتلة، إلى تعزیز روابط النقل والوصول إلى البحر للإنضمام إلى الأسواق العالمیة. عندما یتعلق الأمر بالصومال، فإنّ البلاد لیست قاعدة إقتصادیة موثوقة للصادرات ولا لدیها موارد مالیة کافیة للإستیراد. فی حالة إریتریا وإثیوبیا، فإنّ انتهاء الصراع الأخیر یعنی أنّه یجب إعادة العلاقات الإقتصادیة.

رغم ذلک، فإنّ التعاون الوثیق فی القرن الأفریقی لدیه القدرة إلى حد ما على تعزیز العلاقات الإقتصادیة والتجاریة بین البلدان الثلاثة.

إنّ إنشاء کتلة إقلیمیة جدیدة هو أیضًا فرصة للقادة لإظهار عملهم وحالة المنطقة. قد یؤدی وضع مبادرة التعاون فی القرن الأفریقی على الطاولة إلى تحویل الرأی العام عن التحدیات الداخلیة فی البلدان الثلاثة، مثل الأزمة السیاسیة الإثیوبیة الحالیة. مع اقتراب موعد الإنتخابات فی إثیوبیا والصومال، أبی أحمد وفارماجو بحاجة إلى هذه الخطة لإعادة انتخابهما. فی إریتریا، یرى السید أفوقی القضیة کفرصة لتعزیز سمعته وسمعة إریتریا على المستوى الإقلیمی. وترى البلاد أنّ التکتل یمثل فرصة للإطاحة بمنظمة التنمیة الحکومیة الدولیة، التی فرضت علیها إریتریا عقوبات منذ سنوات لإصرارها على مواقفها بشأن المبادئ الأساسیة للحکم الرشید واتهامها بالتأثیر من کینیا.

عقب إنشاء تکتل القرن الأفریقی،أصبحت منظمة التنمیة الحکومیة الدولیة من المنافسین المباشرین، والتی تتکون من جیبوتی وإریتریا وإثیوبیا وکینیا والصومال والسودان وجنوب السودان وأوغندا. کانت الجهود التی بذلتها البلدان الثمانیة للعمل معًا لإدارة الصراع فی الصومال والسودان وجنوب السودان ناجحة نسبیًا فی السنوات الأخیرة. ورغم ذلک، لا یبدو أنّ المنظمة لدیها رؤیة للتکامل الإقتصادی کما أنّها تعانی من هیاکل تنظیمیة غیر فعّالة. ویمکن أیضاَ أن یکون عرض التعاون من القرن الأفریقی محاولة لتحقیق الإصلاح داخل المنظمة. لکن الکتلة الإقلیمیة الجدیدة ستواجه صعوبة فی الحصول على مرکزها مقابل القوة الحالیة. التعاون مع القرن الأفریقی یمکن أن یؤثر على قوات حفظ السلام، والأهم من ذلک أنّه یمکن أن یؤثّر على الجهود الأمنیة للإتحاد الأفریقی فی المنطقة من خلال تغییرات جدیدة فی هیکل السلام والأمن الأفریقی.

ویهدف هذا التعاون أیضًا إلى تحویل مسار الشرکاء الإقلیمیین الذین یواجهون فقدان التأثیر الإستراتیجی فی المنطقة. لذلک، کانت ردود الفعل الأولیة لجیبوتی وکینیا على تشکیل هذه الکتلة الجدیدة شدیدة البرودة. جیبوتی هی جارة الدول الثلاث ومرشحة محتملة للإنضمام إلى الکتلة الجدیدة. ومع ذلک، فإن جیبوتی هی المقر الرئیسی لمنظمة التنمیة الحکومیة الدولیة وتستضیف أیضًا فرقة قوّة العمل المشترکة الأمریکیة فی القرن الأفریقی. بالإضافة إلى ذلک، فإنّ سکة حدید جیبوتی-أدیس أبابا هی حالیًا المنفذ الإثیوبی الوحید إلى البحر، وتدر التجارة الإثیوبیة إیرادات کبیرة لموانئ جیبوتی. وبالتالی، یمکن للإتصالات والنقل عبر إریتریا أو الصومال أن یقوّض موقع جیبوتی کمرکز إقتصادی ولوجستی. بالنسبة لمحطات الطاقة الإقلیمیة فی کینیا، یمکن أن یؤدی التعاون الوثیق بین الجیران الثلاثة إلى تقلیل النفوذ فی المنطقة.

سوف یتأثر نفوذ کینیا کلاعب مهم فی تنمیة القرن الأفریقی وشرق إفریقیا بتکتل التعاون الجدید فی القرن الأفریقی. وفی هذا الصدد، فإن مشروع النقل من کینیا إلى إثیوبیا والسودان وجیبوتی، وبشکل عام التقارب الذی نشأ فی منظمة إیقاد، یمکن أن تهدده کتلة التعاون الجدیدة هذه. لذلک لیس من المستغرب أنه فی شرق إفریقیا، وخاصة فی کینیا، حتى فی الدوائر الرسمیة، تمّ تسمیة الکتلة الجدیدة للقرن الإفریقی بـ Anti-Igad.

من وجهة نظر الرأی العام لدول المنطقة، کانت هناک ردود فعل متباینة على فکرة کتلة القرن الأفریقی، وبعد إعلان ثلاثی من قبل قادة إثیوبیا والصومال وإریتریا، أطلق وزیر الداخلیة الصومالی السابق آدم هیرسی إستطلاعًا على موقع تویتر یسأل: "هل تعتقد أن إنشاء العنوان الإقلیمی الجدید فکرة جیدة".  

أجاب أکثر من 57٪ من الذین شملهم الاستطلاع فی البلدان الثلاثة، بالإیجاب على هذا السؤال، مشیرًا إلى أنّ الرأی العام فی إثیوبیا وإریتریا والصومال محل ترحیب نسبیًا؛ بینما الناس والحکومات فی جیبوتی وکینیا ما زالوا مترددین حیال ذلک. وباختصار، فإنّ اقتراح إنشاء کتلة القرن الأفریقی یعد بمعالجة القضایا العابرة للحدود وتعزیز التعاون بین الدول الثلاث؛ ومع ذلک، یمکن أن یؤدّی إلى عدم ثقة جدید؛ وخلق صراعات جدیدة فی المنطقة، تؤثّر على علاقات الجوار وتعقّد التعاون مع المؤسسات الإقلیمیة الأخرى.

قد یؤثر ذلک سلباً على أنشطة حفظ السلام فی القرن الأفریقی وحتى منطقة القرن الأفریقی الأکبر، بما فی ذلک السودان وجنوب السودان. ویبقى أن نرى ما إذا کانت هذه المبادرة الجدیدة ستقرّب الحکومات من بعضها أو تزید من تقسیمها.

 محمد نیکخواه خبیر أول فی دراسات أفریقیا

  "إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"