إنتخابات أمیرکا لها آلیات معقدة، وقد أدّى ذلک إلى خلافات بین ترامب وبایدن حول نتیجة الإنتخابات الأمریکیة الأخیرة. هناک 17 طریقة للتصویت فی ولایات أمریکیة مختلفة، ومن حیث المصادقة الإنتخابات الأمریکیة تحتل المرتبة 37 بین دول العالم. أثارت الإنتخابات الأخیرة مخاوف جدیّة تتعلق بکیفیة التعامل مع احتجاج ترامب على النتائج غیر الرسمیة للإنتخابات وکیفیة إضفاء الشرعیة علیها وإقناع ترامب بقبول فوز بایدن فیها. ولکن حسب الظاهر، على مدى السنوات الأربع المقبلة، لن یحظى المجتمع الأمریکی ثنائی القطب بوقت سعید، ولن تکون تهمة الکذب والإحتیال دائمًا على عاتق إدارة بایدن، إنما المستقبل غیر المؤکّد أیضاً للسیاسات الداخلیة، والصراع بین الملونین والبیض.
تکشف دراسة متوازنة وعلمیة للتطورات الأمریکیة عن مبدأ واحد وثلاثة عوامل. النقطة المهمة هی أننا، بینما نمضی قدمًا، سنکون أکثر درایة بالنظام الإنتخابی الأمریکی. الإنتخابات فی الولایات المتحدة لها آلیات ملتویة، وقد أدّى ذلک إلى خلافات بین ترامب وبایدن حول کیفیة التصویت. هناک 17 طریقة تصویت فی ولایات أمریکیة مختلفة ، ومن حیث المصادقة، الانتخابات الأمریکیة تحتل المرتبة 37 بین دول العالم. العامل الأول هو أن کلا المرشحین تنافسا جنباً إلى جنب بأکثر من سبعین ملیون صوت ، وهو أمر لا یمکن تجاهله. العامل الثانی هو فوز جو بایدن، والذی یعتمد تقریبًا على نصف زائد واحد. هذا عیب کبیر فی نظام التصویت السائد فی جمیع البلدان ، حیث یتم تجاهل ما یقرب من نصف عدد الناخبین. العامل الثالث هو "رکائز الحکومة" فی الولایات المتحدة أو الدولة العمیقة (Deep State)، التی تسعى إلى ممارسة الشرعیة والدستور و "الإصلاح الذاتی" للنظام السیاسی وتحاول الإستمرار فی الإتجاه الصحیح.
فی الانتخابات الأخیرة، ظهرت وسائل الإعلام، ومحاکم الولایات، والمحکمة العلیا، والکونغرس، ومعاهد البحوث، وشخصیات علمیة وسیاسیة بارزة لمناقشة کیفیة التعامل مع احتجاج ترامب على النتیجة غیر الرسمیة للإنتخابات وکیفیة إضفاء الشرعیة علیها وإقناعه بنتیجتها. کافح ترامب لقبول فوز بایدن فی الإنتخابات الأخیرة. فی هذا الموضوع، من المهم الإشارة إلى بعض القضایا. أقام دونالد ترامب إتصالات مباشرة مع السیاسیین والباحثین ووسائل الإعلام وعامة الجمهور، وهو یخطط لتأسیس إعلام مستقل. إذا اتّخذ ترامب إجراءً، فسیهدم شرعیة نظام الحکم الأمریکی. من الواضح أن ترامب قال أنّه بسبب اتهامه بمساعدة روسیا فی الترشح لمنصبه عام 2016 لمدة أربع سنوات، فإنّه سوف یثیر قضیة التزویر فی إنتخابات بایدن على مدى السنوات الأربع المقبلة.
کما أعرب الرئیس السابق باراک أوباما عن قلقه بشأن التشکیک فی الدیمقراطیة الأمریکیة. إلتزم معظم الجمهوریین الصمت، أحیانًا خوفًا من ترامب ولتجنب الإنقسامات داخل الحزب. على الرغم من أنّ تحدثت عدد قلیل ضد ترامب، فإنّ کبار قادة الحزب لا یزالون إلى جانبه.
لا یمکن تجاهل مظاهرات أنصار ترامب الذین یبلغ عددهم بالملایین أو بالآلاف، لأنّه یمتلک سبعین ملیون صوت فی المجتمع الأمریکی على أی حال. و أیضًا هناک مزاعم ضد ترامب بأنه ربما یحاول استخدام الأعذار السیاسیة لتسویة التهم الموجهة إلیه.
بعض وسائل الإعلام الأمریکیة، بما فیهم CNN، قارنت ترامب أحیانًا بأدولف هتلر. حلّ ترامب محل کبار المسؤولین التنفیذیین فی وزارة الدفاع، وهی خطوة أثارت قلق العدید من السیاسیین. ووفقًا لبعض إجتماعات ترامب مع فریق الأمن القومی والجیش الأمریکی، أشارت وسائل الإعلام إلى أنه فی الأیام المتبقیة، من المرجح أن یقوم ترامب بعمل عسکری فی الشرق الأوسط. کما یخطط لخفض کبیر فی عدد القوات الأمریکیة فی أفغانستان والعراق دون الأخذ برأی المستشارین.
یقال إن جو بایدن لا یمکن أن یوحّد الشعب الأمریکی وخطر الحرب أو الإرهاب الداخلی محسوس بالکامل. لقد تضررت الدیمقراطیة الأمریکیة ویجب إحیاؤها. على الرغم من أنّ المراقبین یعتقدون أن نظام الحکم فی الولایات المتحدة لدیه قوة الإصلاح الذاتی، فهل سیکون ذلک بمثابة الإصلاح الذاتی فی اتجاه سیاسات بایدن للتعددیة وتوحید الشعب الأمریکی، أم أنّ ترامب سیسعى إلى نظام للإنتخابات الرئاسیة لعام 2024؟ إحیاء العنصریة والإنحیاز على أساس "أمریکا أولاً". هناک حدیث حالیًا عن فقدان التفوّق الأبیض لنظام الحکم الأمریکی، والجمهوریون فی الکونجرس یشعرون بالقلق. أثار الزعیم الجمهوری فی الکونجرس علانیة قضیة فقدان الحکم الأمریکی من قبل البیض، وهذا بالتأکید أحد أسباب دعم الجمهوریین لترامب.
من الواضح أن ترامب فی منصب صانعی الملوک (King maker)، ومن المتوقع أن ینشأ حزبًا ثالثًا ویترشح مرة أخرى لعام 2024 ویفوز برئاسة الولایات المتحدة. على ما یبدو، على مدى السنوات الأربع المقبلة، لن یحظى المجتمع الأمریکی ثنائی القطب بوقت سعید، ولن تکون تهمة الکذب والإحتیال دائمًا على عاتق حکومة جو بایدن فحسب، بل إن المستقبل غیر المؤکد للسیاسة الداخلیة صراعًا بین الملونین والبیض. سیوضح الوقت مدى نجاح بایدن الذی یعترف بالمشاکل المقبلة.
"إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة"